الأربعاء، 04 كانون الأول، 2024
لم يعد إنهاء «الأونروا» مجرد تصريحات
سياسية تخرج من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين. إذ إن الخطوات البطيئة لإنهاء
الوكالة الأممية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، أصبحت اليوم قرارات رسمية تتخذها "إٍسرائيل" في «الكنيستج، وستنهي بموجبها عمل «الأونروا»
في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ووفقاً لذلك، ستشل "إٍسرائيل" حركة موظفي الوكالة عبر المطارات والمعابر التي
تسيطر عليها. وأقر أعضاء «الكنيست»، قبل أيام، بالقراءتين الثانية والثالثة، بشكل
نهائيّ، القانون الذي يحظر نشاط «الأونروا» داخل إسرائيل، بغالبية 92 صوتاً مقابل
10 أصوات معارضة. وينصّ القانون على «ألّا تقوم «الأونروا» بتشغيل أي مكتب
تمثيليّ، وأن لن تقدم أيّ خدمة، أو تقوم بأي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في
إسرائيل». كما أقر قانوناً ثانياً يحظر الاتصال مع «الأونروا»، وهو ما يعني حظر
تواصل أي مسؤول إسرائيلي معها، ومنع وزارة داخلية الاحتلال من إصدار تأشيرات دخول
لموظفيها، فضلاً عن منع إدخال البضائع التي تستوردها من أجل اللاجئين في الضفة
وغزة، وإلغاء الإعفاء الضريبي الذي كانت تتمتع به.
وجاء في مشروع القانون الذي قدمه عضو
«الكنيست»، بوعز بيسموت، أنه «حتى قبل أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وردت
تقارير في وسائل الإعلام، مفادها أن أنشطة أونروا تُستخدَم كغطاء للأعمال
الإرهابية». إضافة إلى ذلك، عُرضت دراسات على اللجنة المعنية في «الكنيست»، تشير
إلى أن نشاط الوكالة يشجّع ويديم استمرار الصراع مع دولة إسرائيل، ولا سيما عبر
نظام التعليم التابع لها. ولاقى القانون الإسرائيلي رفضاً واسعاً، فلسطينياً
وعربياً ودولياً، وحتى أميركا عبّرت عن «انزعاجها» منه، فيما لم يفت الدول العربية
إصدار بيانات الاستنكار والرفض. لكن، كما العادة، سينتهي الأمر عند هذا الحد:
«بيانات» و«كلمات» و«تعبيرات». وعدا عن ذلك، لن يحدث سوى ما يجعل الأوضاع أسوأ؛
فالقانون الذي أقر في "إٍسرائيل"
سيحرم ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس وفي
غزة من الخدمات المقدمة لهم، وسيمنع المساعدات عن القطاع الذي تمارس بحقه إبادة
جماعية منذ أكثر من عام.
قانون حظر «الأونروا» سيحرم ملايين
اللاجئين الفلسطينيين من الخدمات
ومع استمرار الحرب على لبنان، فإن "إٍسرائيل" ذاهبة إلى محاولة تقويض عمل «الأونروا» في
لبنان، وفي سوريا، وفي الأردن؛ لأن هذه الوكالة بالنسبة إلى "إٍسرائيل" تديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أمامها.
وبينما هي تخوض حرباً لـ«الحسم» مع المنطقة ككل، فيندرج ضمن مسعاها إنهاء قضية
اللاجئين الفلسطينيين، ولو بقتلهم، وما الطلب من أهالي مخيم الرشيدية جنوبي لبنان
الإخلاء، إلا في سياق إغلاق هذه القضية. ولن يكون مستغرباً الطلب من مخيمي البص
والبرج الشمالي الأمر ذاته في الأيام المقبلة. صحيح أن استهداف المخيمات يندرج في
إطار ضرب كل مدن جنوب لبنان وقراه، لكن تدميرها وتهجير أهلها، وإنهاء «الأونروا»
المعنية عادة بإعادة إعمارها، سيجعل اللاجئين يبحثون عن خيارات جديدة، وهذا الأمر
قائم أصلاً في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها عادة، وتدفع بعضهم إلى الهجرة،
لتتولى أوروبا بعد ذلك المهمة القذرة، بتحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى أناس «بلا
وطن»، بدءاً بالوثائق وصولاً إلى التربية في المدارس والأنشطة.
هكذا، تعتقد "إٍسرائيل" أنها بما تقوم به من إبادة وتهجير وتدمير،
ومعها الغرب الراعي الرسمي لدولة الكيان، ستصل إلى «الذين كانوا لاجئين
فلسطينيين»، وستصل إلى أولادهم وأحفادهم «الذين صاروا أوروبيين». ويأتي هذا رغم أن
القانون الدولي يؤكد أن صفة اللاجئ لا تسقط عن الفلسطيني لا بالتقادم ولا بتغير
الظروف، وهو ما أكده مفوض «الأونروا»، فيليب لازاريني، مشدداً على أن «حظر خدمات
الأونروا لن يحرم الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، إذ إن هذا الوضع محمي بقرار من
الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم». وعلى
أي حال، فإذا لم تُمنع "إٍسرائيل"
من ضرب المخيمات، التي هي في الحقيقة متضعضعة، فإن الـ180 ألف لاجئ فلسطيني
ستنزفهم القضية الفلسطينية من دول الطوق، كما نزفت مئات الآلاف من سورية.
على أن أحسن الظن وأسوأه يذهب إلى
نتيجة واحدة، وهي أن "إٍسرائيل"
مستمرة في جنونها، ومحاولاتها إغلاق عدد من الملفات العالقة والمؤرقة لها
ولبقائها، ومنها قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم أكثر من 6 ملايين
داخل فلسطين المحتلة وخارجها. والمشكلة أن أهل البيانات والإدانات لم ينفعوا
فلسطين وقضيتها، ولن ينفعوا لبنان. لا بل إنه كلما كثرت مواقفهم الشفوية والورقية،
تمادت "إٍسرائيل" أكثر في
أفعالها، حتى وصلت إلى إعادة إنتاج الإبادة التي جربتها أول مرة عام 1948، وتجربها
اليوم لإنهاء ما بدأته.
وعليه، فـ«الأونروا» كضرورة سياسية
لقضية اللاجئين الفلسطينيين، يجب ألا تنهى، ويجب فلسطينياً فتح حرب ديبلوماسية
وسياسية لمنع هذه «الإبادة الناعمة». وما قد تقدم عليه "إٍسرائيل" في الأشهر المقبلة بخصوص وجود الفلسطينيين
اللاجئين، مسؤولية الجميع، والتصدي له مسؤولية الجميع أيضاً، وهؤلاء الملايين
«ولاد المخيمات»، بحسب التعبير السائد في العواصم العربية، سيزيد وعيهم بأنفسهم،
بأنهم قنابل موقوتة، ستنفجر في وجه كل متخاذل ومتحاذق على حقوقهم، بدءاً بإسرائيل
وصولاً إلى كل شيء. فمن هؤلاء تماماً بدأت الثورة الفلسطينية، ومنهم ستعود.