"الأونروا" عن الواقع الصحي للاجئين: الحلول رهن بالميزانية
السبت، 25 حزيران، 2011
دار النقاش الذي أرادته «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) حول واقع خدماتها الصحية، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً بين رقمين اثنين، اختصرا الحلم والواقع. فالحلم يتمثّل في أن يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بتأمين صحي كامل من خلال شركة خاصة، طالما أن ضمّهم إلى الضمان الصحي اللبناني غير مطروح اليوم.
وكلفة ذلك الحلم هي حوالى ثلاثمئة دولار، بحسب رئيس قسم الطب العائلي في الجامعة الأميركية الدكتور غسان حمادة، في حين أن ما تنفقه «الأونروا» فعلياً على صحة الفلسطينيين لا يتعدّى الخمسة عشر مليون، وهو السقف الذي تحاول الوكالة رفعه لاسيما وأن القطاع الصحي، بحسب ما أعلن المفوض العام للوكالة فيليبو غراندي خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، وضعّ على رأس الأولويات ضمن خطة تحسين الخدمات التي بدأت الوكالة تنفيذها مؤخراً، وهي خطة من شأنها أن تخفف من الواقع الأليم الذي يعيشه الفلسطينيون على هذا الصعيد، ولا يمكن لها أن تبدّله، باعتراف مسؤولين من «الأونروا» أنفسهم.
أمس الأول، نظّمت الوكالة مؤتمراً خاصاً في فندق «كومودور» في بيروت، عنوانه «خدمات «الأونروا الصحية: ماضياً، حاضراً ومستقبلاً». لم يعرف إذا كان الهدف منه عرض الواقع، الذي اختصر في تقرير جديد موّلته الحكومة الإيطالية، أم الاستماع إلى اقتراحات وحلول الحضور الذي تفوّق فيه عدد المهتمين بالشأن الفلسطيني من لبنانيين وأجانب وممثلين عن هيئات وجمعيات مدنية، على الهيئات والجمعيات الفلسطينية أنفسها. وقد استعانت الأونروا في مناقشة الواقع الصحي بخبراء صحيين، غالبيتهم أكاديميون، لمناقشة خدمات الرعاية الصحية الأولية والخدمات الاستشفائية قبل الحديث عن تحسين الجودة والتغطية.
في رسمها للواقع، انطلقت الوكالة في تقريرها من الإشارة إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان (بحسب دراسة الجامعة الأميركية التي نشرت العام الحالي) يتراوح بين 260 ألفا و280 ألف لاجئ. ولفتت إلى أنه نتيجة لظروف السكن السيئة والاكتظاظ ورداءة الظروف الصحية والبيئية، تنتشر الأمراض المعدية بكثرة بين الفلسطينيين، إذ أصيب حوالى 24 في المئة منهم بأمراض جرثومية حادة في الأشهر الستة التي سبقت المسح الذي أجرته الجامعة. كما تبيّن أن نسبة انتشار الأمراض غير المعدية في ارتفاع، ومنها أمراض القلب والشرايين، وداء السكري، والأمراض النفسية والعقلية. وقد بلغت نسبة انتشار الأمراض المزمنة 31 في المئة، فيما أعلن 21 في المئة من اللاجئين المشاركين في مسح الجامعة أنهم عانوا من حالة مرض عقلي أو نفسي في غضون السنة التي سبقت المسح.
فعلياً، لا يستفيد الفلسطينيون في لبنان من أي شكل من أشكال التأمين الصحي سواء الخاص أو الضمان الاجتماعي، وبالتالي هم يتكلون بالكامل على تقديمات الوكالة، غير أن «الأونروا»، وإن كانت تغطي الخدمات الصحية الأولية بالكامل، وخدمات الاستشفاء من المستوى الثاني تغطية شبه كاملة (معالجة السحايا، التهاب الكلى، النفاخ الرئوي، المرارة، الزائدة...)، الا أن اللاجئ يتكفّل بدفع الجزء الأكبر من فاتورته الاستشفائية في الرعاية الصحية من المستوى الثالث، التي هي الأغلى ثمناً (عميلات القلب والشرايين، عمليات الجهاز العصبي والهضمي، الأورام وحالات السرطان...).
لذلك، يتبين من خلال المسح ذاته أن الأسر التي دخل فرد واحد منها إلى المستشفى، انفقت 614 دولار كمعدل وسطي، مع الإشارة إلى أن إجمالي الإنفاق على الفرد في السنة يبلغ 599 دولاراً في لبنان، بينما يبلغ 277 دولاراً في الأردن و79 دولاراً في سوريا.
وتعترف الوكالة، من خلال التقرير، بعدد من الثغرات التي تطال خدمات الرعاية الصحية الأولية، ومنها عدم توفر خدمات العناية بالصحة النفسية والعقلية، او بصحة المسنين والمعوّقين. كما سجلت ثغرات في الخدمات العيادية المتخصصة والفحوص التشخيصية. وهي تعترف أيضا بمحدودية توفر العناية الاستشفائية من المستوى الثاني، وتفاوت بين المناطق في توفر أسرة في المستشفيات. أما في ما خصّ الرعاية الصحية من المستوى الثالث، فتسجل «الأورنوا» عدم وضوح لحقوق المستفيدين، وعدم تنسيق بينها وبين مقدمي الدعم المالي، بالإضافة إلى عدم «تحبيذ المستشفيات كثيراً لاستقبال المستفيدين من خدمات الوكالة لأن احتمال وقوعهم في ديون مرتفع جداً».
وكشفت «الأونروا» أنها أطلقت مشروع إصلاح شامل لبرنامج الاستشفاء في نهاية العام 2009، الا أن كثيرا من التحديات بقيت في وجه اللاجئين الذين تتطلب حالاتهم الصحية تدخلاً من المستوى الثالث. ومن أبرز تلك التحديات الارتفاع المستمر في أسعار الخدمات الصحية من المستوى الثالث، وقد سجلت زيادة نسبتها ثمانية في المئة بحسب ممثل وزير الصحة أنطوان رومانوس، بالإضافة إلى عدم تغطية «الأونروا» للامراض المزمنة الطويلة الأمد كالتصلّب اللويحي، وغسل الكلى وتمييل القلب.
وتحاول الوكالة اليوم مواجهة تلك التحديات عبر رفع تغطيتها للرعاية الصحية من المستوى الثالث من 30 في المئة إلى 40 في المئة، محاولة الوصول إلى تغطية تصل إلى 85 في المئة، وهي تغطية تتطلب ثلاثة ملايين دولار إضافية. كما وقعّت مع وزارة الصحة اللبنانية، بروتوكولاً يحصل بموجبه اللاجئون المرضى على حسومات على أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة تتراوح بين 15 في المئة و70 في المئة. كما أطلقت في نيسان الماضي برنامجاً خاصاً للعناية بالحالات المستعصية، هدفه جذب الأموال اللازمة وإنشاء شبكات تنسيق مع منظمات أخرى تدعم الفلسطينيين ومؤسسات رعاية صحية متخصصة. والوكـــالة اليوم متــعاقدة مع خمــسة وثلاثين مستشفى حكوميا وخاصا لاستقبال المرضى الفلسطينيين.
كل تلك الأرقام والخطط لا تبدّل الا القليل في الواقع الصحي الفلسطيني، ولعلّ الحلول الجذرية لا تتمحور فقط حول زيادة الموارد المالية للوكالة، بل إنها تبدأ من التوعية ومن تحسين البيئة التي يعيش فيها الفلسطينيون. فما نفع الدواء إن اتخذ مع مياه ملوثة؟ كما سأل أحدهم، وما جدوى الوقاية في مخيم تجري مياهه الآسنة بين المنازل؟ وكيف يتجنب الفلسطينيون حوادث العمل التي تسجل ارتفاعاً، إن كانت بيئة العمل التي يواجهونها كل يوم غير آمنة؟...
وفي الأصل، ما هو الدور المتوجب على الجهات التي اعتبرها المؤتمرون مسؤولة عن المجتمع الفلسطيني بدءاً من الوكالة نفسها مروراً بلبنان، الدولة المضيفة، ووصولا إلى «منظمة التحرير الفلسطينية»، و»لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني»، كما المجتمع المدني الفلسطيني نفسه.... وماذا لو عملت الوكالة على تنمية قدرات القطاع الطبي الفلسطيني بدلا من زيادة ميزانيتها؟ كما اقترح أحد الحاضرين من الفلسطينيين.
أمس الأول، عرضت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» ما لديها على الصعيد الصحي، مبيّنة أن ما تقوم به هو أقصى المتاح. لكن أقصى المتاح لديها يُبقي عدداً كبيراً من الفلسطينيين مرضى أو عرضة للأمراض. وهي وعدت انه لقاء أول يسبق لقاءات متعددة أخرى.
الجدير ذكره أن مؤتمر أمس الأول لم يكن مفتوحاً أمام الإعلام وأنه لم يكن بالإمكان التحقق من مشاركة الهيئات المدنية الفلسطينية فيه، علماً بأن أحد الحاضرين الفلسطينيين، وقد رفض ذكر اسمه، أشار إلى «ضرورة المشاركة وإبداء الرأي في موضوع يطالنا، والمقاطعة ليست الا ضرباً من الجنون خصوصاً وان «الاونروا» هي الجهة الوحيدة التي ترعانا وأن الحديث عن حلّها دولياً مازال قائماً»، منتقداً من تغيّب ولم يدل برأيه في موضوع بغاية الحساسية.
وكان وفد من مؤسسة «شاهد» قد حضر إلى المؤتمر لفترة وجيزة ثم غادر ليصدر بياناً أشار فيه إلى أن»غياب الشفافية وتغلغل المحسوبيات والعبث الإداري هو الذي يجعل مرضى فلسطينيين يتسولون على أبواب الجمعيات والمؤسسات الخيرية»، منبهاً إلى مشاركة كبيرة لـموظفي الوكالة في المؤتمر ووجود أجنبي واضح في ظلّ حضور غير كافٍ لممثلي المجتمع المدني الفلسطيني، ما حوّل المؤتمر إلى ضجة إعلامية لجذب المانحين وليس لتحسين الخدمات.
كما أشارت «شاهد» في بيانها إلى أن نسبة العشرة في المئة التي أضيفت الى مساهمة الوكالة في العمليات الجراحية، ما كانت لتكون لولا التحركات الشعبية.
وعلى غرار «شاهد»، رأى مكتب شؤون اللاجئين التابع لحركة «حماس» أن تنظيم «الأونروا» مؤتمراً عن الواقع الصحي دون الاستجابة لمطالب اللاجئين، «لن يقدّم أو يؤخر في ظل عدم استجابتها لمطالب اللاجئين، رغم كل الوعود التي قطعتها. وهي تسعى في المقابل مع بعض الدول لشطب قضية اللاجئين وإلغاء حق العودة وفرض مشاريع التوطين والتهجير، لتصل إلى مرحلة انتهاء تقديم خدماتها بشكل نهائي».
وقد أوضح مسؤول مكتب اللاجئين لـ«السفير» ياسر عزام أن زيادة ميزانية الاستشفاء من ملـيونين إلى سبعة ملايـــين دولار ليس بالإنجاز، خصوصاً أن نسبة مــساهمة الوكالة بالموضــوع الصحي في ما مضى، أي قبل عشرين سنة كانت مـئة في المئة.
المصدر: جريدة السفير