القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 29 كانون الأول 2024

تقارير إخبارية

أطفال مخيّم «البارد» يبيعون السمك


الثلاثاء، 28 شباط، 2023

كان يوماً مشمساً من أيام شباط وفجأة تغيّر الطقس وبدأت تُمطر، ولكن ليس بشدّة. كان الوقت قد تخطّى الساعة الحادية عشرة صباحاً. كنت أجلس على مقعدٍ خشبيٍّ أراقب حركة البحر من على شاطئ عكّار. حركة المرفأ إعتيادية ككلّ مرّة. مراكب الصيد متوقّفة والصيّادون يجمعون غلالهم من السمك لبيعها في المسامك والمزادات، والبعض الآخر كان يرمّم ما تخرّب من شباكٍ أو مراكب أثناء رحلة الصيد الأخيرة.

ما لم يكن اعتيادياً في ذاك المشهد هو حركة ثلاثة أطفال على الشاطئ، كانت لافتة، أحدهم يحمل كيساً من السمك داخله نحو ثلاثة كيلوغرامات. كانوا ينتقّلون من شخص إلى آخر ومن سيارة إلى أخرى، يتحدّثون مع أصحابها بأمر ما ثمّ ينتقلون بسرعة لأنّ الأمطار كانت بدأت تهطل، إلى أن وصلوا على مقربة منّي؛ فبادرتهم بالسؤال: ماذا معكم في هذا الكيس؟ فأجابني حامله: «معنا سمك»... فقلت: هل هو للبيع؟ فأجاب الثلاثة بصوتٍ واحد «آه بدنا نبيعن». لهجتهم فلسطينية عرفتها، وخلال الحديث معهم عرفت أنّهم يقصدون البحر والمرفأ باستمرار لاصطياد ما أمكن من السمك، ثم بيعه على الطريق لتأمين بعض المال لعائلاتهم. يحمل كلٌ من محمد، أحمد ومصطفى (وهي أسماء مستعارة) كيساً وقصبة صيد من صنع أيديهم... في ذلك اليوم كانت الغلّة قليلة فوضعوها كلّها في كيسٍ واحد. وطالما أنّ غلّة الثلاثة في نفس الكيس وهم لا يعرفون وزنها الحقيقي بالضبط، فإنهم يريدون بيعه بشكل مقطوع ويريدون 150 ألف ليرة لبنانية، أي 50 ألف ليرة لكل واحدٍ منهم بعد قسمتها.

فما هي قصّة الفتيان الثلاثة؟

هؤلاء الفتيان وبحسب ما أشاروا هم من مخيّم نهر البارد الشمالي، وهم خارج المدرسة لأسباب عدّة شرحوها، بما فيها أنهم يحاولون مساعدة أهاليهم الذين يمرّون بأوضاع معيشية صعبة بعدما خفّضت الأونروا تقديماتها الصحّية والتعليمية للعائلات، فازدادت معاناتها في ظلّ الأزمة الإقتصادية والإنهيار المالي في لبنان، ودائماً بحسب ما أشاروا.

ما قاله الفتيان الثلاثة هو ما أدلى به العديد من أبناء مخيّمي البارد والبدّاوي لا سيّما بعد حادثة غرق مركب طرطوس وكان على متنه العديد من اللاجئين الفلسطينيين من أبناء المخيّمين المذكورين، إذ أكّدوا أنّ «العيش في لبنان في ظلّ ارتفاع الدولار والغلاء بات أمراً صعباً للغاية». لذلك ثمة عائلات تدفع بأطفالها إلى العمل بدل المدرسة وذلك طلباً للمال.

في الوقت الذي تمرّ فيه أكثرية العائلات اللبنانية بأوضاع معيشية صعبة، وقد تفاقمت حدّتها مع الأزمة الإقتصادية منذ 4 أعوام، فإنّ أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين ليست بواقع أفضل. فالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تُعنى بملفّ السوريين تطالب الجهات المموّلة بزيادة التمويل لتتمكّن من الإستجابة لمتطلبّات النازحين في لبنان، في ظلّ ارتفاعٍ غير مسبوق للدولار، وهذا أيضاً ما تطالب به الأونروا المسؤولة عن تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فالأزمة زادت من الصعوبات المعيشية على العائلات الفلسطينية في مخيّمات الشمال.

المتحدّثة باسم الأونروا في لبنان هدى السمرا أوضحت أنّ المنظّمة «لم تخفّض خدماتها وتقديماتها للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لا بل قامت بزيادتها في بعض المجالات. فمن ناحية التعليم يستمرّ بشكل مجاني من صفّ الأول حتى الثاني عشر، وبعدها هناك مركز تدريب مهني وله فرعان واحد في الجنوب وآخر في الشمال».

أضافت: «في العام الماضي وزّعنا مساعدات مادية بقيمة 50 دولاراً أميركياً، وذلك 3 مرّات لكلّ من هم بين 1 و18 سنة ومن يعانون من أمراض مستعصية، ولكلّ المسنين من عمر 60 وما فوق وللمعوقين.. كذلك نوزّع كلّ عام كتباً وقرطاسية وأمّنا هذا العام لكلّ الطلاب الذين يبعد مكان سكنهم عن المدرسة 3 كيلومترات وما فوق بدل نقل، علماً أنّ هذا ليس من ضمن خدمات الأونروا الأساسية، والأونروا تشدد دائماً على عدم التسرّب المدرسي حرصاً على تأمين مستقبل أفضل للأولاد».

وفي الوقت الذي يطالب فيه اللاجئون الفلسطينيون بأن تشمل هذه المساعدات الجميع وأن تكون شهرية، تقول سمرا «مطالبهم محقّة ولكن لا إمكانية لدينا الآن على تلبيتها، من هنا نناشد الدول المانحة بزيادة تبرّعاتها للأونروا، وبحشد المزيد من التمويل لكي تتمكّن من تحسين الخدمات ورفع مستواها بما يتناسب مع الأوضاع المعيشية المستجدّة».

المصدر: نداء الوطن