القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

"إكمال نصف الدين".. حلم يسعى أسير وأسيرة لتحقيقه من داخل سجنهما

"إكمال نصف الدين".. حلم يسعى أسير وأسيرة لتحقيقه من داخل سجنهما


في غرفة مظلمة ضيقة يسكنها البرد وتغشاها الوحشة.. جلس الأسير أسامة الحروب (39 عاما) من مدينة جنين شمال الضفة المحتلة داخل عزله الانفرادي يتلقف الأفكار، ويسترجع شريط ذكرياته التي انتهت بسني عمر قضاها خلف القضبان، وحُرم فيها من التمتع بزهرة شبابه واستنشاق رائحة الوطن المعبقة برحيق الحرية.

زوجة ذات خُلق ودين، بيت يحفه الدفء والحنان، رؤية فلذة الكبد يلهو هنا وهناك.. أحلام يقظة راودت الأسير وهو يتأمل بقضبان السجن والتي حالت دون تحقيقها، إلا أن فكرة ما بدأت بالتسلل في خاطره.. كتمها في قلبه منتظراً موعد زيارة عائلته ليزفها إليهم في وقتها.

حالة من الدهشة والحيرة انتابت الأهل بعد أن التقوا بأسامة حيث أخبرهم بقراره بالارتباط، وتضاعفت هذه الحيرة حينما علموا بأن العروس التي اختارها لتكون شريكة حياته هي أيضا شريكته في الأسر والمعاناة.

أمل من خلف الجدران

ولعل أول سؤال يتبادر في ذهن قارئ السطور هو كيف أقدم أسير على خطبة أسيرة لا يعرفها ولم يرها من قبل، لكن ليس غريبا على أسامة الحافظ للقرآن أن يهوى قلبه الذي فاض بكلام الله بجمال الروح والعقل، ويتعلق بفتاة تحلت بصفات النبل ومكارم الأخلاق، وهذا ما دفعه لاختيارها ليكمل معها مشوار حياته.

ولعل إرادة الله عز وجل، شاءت بأن يلتقي الأسير بعم الأسيرة إحسان دبابسة في ذات السجن، ومنه عرف أن ابنة اخيه "إحسان" أسيرة في سجن هشارون.. ومن هنا عقد النية على الارتباط بها بتشجيع الأصدقاء والمعارف من داخل السجن.

ولمعرفة تفاصيل الحكاية أكثر.. التقى "المركز الفلسطيني للإعلام" بـ"نوار" شقيقة الأسير أسامة، وبدورها لم تستطع أن تخفي فخرها واعتزازها أمام إقدامه على خطوة الخطوبة، حيث أكدت أن التعارف بين أهل الأسيرين والترتيب لإجراءات التوكيل جارية على قدم وساق.

تقول شقيقة الأسير: إن "فكرة الخطوبة بثت فينا الأمل من جديد، ورفعت معنويات أخي، بعد أن كان واضحاً على محياه الضيق والحزن الشديدان خلال زيارتنا ما قبل الأخيرة له".

وتشير إلى أن حال الأسير تغير للأفضل ما استجابت العائلة لقرار الخطوبة، حيث كان لذلك القرار الدور الكبير بأن يخفف عنه هم الأربع سنوات المتبقية من محكوميته من أصل 14 عاما.

وتتابع: "نأمل أن يتم الإفراج عن إحسان قبل انتهاء محكوميته.. وإن لم يتم ذلك سنباشر بإصدار توكيلات من الأسيرين عن طريق المحامين لإتمام عقد القران".

الخشية من المماطلة

وتخشى عائلة الأسير حروب من مماطلة وعرقلة إجراءات الخطوبة من سلطات الاحتلال وإدارة السجون الحريصة على إذلال أهالي الأسرى والتضيق عليهم بشتى الوسائل.

أما عائلة الأسيرة إحسان (28 عاما) من قرية نوبا قضاء طولكرم والتي تنتظر البت في حكمها في العاشر من الشهر الحالي، بعد أن تم اعتقالها في 13-10 من العام المنصرم عقب تسليمها استدعاء لمقابلة مقر المخابرات، وجدت في صفات الأسير أسامة زوجا مناسبة لابنتهم، خاصة أنهما متشابهان بالمعاناة وروح التضحية بسني العمر من أجل ثرى الوطن.

بنبرات صوت يخنقها القهر تتحدث "أم محمد" شقيقة الأسيرة إحسان عن معاناتهم الشديدة خلال زيارتهم لشقيقتهم الأسيرة وصعوبة التواصل مع المحامين، مشيرةً إلى عدم تعاطيهم مع أهالي الأسرى بشكل سليم وتقصيرهم الملحوظ بدورهم الإنساني.

وأضافت أم محمد خلال حديثها لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": إجراءات الاحتلال الصارمة وإهمال المحامين لنا يعيق إمكانية تواصل الأسرى مع ذويهم، وهذا ربما ينعكس على إمكانية وصول التوكيلات إلى الأسيرين، وبالتالي تعطيل إجراءات عقد القران.

وناشدت عائلة إحسان جميع المؤسسات الحقوقية والإنسانية والحكومة الفلسطينية ورئيس السلطة محمود عباس بأن يولوا قضية "أسامة وإحسان" الاهتمام والمتابعة وأن يسعوا إلى الضغط على سلطات الاحتلال لتيسير إجراءات الخطوبة وإتمامها بشكل رسمي وتسهيل التواصل بينهما.

ولمعرفة الجانب والبعد التربوي من وجهة نظر علم النفس والاجتماع فيما يتعلق بارتباط الأسرى داخل السجون وأثر ذلك على الزواج على المجتمع والزوجين في المستقبل، قال الدكتور مصطفى الشنار المحاضر في علم الاجتماع السياسي في جامعة النجاح الوطنية، إنه ينظر إلى هذا النوع من "الزواج الغيابي" من منطلق قيمة التضحية التي تشكل القيمة الجوهرية في حياة الأسير المناضل.

ويقول خلال حديثه لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام": "يقدم الأسير على الارتباط بشخص يجسد بنظره قيم البطولة والعطاء حتى لو كان ذلك في المقاييس المادية لا يخدم مصالحه الفردية، إذ إن خطة الأسير والأسيرة بالارتباط ببعضهما البعض تأتي في سياق التضحية المتبادلة التي يمكن أن تنتهي بالزواج أو لا".

ويضيف: "ما يدفع فتاة فلسطينية للارتباط بأسير قد يكون محكوماً عليه بعشرات السنين، هو تعلقها بقيمة جوهرية عظيمة؛ فالأسير يعني لها رمزا للصمود والتضحية والعطاء حين قضى حياته خلف السجون في سبيل قضيته ووطنه".

كما ويعدّ الدكتور الشنار -وهو أسير محرر قضى عدة سنوات متفرقة في سجون الاحتلال- زواج الأسرى داخل السجون بأنه نوع من التحدي للاحتلال الصهيوني والسجان، ورسالة إصرار بأنهم سيكملون مشوار الحياة حتى لو كان ذلك افتراضياً لا واقعياً.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام