القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

الاجراءات الأمنية عند حواجز المخيمات: ضرورة أم إذلال؟

الاجراءات الأمنية عند حواجز المخيمات: ضرورة أم إذلال؟
جهود شعبية ورسمية لتسهيل حياة اللاجئين في مخيمات لبنان
 

لينة عطوات – صيدا

بدون مقدمات.. الكل يعلم أن المخيمات الفلسطينيّة أنشئت لاحتواء اللاجئين الفلسطينين الذين هجروا قسرًا من بلادهم أيام نكبة 48، فلم يشأ الفلسطيني بأي حال من الأحوال أن يترك دياره ومتاعه وممتلكاته ليعيش تحت رحمة الأنظمة العربية بشكل عام وحكامها وقوانينها.. لكن القدر شاء أن يبتلي الله عز وجل هذا الشعب، وشاء القدر أيضا أن يستقبلنا عدد من الدول العربية لا سيما المجاورة منها..

ومع مرور السنوات بدأت القوانين تنزل علينا وتشملنا، منها ما هو طبيعي موجود في أي دولة، ومنها ما هو صارم بحقنا يمنعنا من التمتع بحقوقنا كبشر لا كلاجئين ولا كمواطنين..

وبدل أن نرى انفراجات بشأن التعامل مع اللاجئين الذين نالوا من القوانين التي تحرمهم ممارسة العديد من المهن، وبالتالي عددا من التخصصات الجامعية وغيرها من أموركعدم الحق في التملك.. بدل أن نرى تحسنا، نرى توجها نحو شد الطوق على اللاجئ الفلسطيني لا سيما من يقبعون في المخيمات..

في مخيمات الجنوب، وصيدا تحديدًا كنموذج، نرى بداية كيف بدأت سياسة تطويق المخيم بالحاجز الاسمنتي عدا عن الأسلاك الشائكة في مخيمي المية ومية وعين الحلوة، وفي المخيم الأخير مثلاً والذي يتمتع بأربعة مداخل رئيسة ضمن كيلومتر مربع واحد، صار اليوم مطوقا بالكامل إلا من بوابات صغيرة بين السياج، وبالطبع لا يخلو من الرقابة الأمنية والتفتيش. فمع كل موجة توتر في البلد، وأحيانا في الخارج، يتم تشديد الإجراءات الأمنية، وكأي دولة في العالم العربي والعالم صار الحفاظ على السلم والسلام والأمن والأمان، ومحاربة العنف وما يوصف بالإرهاب عنوانا مسوغا لأي خطوة أمنية أصبحت عرفا لا يخفى على أحد..

وإذا ما أوردنا عبارة الإجراءات الأمنية فيعني ذلك أن للحديث بقية، وبقية...

من وجهة نظر شعبية، اللاجئون في المخيم ضاقوا ذرعًا من هذه الإجراءات الأمنية التي يتم تطبيقها عند الحواجز الأساسية والمداخل الفرعية للمخيم.. قد تكون القناعة لا تزال موجودة لديهم بأن الجيش حامي الوطن، وهو مجرد منفّذ للأوامر العسكرية الموجهة إليه، لكنهم يعون أيضا أن تشديدا مبالغا فيه كثيرا ما يحصل عند الحواجز، ما يعيقهم عن ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي أولا، ويسبب نفورا في التعامل المتبادل مع جيش الحواجز..

تقول إحدى السيدات: "نفهم أن هذه إجراءات أمنية روتينيّة لكن أليس هناك مراعاة للأوضاع الإنسانية؟ قد سمعنا جميعا كيف لم يُسمح لإحدى السيدات أثناء إحدى حالات التوتر الأمني في المخيم، لم يسمح لها بالعبور سريعا والنتيجة أن امرأة أنجبت طفلها بالسيارة عند الحاجز.."

أما الشاب أ.خ. يقول: "بشكل شبه يومي نتأخر عن أعمالنا، ومنا من يتأخر عن الدوام الدراسي وحالات أخرى كثيرة حدث فيها ولا حرج، لا بد من حل لذلك"..

ومن جهته يقول أحد باعة الأجهزة الإلكترونية داخل المخيم: "نواجه صعوبة في إدخال البضائع، وفي كل مرة نحتاج إلى تصريح لدخول البضاعة، وإذا كانت هناك حالة أمنية في المخيم قد تطول مدة السماح للبضاعة بالدخول وأحيانا لا يتم السماح بذلك حتى.. وكل هذا ليس في صالحنا كأصحاب مصالح ".

كما يحدثنا ع.ع. :"لسوء حظي اسمي يشابه اسم أحد المطلوبين وأحيانا كثيرة يتم التدقيق في أوراقي بشكل خاص وفي إحدى المرات تم توقيفي ثم خرجت بعد يومين لم أنل سوى اعتذارهم على الخطأ الحاصل...ولذلك فأنا غالبا لا أخرج من المخيم لكيلا أتعرض "للبهدلة"".

تجارب عديدة وحوادث لا تعد ولا تحصى تشهدها الحواجز الأمنية عند مداخل المخيمات من التدقيق بالسيارات والتفتيش فيها إلى التسجيل الجماعي للمشاة وطلب هويات النساء على الدوام.. أضف إلى ذلك منع دخول الأجانب (كزوجات فلسطينيين من المخيم مغتربين في الخارج، أو كأقارب فلسطينيين من مخيمات الشتات..) إلا بتصريح قد تطول مدة إصداره.. كل ذلك بدأ يشكل إزعاجا لدى اللاجئين باعتباره أقرب إلى الإذلال كما وصفه بعضهم.. وهذا ما دفع اللجان الشعبية في المخيم - والتي تضم كافة القوى الفلسطينيّة والإسلامية- للمطالبة بتخفيف الإجراءات الأمنية عند الحواجز، والأخذ بالإعتبار الحالات المرضية والإنسانيّة المختلفة.. كما تطالب باستمرار بتسريع سير الإجراءات الأمنية، علما أنها تخضع للتراتبية في اتخاذ أي قرار.. ما يتسبب بتعطيل حياة اللاجئين الذين غالبا ما يلجأون إلى عدم الخروج من المخيم فيصبحون بمثابة المطلوبين..

وهذه الإجراءات لا تشمل البشر فحسب بل إن البضائع الداخلة إلى المخيم والخارجة منه، إلى جانب مواد البناء والمفروشات وخزانات المياه، الخشب، الحديد، الزينكو وغيرها.. تخضع للتفتيش والمراقبة وضرورة وجود تصريح للسماح بالدخول أو الخروج، ما يعيق سير حياة اللاجئين اليوميّة..

الاجراءات هذه وكافة المعاملات مجتمعة كان لا بد لها أن تولّد الاحتقان لدى اللاجئين مرة بعد مرة، ما دفع أهالي المخيم للتفكير في القيام بإضرابات جماعية احتجاجا على الازعاجات المستمرة لهم وتعطيل حياتهم على اعتبار أن هذه الاجراءات أحيانا ما تخضع للمزاجية والتوجه السياسي..

من هنا تتكرس جهود اللجان الشعبية في المخيم لتحسين العلاقة مع الجيش والأجهزة الأمنية عمومًا، وترى اللجان الشعبية أن مخيم عين الحلوة تحديدا بأفضل حالاته الآن، من حيث التفاهم بين كل القوى، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية عن طريق لجنة المتابعة، إضافة إلى اللجنة الأمنية الاجتماعية في المخيم والتي تتابع قضاياه للوقوف عند أي حالة..

اللجان الشعبية ولجنة المتابعة من جهتيهما يتفهمان المبررات التي تدفع الجيش لاتخاذ هكذا إجراءات، ولكنهما يعتبران أن أي حالة أمنية تحدث داخل المخيم قد تحدث خارجه ومن المفترض أن تكون التشديدات الأمنية التي تحصل عند حواجز المخيمات مشابهة لتلك التي تنفذ خارجه، لا أن تؤخذ بعض الشعارات الأمنية مسوغا للمبالغة في التشديدات الأمنية، فكل ما تطلبه اللجان تخفيف الاجراءات لرفع المعاناة عن اللاجئين حتى تبقى صورة الجيش إيجابية في نظر أهالي المخيم..

الجهود إذا لا تتوقف في سبيل راحة اللاجئ الفلسطيني، وسعي القوى الفلسطينية كافة لتمتين العلاقات مع الجانب اللبناني الرسمي والأمني والشعبي على السواء.. الأجواء الايجابية هذه لا تمنع بالطبع من المطالبة بالتحسينات أولا بأول لمنع وجود التراكمات.. ولكن إلى أي مدى تتم ترجمة هذه الايجابية على أرض الواقع؟ وإلى متى يبقى اللاجئ الفلسطيني يخضع تحت رحمة بطء التواصل بين الثكنة والحواجز حتى مع وجود بعض التسهيلات؟..

في ظل هذا الواقع لا يبقى مكان إلا للتمنيات بأن يأتي يوم يعيش فيه اللاجئ الفلسطيني في لبنان بكرامة، وبدل الشعور بأنهم غرباء، يأملون بالشعور أنهم ضيوف أعزاء لهم حقوق وعليهم واجبات.. لحين العودة...

المصدر: مجلة البراق