أفكار إسرائيلية بتحسين اقتصاد غزة لتفادي مواجهة
مع «"حماس»
الجمعة، 10 نيسان، 2015
طالبت أوساط إسرائيلية دوائر صنع القرار في تل
أبيب، بالعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة بشكل جذري، كجزء من استراتيجية
تهدف إلى منع اندلاع مواجهة جديدة مع حركة "حماس". وقال سياسيون وعسكريون
وأكاديميون إسرائيليون إن الفشل الذريع للحرب الأخيرة على قطاع غزة يحتم على القيادة
محاولة اختبار خيار تحسين أوضاع غزة الاقتصادية، كآلية لضمان الأمن الإسرائيلي. ومن
المفارقة أنه حتى النخب اليمينية التي عادة ما تتبنى خطاً متشدداً في التعاطي مع الجانب
العربي، باتت ترى وجوب تغيير نمط التعاطي مع قطاع غزة، وعدم تبني الحلول العسكرية التي
ثبت فشلها.
وقال القائد الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات
العسكرية "أمان"، الجنرال المتقاعد عاموس جلبوع، إن تحسين الأوضاع الاقتصادية
في قطاع غزة لا يضمن فقط تقليص فرص تفجّر مواجهة مع القطاع، بل إنه يمكن أن يقلّص الأضرار
الناجمة عن "الانتفاضة السياسية" التي تواجهها إسرائيل حالياً، ولا سيما
في أعقاب عزم فرنسا تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين في
غضون عامين، وفي الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون إلى محاسبة إسرائيل أمام المحافل
الدولية، وفي ظل تعاظم أنشطة حركة المقاطعة الدولية.
وفي مقال نشره، أمس الأول الثلاثاء، حذر جلبوع،
ذو التوجهات اليمينية، والذي عمل مستشاراً لرئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، من أن
اندلاع مواجهة مع حركة "حماس"، في ظل التوتر الكبير في العلاقات مع كل من
الولايات المتحدة وأوروبا، سيفضي إلى تقلّص مكانة إسرائيل الدولية، وسيفاقم من أزمتها
الاقتصادية، ولا سيما في ظل تهديد الأوروبيين بفرض عقوبات اقتصادية على تل أبيب. واقترح
جلبوع، عقد مؤتمر دولي، لمناقشة فرص تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع بشكل جذري،
وضمن ذلك إعادة إعمار ما تم تدميره خلال الحرب الأخيرة، ورفع كلي للحصار، مقابل التزام
"حماس" بتهدئة لمدة عشر سنوات.
وحسب جلبوع، فإنه يفضّل أن ترعى الولايات المتحدة
والدول العربية المعتدلة هذا المؤتمر، مشدداً على أن تحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع
غزة سيساعد إسرائيل على مواجهة الحملات الدعائية التي تشنها إدارة الرئيس الأميركي
باراك أوباما.
كما أن في إسرائيل من يرى أن الحرص على تحسين
الأوضاع الاقتصادية كوسيلة لنزع فتيل المواجهة المستقبلية مع "حماس"، تفرضه
القناعة بأن الجيش الإسرائيلي لم يعد قادراً على حسم المواجهة العسكرية مع حركة
"حماس"، كما أظهرت المواجهة الأخيرة. وقال البروفيسور أوري بار يوسيف، الذي
يُعدّ من أبرز الاستراتيجيين في إسرائيل، إن الحرب الأخيرة على غزة أثبتت عدم فاعلية
اثنين من مركّبات العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وهما: الردع والدفاع.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، في عددها
الصادر أمس الأول، أشار بار يوسيف إلى حقيقة أن ثمة إجماعا بين الجنرالات المتقاعدين
ومعظم القيادات العسكرية والاستخبارية بأن الحرب الأخيرة دلت على موت مفهوم الردع،
إذ إن التفوّق النوعي الهائل الذي تتمتع به إسرائيل على حركة "حماس" لم ينجح
في إجبار الحركة على وقف هجماتها على العمق الإسرائيلي، مما جعل هذه الحرب ثاني أطول
حرب في تاريخ الحروب الإسرائيلية العربية.
وشدد بار يوسيف على أن التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي
الهائل لم يوفّر حلولاً لمشكلة الصواريخ التي باتت تصيب كل المناطق في إسرائيل، مما
يعني انهيار مفهوم الدفاع أيضاً. وأشار إلى أن حركة "حماس"، التي تُعدّ
"العدو الأضعف" من بين أعداء إسرائيل، بات بإمكانها تعطيل المجال الجوي للدولة
الأقوى في المنطقة، كما حدث في الحرب الأخيرة، مشدداً على أنه لم يعد أمام إسرائيل
خيار سوى المزاوجة بين الحلول السياسية والاقتصادية للخروج من المأزق الحالي في مواجهة
القطاع. وحثّ دوائر صنع القرار على إعادة صياغة العقيدة الأمنية، والإدراك أن تفوق
الجيش ليس ضمانة لتحقيق الأمن المطلوب.
وفي السياق نفسه، قال عضو لجنة الخارجية والأمن
التابعة للكنيست، عوفر شيلح، وهو أيضاً رئيس اللجنة البرلمانية التي حققت في مسار الحرب
على غزة، إن هذه الحرب تعدّ أكثر الحروب فشلاً في تاريخ إسرائيل. وفي مقابلة أجرتها
معه صحيفة "هآرتس"، الجمعة الماضي، قال شيلح إن الفشل في الحرب فاق مظاهر
الفشل في حربي 1973 وحرب لبنان الثانية. وأوضح أن إسرائيل أخفقت في توقّع تأثير تدهور
الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، مشيراً إلى أن الحصار الشديد لم يترك أمام "حماس"
إلا خيار المواجهة مع إسرائيل. وشدد على أنه قد تبين بؤس الرهان على خيار القوة العسكرية
من دون أفق سياسي، مشيراً إلى أن إسرائيل استخدمت قوة نيران، خلال الحرب على غزة، أكثر
كثافة مما استخدمه الأميركيون خلال الحرب على العراق.
المصدر: العربي الجديد