القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

ارتفاع نسبة الأمية بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان


الخميس، 08 تموز، 2021

ارتفعت نسبة الأمية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن تشابكت الأزمات المعيشية وآلام اللجوء. وقد أضيف إلى كل ذلك، تراجع المجتمع الدولي وخاصة وكالة «الأونروا» عن الاهتمام بأوضاعهم إلى جانب حالة الانهيار العام التي يتعرض لها لبنان، والتي تصيب اللاجئين الفلسطينيين أكثر من غيرهم.

وكان مجال اكتساب العلم خلال العقود الماضية، مصدرا للفخر وحافزا للفلسطينيين وخاصة في لبنان، وكان العلم بمثابة بديل مؤقت عن جواز السفر. فبعد نكبة فلسطين عام 1948 فقد الفلسطينيون ممتلكاتهم، ومصادر رزقهم، فتوجهوا بحماس شديد للدراسة والحصول على شهادات علمية أو مهنية، تمكنهم من الحصول على وظائف توفر لهم مداخيل تغطي تكاليف حاجاتهم الحياتية، لهذا كانت ترتفع بشكل طردي نسبة المتعلمين وحملة الشهادات، وتقل نسبة الأميين.

عرفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة «يونيسكو» الأمية تعريفاً بسيطاً جاء فيه: «يعتبر أميّاً كل شخص لا يجيد القراءة والكتابة”. ومعظم البلدان لا تزال تعتمد هذا التعريف كمعيار في إحصاءاتها عن الأمية. ولفتت بعض الأبحاث بأن الشخص قد يجيد القراءة والكتابة من دون فهم لما يقرأ ويكتب، فغيرت يونيسكو تعريفها للأمية وأضافت معيار الفهم، فجاء تعريف الأمية كالآتي: «الشخص غير الأمي هو الشخص القادر على قراءة وكتابة وفهم نص بسيط وقصير يدور حول الوقائع ذات العلاقة المباشرة بحياته اليومية».

وكانت «يونيسكو» تبنت سنة 1971 تعريفاً للأمية جاء فيه: «يعتبر ليس أمياً كل شخص اكتسب المعلومات والقدرات الضرورية لممارسة جميع النشاطات التي تكون فيها الألفبائية ضرورية لكي يلعب دوره بفعالية في جماعته، وحقق في تعلم القراءة والكتابة والحساب نتائج تسمح له بمتابعة توظيف هذه القدرات في خدمة نموه الشخصي ونمو الجماعة، كما يسمح له بالمشاركة الناشطة في حياة بلده».

التنمية الاجتماعية والاقتصادية

تعتبر مشكلة الأمية من أهم العقبات التي تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي أهم مظهر من مظاهر التخلّف الإنساني. وتشكل الزيادة السكانية المستمرة عاملاً مهماً من عوامل تفاقم المشكلة في غياب الإجراءات الحاسمة لمحو الأمية.

وبالرغم من الجهود التي بذلتها الدول النامية لمحو الأمية والقضاء عليها، إلاّ ان ملايين الأفراد صغاراً وكباراً ما زالوا لا يتمتعون بمزايا التعليم ويعيشون فضلاً عن ذلك في حالة فقر مدقع، هذا وفي القرن الحادي والعشرين لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل باستمرار وضعٍ لا يحترم فيه أحد الحقوق الأولية للإنسان وهو ما يشكّل انتهاكاً للقيم الاجتماعية والإنسانية.

ويواجه الفلسطينيون في لبنان اليوم أزمة تعليمية حادة، ومن عوارضها انخفاض المستوى التعليمي، والانتشار السريع للأمية بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة، والاهمال والفوضى التي تعم المدارس الابتدائية والمتوسطة، وتدني معدلات النجاح في الشهادات الرسمية، حيث لم تزد معدلاتها في الشهادة المتوسطة عن 41 في المئة، وانخفاض حاد في عدد التلاميذ فبلغت نسبة الزيادة في عدد التلاميذ في مدارس «الأونروا» خلال السنوات الماضية 1.21 في المئة، وارتفاع عدد الطلاب الذين يهجرون الدراسة، حيث بلغت معدلات التسرب في السنوات الأخيرة حوالي 20 في المئة، ويتعرض تعليم الفلسطينيين في لبنان للخطر بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة مرتبطة أساسا بالظروف التي مر بها اللاجئ الفلسطيني وبالحروب التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة وبطبيعة الظروف التي يعيشها لبنان بشكل عام والتي تنعكس سلبا عليه، وهذا ما قاد إلى تزايد نسبة الأميين بين الفلسطينيين في لبنان وتدني مستوى التعليم لدى قطاع الشباب دون سائر الدول المضيفة. ويؤكد مدراء المدارس ان القدرة على الاستيعاب وتعلم اللغات الأجنبية قد تدنت، وهذا ما يبرز من خلال نتائج الامتحانات الرسمية .

ورغم تزايد عدد المؤسسات التعليمية في المخيمات الفلسطينية سواء تلك التابعة لوكالة «الأونروا» أو منظمة التحرير الفلسطينية أو المؤسسات الدولية، إلا ان اهتمام اللاجئ الفلسطيني بالتعليم انخفض بشكل ملفت. ووفقا لتقرير المفوض العام لوكالة «الأونروا» فإن عدد الطلاب الفلسطينيين المسجلين في مدارس»الأونروا» بلغ 40814 طالبا يدرسون في 72 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانويتين.

والمعلوم ان هذا العدد من المدارس قد تضائل نسبة للسنوات الماضية وبلغ 87 مدرسة ابتدائية ومتوسطة. ولا يقتصر التراجع في عدد المدارس فحسب، بل ان هناك انخفاضا حادا في مستوى التعليم، وانخفاضا في عدد الطلاب في المدارس الثانوية وارتفاع عدد الذين يهجرون الدراسة، وازديادا خطيرا في نسبة الأمية في الأعمار الصغيرة.

مدارس الأونروا

وتؤكد دراسة حديثة شاملة للوضع التعليمي للفلسطينيين في لبنان ان مستويات التعليم آخذة في الانفخاض خاصة بين النساء والصغار (40 في المئة بين الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين 7-18 سنة) وينخفض الالتحاق بالمدرسة بسرعة بعد سن 11 عاما خصوصا بين الذكور. وترواح نسبة الأمية بين الأطفال بين 10.7-20.2 في المئة وهي نسبة تميل إلى الارتفاع دائما.

ويؤكد المتخصص التربوي الدكتور نور الدين الأطرق، ان جملة من العوامل تزيد من نسبة الأميين الفلسطينيين في لبنان، فالأوضاع السيئة لمدارس «الأونروا» وتقليص خدماتها التربوية خلال السنوات الأخيرة هي من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انحدار المستوى التعليمي التي اشتهرت به، ذلك لان انخفاض مستوى مدارسها، والذي يترافق مع اقبال التلاميذ الفلسطينيين في الصفوف الابتدائية لتلقي تعليمهم فيها بسبب الظروف الاقتصادية وغلاء الأقساط في المدارس الخاصة هو أكثر خطورة اليوم لأن ذلك الاقبال يتم رغم علم الأهل بتدني المستوى التعليمي وتفشي حالة الفوضى والاهمال في هذه المدارس.

ويقول الدكتور الأطرق لـ»القدس العربي» إن تقليص «الأونروا» خدماتها التعليمية ووقف المنح لطلاب الثانويات أدى إلى تخفيض عدد المدارس ودمج أكثر من مدرسة بمبنى واحد، وأدى إلى عدم تطوير خدمات التعليم المتبقية، كما ان الأوضاع دفعت العائلات إلى تشجيع أبنائهم نحو الهجرة والعمل المبكر لعدم قدرتهم على تأمين مصاريف الدراسة. وأمام ذلك يبدو ان هدف نظام التعليم في «الأونروا» بات موضع تساؤلات، فهي تعطي مبررا لفشلها في عدم تحسين نظامها التعليمي وضبط الأوضاع في مدارسها إلى العجز في ميزانيتها. ومن المعلوم ان البرنامج التعليمي في «الأونروا» من أكبر البرامج على مستوى الخدمات ويستهلك ما يقارب نصف ميزانيتها تقريبا.

وأعرب الكتور الأطرق عن اعتقاده أن تزايد نسبة الأميين بين الأعمار الصغيرة تشكل ظاهرة خطيرة بين الفلسطينيين في لبنان وتؤثر على مستقبل أجيالهم .

لافتا إلى أن وثائق الأمم المتحدة ويونيسكو، حددت التزامات قانونية دولية متعلقة بحق التعليم، وشددت على حق كل شخص في الانتفاع بتعليم جيد النوعية، بدون تمييز أو استبعاد. إلا أن هذه الوثائق والقرارات لم تجد تطبيقا فعالا وكاملا في مخيمات اللجوء، فاقتصر التعليم للفلسطينيين في لبنان، على فئة محددة، ضمن تمييز واستبعاد واضح على عكس ما أقرته المواثيق الدولية.

وبلغت معدلات الأمية في مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ما يقارب 30.5 في المئة، بحسب تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، حيث بلغ عدد الطلاب الفلسطينيين المنتسبين بشكل رسمي للمؤسسات التعليمية في لبنان، 52.5 في المئة فقط.

وحسب «الأونروا» أيضا، فإن نسبة التسرب المدرسي لدى فلسطيني لبنان، وصلت إلى 18 في المئة، حيث يفضل بعض الطلاب، ترك التعليم والإلتحاق بسوق العمل المتواضع، من أجل تحقيق كسب مادي، يساهم بتغطية المعيشة.

أما أسباب إنحدار العملية التعليمية، فتكاد لا تحصى، فمن جهة، ترتفع تكاليف التعليم في لبنان، حتى وإن كان بشكل مجاني أو شبه مجاني، فالكتب والمستلزمات المدرسية، بالإضافة إلى وسائل النقل، تحتاج إلى ميزانية معينة، خاصة إن كانت العائلة ذات دخل محدود، ومكونة من عدة أفراد، من جهة أخرى، الإمكانات المتواضعة، التي تكاد أن تؤمنها وكالة «الأونروا» بالإضافة إلى النقص الحاد في المواد التشغيلية والمستلزمات التعليمية، أثرت وبشكل مباشر على المستوى التعليمي، وبالتالي هروب الطلاب من المدارس ذات الطاقات شبه المعدومة.

وفي ذات السياق، تعود بعض أسباب الأمية والتسرب المدرسي، للظروف المعيشية الخانقة داخل المخيمات، إذ نوه تقرير وكالة الغوث، إلى أن 35 في المئة من أطفال مخيم شاتيلا يعانون من قصر النظر، بسبب الرطوبة والظلام والانقطاع الدائم للكهرباء، ما يسبب خللاً حاداً في العملية التعليمية التي افتقدت أقل وأبسط عناصرها.

وبما أنه لا يمكن فصل التطورات التي لحقت بالمجتمع اللبناني عن الوضع التعليمي الفلسطيني، منها الحروب والأزمات المتتالية في الساحة اللبنانية، التي أعاقت عملية التعليم بأشكال مباشرة، وغير مباشرة.

من ناحية أخرى، يتوزع نحو 39 ألف طالب وطالبة من اللاجئين، على 87 مدرسة ومنشأة تعليمية، مخصصة لهم على امتداد الأراضي اللبنانية، ما يوضح حالة الاكتظاظ في الصفوف، الأمر الذي يعكس وبشكل حتمي، الضعف في سير العملية التعليمية.

وبين تدني خدمات «الأونروا» التعليمية، وضعف المنشآت والأبنية المدرسية ولوازم التعليم، والضغوط والاهمال، مرورا بالانعكاسات السياسية والأزمات المحلية، والأوضاع الأمنية يتهاوى مستقبل الطالب الفلسطيني، أمام المجتمع وهيئاته الحقوقية.

كذلك لا يمكن إغفال سياسة التوظيف المعتمدة ضد الفلسطينيين في لبنان، حيث يعتبر البعض أن شهادة الفلسطيني «بلا جدوى» إذ لا يسمح له بالعمل في كافة المجالات والمؤسسات اللبنانية، وفي هذه الحالة، يفضل الآباء أن يتعلم أولادهم «مصلحة ما» يجنون منها القليل، كي يتمكنوا من إعالة أسرهم.

وعلى الرغم من الاهتمام العالمي بالتعليم، إلا أن فلسطينيي لبنان ما زالوا يعانون من صعوبات في الحصول على التعليم الكافي من أجل بناء مجتمع واع، قادر على مواجهة التحديات التي تفرضها عليهم آلام اللجوء.

المصدر: عبد معروف – القدس العربي