أفراح الضفة مؤجلة بقرار سياسي
الجمعة، 10 تموز، 2015
بطاقات
الفرح جاهزة للتوزيع على المدعوين، وصالة الفرح محجوزة، وثوب الفرح ينتظر العروس لترتديه
بأجمل ليالي عمرها، وجميع التجهيزات تجري على قدم وساق تحضيرا لذلك اليوم.
وبغمرة
الفرح، وعلى حين غرة، وبينما كان العريسان يحلقان سوية بأحلامهما الوردية التي رسما
تفاصيلها معا، خُطِف العريس، على يد ابن جلدته، ليصبح رقماً في قائمة طويلة من المعتقلين
السياسيين في سجون السلطة.
رابع
أيام عيد الفطر، كان من المقرر أن يكون ليلة العمر للشاب محمود عصيدة (28 عاما) من
قرية تل قرب مدينة نابلس شمالي الضفة المحتلة، وذلك قبل أن يفتح عينيه ويُصدم بتطاير
أحلامه، ليُحبس بين أربعة جدران رمادية، تشكو ظلم سجانها.
"نحن
من يحدد موعد زفافك" كلمات تفوه بها القاضي، في اللحظة التي وجه فيها نظرة استعلاء
وانتقام من محمود -كما وصفتها عائلته-، عندما احتج على قرار تمديده اعتقاله لخمسة عشر
يوما، تنتهي رابع أيام العيد، وهو يوم زفافه.
والدة
محمود التي لم تستوعب بعد غيابه يوم نتائج شقيقته الصغرى في الثانوية العامة ونجاحها
بمعدل 90%، كانت تجمع خيوط الأمل لدى ذهابها بصحبة عروسه لحضور المحكمة، آملةً أن تجد
صدى لصرختها، أو تلمس شيئا من فلسطينية القاضي، الذي نصّب نفسه جلادا لأبناء شعبه،
لكن صب جلَّ ظلمه على 13 معتقلا ومدد اعتقالهم حتى بعد العيد، من بينهم كان العريس
محمود.
وبدعوة
أم انفطر قلبها حزنًا، قالت والدة محمود لـ"الرسالة": "أدعو الله على
من حرمني ابني وخطف الفرحة من بيتي أن يحرمه الله أولاده، وأن ينتقم لفلذة قلبي محمود
وكل الشباب الذين معه ممن ظلمهم".
وأضافت
والحزن يملأ عينيها: "اعتقل محمود عند الاحتلال كثيرا، وعند السلطة أكثر، لكن
الاعتقال هذا يساوي كل اعتقالاته، ويا ليته كان عند اليهود، لقلنا هؤلاء أعداؤنا ليسوا
من ديننا، لكن أن يكون اعتقاله قبل نجاح أخته بيوم، وقبل زفافه بأسبوعين، على يد السلطة
فهذا أصعب وأقسى ولا يمكننا استيعابه".
واعتقل
محمود عصيدة خلال حملة اعتقالات واسعة شنتها أجهزة السلطة بالضفة المحتلة الأسبوع الماضي،
طالت ما يقرب من 180 من عناصر حركة حماس.
فرحة
محمود ليست الوحيدة التي انتزعت جوراً من قلوب أصحابها، فالأسير المحرر مؤيد شراب،
الذي أفنى زهرة شبابه متنقلا بين سجون الاحتلال، ليفرج عنه نهاية العام الماضي، لم
يكن يعلم أيضا أن أبناء جلدته سينتزعونه من وسط عائلته من جوار زوجته التي كانت تعاني
آلام المخاض حين اعتقاله.
المواطنة
إسراء حمدي -زوجة المعتقل شراب-، والتي وضعت مولودها محمد دون أن يرافقها زوجها تلك
اللحظات، قالت بصوت أنهكه ظلم القربى قبل آلام جسدها: "جاؤوا لاعتقال مؤيد الساعة
الثانية والنصف فجر الجمعة الماضية، وحينها التقينا بهم على باب المنزل أنا وزوجي،
حيث كنت أعاني من آلام المخاض وكان يريد زوجي أخذي للمستشفى".
وتضيف
لـ"الرسالة": "عندما شاهدونا بهذا الحال وبطريقنا للمستشفى، سمحوا لزوجي
أن يرافقني شرط أن يسلم نفسه ظهر اليوم التالي بتعهد من شقيقه، وعندما وصلت للمستشفى
تأجلت ولادتي ليومين، ومؤيد ذهب لمقابلتهم بعد أن اتصلوا عليه وهددوه باقتحام المنزل
واعتقاله ظهر يوم الجمعة".
وتابعت
إسراء بعد تنهيدة بثت فيها حزنا لا يعلم مرارته سوى من ذاق ظلمهم: "خلال العامين
الماضيين لم يكن مؤيد معنا في رمضان بسبب اعتقاله المتواصل لدى الاحتلال، وجاء رمضان
الثالث هذا العام لتخطفه السلطة من بيننا مرة أخرى".
وعن
طفلتها ليان ابنة الأربع أعوام، والتي لم تعش مع والدها كباقي الأطفال بفعل اعتقالاته،
فتقول إسراء: "عندما علمت ليان باعتقال والدها بكت كثيرا وصرخت "ليش فتحتولهم
الباب، ليش ما ضربتوهم، بدي بابا".
وتزامن
اعتقال مؤيد مع موعد تأديته لامتحاناته في الماجستير، ورغم ذلك رفضت إدارة سجن الجنيد
إدخال الكتب له ليتمكن من الدراسة.
وكان
مؤيد قد أمضى عشر سنوات بدراسة البكالوريوس بسبب الاعتقالات المتكررة لدى الاحتلال.
حال
مؤيد وغيره من المعتقلين في سجن الجنيد في نابلس وصفه الصحفي خلدون مظلوم الذي أُفرج
عنه مؤخرا بعد اعتقاله لأيام خلال الحملة، "بأنه صعب ولا يمكن لأحد تحمله".
وأشار
خلدون في حديثه لـ"الرسالة"، إلى أن المعتقلين كانوا يطلبون مهاتفة أهلهم
للاطمئنان عليهم ومن بينهم مؤيد الذي كان يطلب مهاتفة زوجته والاطمئنان عليها، لكن
طلبهم قوبل بالرفض.
وقال
خلدون: "طلب مؤيد عدة مرات الحديث مع زوجته، وفي أحد الأيام أرجع وجبة الإفطار
ورفض تناول الطعام بعد أن سحبوا منه الفراش وعزلوه في زنزانة لوحده، ومنعوه من الاتصال
بأهله، وطالبهم بإعادة ما سحب منه، والحديث مع أهله، فجرى نقله للغرفة التي كنا فيها
لكن لم يسمح له الاتصال بأهله".
وبعد
يوم من قدوم وليده "محمد" سمح لمؤيد بالحديث مع زوجته إسراء لمدة دقيقة وخمس
ثوان فقط، أخبرته خلالها أنها أنجبت طفلهما الثاني.
من يرى
مصيبة غيره تهون عليه مصيبته" بلسان هذا الحال واصل خلدون وصف حال المعتقلين داخل
سجن الجنيد في نابلس، متابعًا: "عندما كنت أطلب أن أتحدث بالهاتف مع عائلتي للاطمئنان
على طفلي المريض، وكانوا يمنعوني، كنت أنظر لرمزي أبو عيشة –معتقل آخر-، والذي علم
بنتيجة ابنه البكر في الثانوية العامة وهو داخل السجن".
وبعد
ساعة من ذلك الموقف، عاد الضابط مرة أخرى، وسمح لرمزي الاتصال بابنه لمدة دقيقة واحدة
فقط، علم حينها أنها تفوق بمعدل 93%، وعاد للغرفة حابسا دموعه بعينيه، وكان يقول لمن
معه بالغرفة: "سهرت مع ابني بكر ساعة بساعة طيلة التوجيهي، والآن لم أفرح معه
بهذه النتيجة".
وأشار
الصحفي خلدون إلى أن كل من تم اعتقالهم خلال الحملة لم يتم التحقيق معهم على أي تهم،
حيث اقتصر استجوابهم على أسئلة سريعة عن عدد مرات اعتقاله لدى الاحتلال والتهم التي
اعتقل على خلفيتها، في مدة لا تتجاوز الثلاث دقائق.
وجددت
محكمة صلح نابلس اعتقال 13 معتقلا سياسيا لمدة 15 يوما، رافضة الإفراج عنهم، ضاربة
بعرض الحائط حرمة الشهر الفضيل وحلول العيد، عدا عن الوضع الإنساني للعديد منهم، وتوقف
حفل زفاف أحدهم، أو فرحة آخر بمولوده الجديد، أو غصة أب لم يشارك ابنه فرحة نجاحه.
المصدر: الرسالة نت