إحياء الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين هذا العام تأكيداً على التمسك بحق العودة
الخميس، 19 أيار، 2011
احتفل الفلسطينيون وبعض العرب هذا العام في 15 أيار، بالذكرى الـ 63 لنكبة فلسطين، وكان في كل عام في مثل هذا اليوم ترتفع الأصوات كلٌ على طريقته، بعضها بصوتٍ عالٍ، كما هو الحال مع أصحاب القضية داخل الأرض المحتلة أو الوطن السليب المغتصب، كما في الشتات، والبعض الآخر، بخجلٍ، إن لم نقل بهمسٍ وحياء، تحت ظروف معينة من رفع العتب في المشاركة، والإعلان بعد 63 عاماً مرت على بداية الذكرى الأليمة، التي تحدث في ضمير كل مواطن على امتداد العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه شرخاً كبيراً، يزداد اتساعاً على مر الأيام، ولا تتم فيه سد أي ثغرة، بالرغم من المحاولات التي تخضع للأخذ والرد في واقع الظروف، والمتغيّرات الطارئة التي تأخذ من اهتمامات العالم العربي المؤثرة على الساحة العربية، بل والساحة الدولية..
اللافت للنظر، خصوصاً في هذه الأيام، أن الذكرى تحل على الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وسط تحركات لاهبة تشهدها المنطقة العربية في أكثر من موقع وبلد، منادية برفع الظلم الإجتماعي عن كاهلها، ومطالبة بالإنتقال إلى رحاب الحرية في القول والعمل، التي تكشف أمام المواطن كل أوراق المعاناة التي يعيشها، وتحجب عنه رؤية الصورة على حقيقتها، وتفسح في المجال أن يقول كلمته فيها التي تضع الكثير من الأمور في مواضعها، بل في نصابها، وتحقق له العزة والكرامة التي طال الزمن به في مناشدتها والرغبة فيها.
ما ميّز هذا العام، هو إحياء الذكرى مفعمة بالدم الفلسطيني واللبناني والسوري والعربي، الذي سال على أرض لبنان وسوريا وفي فلسطين المحتلة، عندما أطلق جنود الاحتلال رصاصهم بشكل متعمّد عبر القنص الذي استهدف الشباب فأوقع عشرات الشهداء والجرحى.
وجاء احياء الذكرى بعد الوصول في واقع الحال في العالم العربي إلى هذه المرحلة المتأزمة، ما بين الواقع المعاش والمنسحب على كل الأمور، وما بين الطموحات والرغبات التي يتمنى أي مواطن مع كل المواطنين في ظلها وفي رحابها، بل كل هذا الانتظار الطويل الطويل من التعلق بالآمال، ولو مع الأيام التي سحقها التسويف والمماطلة والتمييع من الآراء المتضاربة والمصالح المتشابكة التي تسود العالم العربي.
والمشكلة أن الأمل لم يصل أبداً إلى حد اليأس والإحباط، على الرغم من كل الظروف وحالات التراجع والخيبة التي مرت وتوالت وكادت أن تفعل فعلها، بل كانت وما زالت تتجدد دائماً وأبداً، بالرغم من كل الإشكاليات التي كانت وما تزال تعصف وتهدد وتكاد تمحو، وهي اليوم أشد وهجاً وتلألأً وسط كل المعطيات الجارية على الأرض، وحتى في الكواليس وخلف الأبواب الموصدة أو المواربة، ولو قليلاً، حيث خبروا هذه الانتفاضات الجارية على الساحة العربية تضيء النور بتجدد الأمل في واقعٍ جديد يتحقق إذا لم يكن كل الطموح، فعلى الأقل البعض منه، أو الكثير الذي قد يرقى إلى حدٍ ما.
مواكبة التحرك
ومن هذا الواقع، ومن زخم كل ما يجري وما قد يجري، بالطبع يكبر الأمل على واقع تحركات بارزة من أصحاب القضية الفلسطينية، الذين اجتاحوا بتحركهم كل القضايا المطروحة في العالم العربي، حيث واكب تحرك الداخل في الأرض المحتلة التحرك الذي امتد على مسافة أرض الشتات.
ومن المفارقات المثيرة للإهتمام، أن الذكرى تمر هذه الأيام في خضم المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، بين حركتي "فتح" و"حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى، في ظاهرة تبشّر بالخير، بل وكل الخير، عندما يلتقي جميع الفلسطينيين، أصحاب القضية معاً، ويلتفون حول العمل في سبيل تحقيق الدولة الفلسطينية الحلم، وعاصمتها القدس.
وهذا الأمل، بل هذا الحلم الذي ينطلق من رحم المصالحة الفلسطينية، لا يألو أبناء القضية في الداخل المحتل والشتات جهداً من أجل أن يُشكل حجر رحى في عاصفة التحرك والنضال في المستقبل تجاه القضية، حيث يأتي مفعول حركة ضاغطة ليس في العالم العربي وحده فحسب، ولكن في العالم العربي، وإنما في العالم الغربي أيضاً، في وجه محاولات الإستغلال والتأخير، وضرب القضية التي كانت تحصل بحكم الشرذمة، التي كانت تعصف بكل رياح اليأس والإحباط، بل وتقضي على كل محاولات الخروج من القضية من عمق الأهواء والتجاذبات.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية المصالحة، التي شكلت ضربة قاضية ضد المحتل الإسرائيلي، لإنعكاساتها السلبية عليه في مختلف المجالات التفاوضية السلمية، والإيجابية على القضية، بواقعها كقضية تبحث عن حلٍ، وعلى مجمل فلسطين بشكل عام، سواءً في داخل الوطن المحتل أو في أرض الشتات.
ويتزايد المأزق الإسرائيلي مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، لبحث عملية السلام المتعثرة بفعل التعنت الإسرائيلي، وفي أعقاب المأزق الذي يعيشه الإسرائيليون بعد الرفض الأوروبي لممارسة الضغوط على السلطة الوطنية الفلسطينية، على اعتبار أن المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" ودخول "حماس" إلى الحكومة الفلسطينية، يصفه المسؤولون الإسرائيليون بدخول «الإرهاب» مجدداً إلى السلطة، ويتذرعون مجدداً بأن المصالحة الفلسطينية تضر بعملية السلام، بينما كان نتنياهو والمسؤولون الإسرائيليون يتذرعون بأن الإنقسام الفلسطيني هو عائق أمام العملية التفاوضية، تحت ذريعة «مع من نتفاوض: حكومة رام الله أم حكومة غزة؟».
ثمار المصالحة
ولهذا، وفي ظل الدعم والإحتضان العربي للقضية الفلسطينية، خصوصاً بعد إلتزام وتفهّم مختلف القوى الفلسطينية، بأن الحضن والسقف العربي هو الجامع لهم، عادت اللُحمة العربية مجدداً، لينطلق الشعار الفلسطيني: "الشعب يريد العودة إلى فلسطين"، بعدما كان الشعار قد أطلق سابقاً: "الشعب يريد إنهاء الإنقسام.. وازالة الاحتلال"، وهو الشعار الذي أدى إلى الإسراع في انجاز المصالحة الفلسطينية، التي شكلت صدمة للكثيرين في العالم، لأنهم كانوا يراهنون على زيادة المأزق الفلسطيني، فبينما كان الشارع العربي يُسقط بعض الأنظمة، ويتحرك لإسقاط أنظمة أخرى، كان الفلسطيني يفجّر قنبلة في الوقت الصعب، بإعادة اللُحمة، التي ستعطي دافعاً قوياً للفلسطينيين بمختلف توجهاتهم، وكل على طريقته للوصول إلى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، وإقرار الحقوق الفلسطينية في الشتات، كما في فلسطين، وإلزام المجتمع الدولي العمل والسعي من أجل إقرار هذه الحقوق.
وتتجه الأنظار الى شهر أيلول المقبل، الذي يتوقع أن يكون موعداً مفصلياً في مصير القضية الفلسطينية، لجهة إقامة الدولة الفلسطينية والإعتراف بها من قبل العالم، فيما ما زال المحتل الإسرائيلي يعمل على افشال ذلك، ويسعى عبر عملائه الى تنفيذ مخططاته ومآربه، بالتأثير على المصالحة الفلسطينية، حيث يُعتبر المحتل الإسرائيلي أكثر المتضررين منها، وهو الذي زاد من ممارساته بالتضييق على الأهالي الفلسطينيين داخل مناطق الوطن، وتجزئة المناطق وشرذمتها داخل أراضي السلطة الفلسطينية، ورفض دفع المستحقات المالية التي تجبيها سلطات الاحتلال من ضرائب لصالح السلطة الفلسطينية.
تأكيد على العودة
لعل مناسبة ذكرى النكبة هذا العام، كانت مميّزة، حيث جرى تنسيق التحرك لاحيائها مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية والأحزاب اللبنانية، فاحتشد الفلسطينيون في مارون الراس في الجنوب اللبناني، وأطلوا على أرض فلسطين، التي اشتاقوا إليها وحرموا من العودة إليها بعد تهجيرهم عنها.. كباراً وصغاراً.. شيوخاً ونساء.. شباب وصبايا، فضلاً عن الأطفال، توجهوا منذ ساعات الصباح من مختلف المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، مظللين بالعلم الفلسطيني، وتحت شعار موحّد: "الشعب يريد العودة إلى فلسطين"، تأكيداً على أن العودة هو حق مكتسب، ويجب أن يلتزم به الجميع، على الرغم من مرور 63 عاماً على صدوره بتاريخ 11 كانون الأول من العام 1948، ولكنه ما زال ينتظر التنفيذ.
فقد تعمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من خلال إستهداف المتظاهرين بإطلاق النار عليهم خلال تواجدهم في مارون الراس، ورفع العلم الفلسطيني فوق الشريط الشائك، بعد أداء صلاة الظهر، تعمدت توجيه العديد من الرسائل، ومنها:
ردع المتظاهرين عن القيام بمثل هذه المحاولات مرة أخرى.
أنه ممنوع الاقتراب إلى هذه المنطقة.
محاولة استدراج القوى الفلسطينية للرد على اراقة الدماء.
استدراج الجيش اللبناني والمقاومة لرد العدوان الإسرائيلي، الذي يُشكل خرقاً للقرار الدولي 1701.وكانت قوات الاحتلال، قد عمدت قبل عدة أيام من التحرك، الى وضع جنودها في حالة إستنفار، واتخاذ أماكن قتالية، ولحظة وصول المتظاهرين وهم يرفعون العلم الفلسطيني إلى أمام الشريط الشائك، وعلى الرغم من عدم تجاوزهم لهذا الشريط، تعمّد جنود الاحتلال إطلاق النار عليهم، مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين العُزّل، فتخبط العلم الفلسطيني بالدماء الفلسطينية الطاهرة، حيث زف الشهداء في المخيمات التي شيّعوا منها.ولكن، وعلى الرغم من الدماء الزكية الغالية التي أريقت، فهي تهون في سبيل فلسطين.ويبقى التساؤل: هل ستكون مثل هذه التحركات مناسبة أسبوعية؟ وهو ما يجري دراسته للقيام بتحركاتٍ في العديد من المناطق، وربما تكون المنطقة الحدودية واحدة من هذه المناطق؟وهذا يؤكد أن 63 عاماً مرت على النكبة، وحملت الكثير من النكبات والسلبيات، لم تلغِ بوارق الأمل في أن الشعب صاحب القضية، لم ولن يفسح في المجال في ضياع القضية، وأنه مصرّ على إسترجاع الحق مهما كلف الأمر من تضحيات، وكل أنواع العطاء والشهادة...
المصدر: جنوبيات