القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

40 عاماً على مجزرة «مخيم برج الشمالي».. أحد الناجين يصفها بيوم القيامة


محمد السعيد – لاجئ نت || الأحد، 05 حزيران، 2022

لا شك أن السابع من حزيران، منذ 40 عاماً وحتى اليوم، هو يوم حرقة وغصة لأبناء مخيم البرج الشمالي وفي قلب كل فلسطيني.. وهي ذكرى إحدى أفظع المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في كافة تواجدهم، ويصفها أبناء المخيم بأنها من أكبر الفظائع في التاريخ الفلسطيني وأكثرها فتكاً بالمدنيين الأبرياء بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ.

تعرض المخيم الواقع شرق مدينة صور جنوب لبنان للقصف الاسرائيلي اكثر من مرة، وكان اولها عام 1974 وتكررت الاعتداءات عليه وخاصة في اجتياح الاسرائيلي حيث تم تدمير اكثر من 70% من منازل المخيم والذي ادى الى ارتكاب مجزرة نادي الحولة، ومجزرة مغارة علي رميض (أبو خنجر) وملجأ روضة النجدة الاجتماعية إضافة إلى مغارة حي المغاربة وراح ضحيته أكثر من 120 شهيد.

وقعت المجازر في الأيام الأولى للاجتياح الصهيوني للبنان، وتحديداً في 7 حزيران بين الساعة الخامسة عصراً والثامنة مساءً، وذلك عندما بدأ الصهاينة بقصف عشوائي للمخيم، واستهدف الملاجئ والمغاور بقصف مركّز. وكان نصيب نادي الحولة أن يُدَّمر بالكامل بمن فيه من أطفال ونساء وشيوخ بواسطة الصواريخ والقنابل الفوسفورية الحارقة التي ظهرت أثارها على الجثث المدنيين المحترقة، ولم ينج يومها سوى ثلاث نساء أم العز وسعاد ولمعة وسعاد التي نجت من مجزرة الملجأ لتقتل في مجزرة صبرا وشاتيلا في ما بعد. أما الباقون فباتوا جثثاً محترقة ومتفحمة.

احد الناجون من المجزرة لمعة كليب تروي قصتها قائلة" كنت في الـ13 من العمر وقت حدوث المجزرة ونجوت بأعجوبة، كنت في زيارة لجدتي وحصل هناك قصف عنيف للمخيم، فتوجهنا إلى الملجأ للاختباء، وهناك حصل القصف على الملجأ وتعرض للقصف عدة مرات، وبعدها لم أعرف شيئاً، كل ما أتذكره أنني مشيت على جثث الموتى والجرحى الذين كانوا يصدرون أنيناً خافتاً، وعندما خرجت لم أميّز شيئاً توجهت إلى مؤسسة الأمام الصدر بجانب المخيم، وهناك أسعفني شابان وهناك آثار للحروق لا زالت في جسدي".

الشهادة الثانية كانت لمحمد عبد الله الذي فقد زوجته وأطفاله الأربعة، واصفاً حرب الاجتياح بأسوء الحروب والوضع أشبه بيوم القيامة حيث كل شخص يركض باتجاه مختلف يسأل عن اقربائه وابنائه وسط القصف والدمار.

يتابع حديثه قائلاً ركضت إلى النادي وكنت أول الواصلين. شاهدت الضحايا تسبح في دمائها. انتشلت ثلاثة من أولادي ولم أعثر على الرابع ولا على جثمان زوجتي. نقلت أطفالي إلى مؤسسة جبل عامل وكانت الطرق مدمرة. ولم يكن يوجد وسائل إسعاف في المؤسسة. وما أن طلع الصباح حتى فارق أطفالي الحياة. دفنتهم في قبر جماعي داخل المخيم.

أما مجزرة مغارة علي رميض "أبو خنجر" فلم ينجو منها سوى شخصان هما غسان ووالدته التي سميت باسمه وتحولت الى قبر جماعي يسكنه 21 من الضحايا. تحدث غسان واصفاً الأحداث غائصاً في التفصيلات، كأنما ذاكرته الغضة ما زالت منذ ذلك اليوم فقال: "كنت في الـ13 من عمري حينها، عند القصف اختبأنا في ملجأ قرب دكان أبو رياض بالبداية، وعندما سمعنا أن الملاجئ عرضة للقصف انتقلنا إلى مغارة منزلنا، وما إن شاهدت الطائرات الإسرائيلية شخصاً يدخل المغارة حتى قصفتها فوراً، وهو ما أدى إلى انهيارها وإغلاق مدخلها. بدأت اصرخ وأستغيث، حفرت وأخرجت ساقي من الانقاض بصعوبة ثم أخرجت ساقي اليسرى، وحينها رأيت فتحة بين الصخور ينفذ منها ضوء خافت، فتصورت أن هناك دنيا أخرى تحت الأرض غير الدنيا التي نعيشها. حاولت أن أمشي وكانت أمي أمامي مغطاة بالتراب فحاولت إبعاد التراب عن صدرها قدر المستطاع، وعندما خرجت رأيت القصف والدمار والهلع كأنها يوم القيامة، وكان أول مشهد وقعت عيني عليه منوة أبو خروب ممدّدة على الشارع وكانت بعين واحدة فاجأها القصف في الشارع وكان يقودها رجل ضرير يدعى (سويد) فتركها ونجا بنفسه، وقد أصيبت بشظية أفقدتها البصر تماماً، ضرير يقود نصف ضريرة في زمن الحرب؛ مشهد سريالي لكنه إنساني وحميم للغاية".

أضاف غسان، عندما توقف القصف ترك أهالي المخيم الملاجئ وتوجهوا نحو البساتين المجاورة، وفي هذه اللحظة شاهدت والدي قادماً وسألني عن مصير امي واخوتي فلم أخبره بشيء، وذهبنا سوياً إلى ملجأ قرب مسجد المخيم، وجاء عدد من ابناء المخيم يحملون المعاول وبدأوا برفع الانقاض وأخرجوا أولاً أبو شهاب الذي توفي فيما بعد، ثم أخرجوا زوجة أخي الأكبر سالم (عيدة) وحملوها إلى المستوصف، طلبت (عيدة) الماء فبللوا شفتيها فقط، ثم ما لبثت أن فارقت الحياة، ومن بعدها أخرجوا أمي ونقلناها إلى استراحة صور حيث كان مركز الصليب الأحمر هناك، وهي لا تزال تعاني من جراء الإصابة حتى هذا اليوم".

أصبحت المغارة الآن داخل حوش بيت آل رميض، وبقي الضحايا يسكنون البيت بأجسادهم وأرواحهم التي ستبقى شاهداً أبدياً على جريمة "أبطالها" معروفون ولكن من يستطيع محاسبتهم أو حتى إدانتهم أو شجبهم..