القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

الالتفاف الفلسطيني حول حماس يتصاعد: فتح إختفت ومعها السلطة


الأحد، 06 حزيران، 2021

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً كاملاً أشارت فيه الى الدعم الفلسطيني لحركة حماس، والذي تصاعد بعد المعركة الأخيرة مع "إسرائيل"، مستشهدة بمشاهدات ومقابلات من داخل مخيم الأمعري في رام الله، وهو مخيم تحوّل إلى مدينة تؤوي اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

واستهلت الصحيفة تقريرها بتحليل المشاهدات داخل المخيم، لافتةً الى جدران مخيم "الأمعري" للاجئين المهترئة والمهدّمة، والتي تحاكي قصة الولاءات السياسية لهم. وتقول الصحيفة إنه لطالما شهدت تلك الجدران لوحات تٌظهر وجه ياسر عرفات المبتسم مرتدياً كوفيته الشهيرة، وأعلام حركة "فتح" المزدانة بالبنادق، وأسماء عديدة كُتبت حفراً باللون الأسود، للذين خدموا تحت إمرته.

ولعقود من الزمان، كان مخيم "الأمعري" معقلًا لحركة "فتح"، وهي الفصيل العلماني، الوطني، القومي، الذي تبنّى خيار اعتماد الدبلوماسية في حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. لكن في الأيام الأخيرة، تغيرت المشاهد واللوحات والشعارات، حيث تزدحم مداخل المخيم، والكتابات عليها بالأعلام الخضراء وكلمة واحدة؛ "حماس".

"لقد منحوا القضية الفلسطينية القوة والعزم".. يقول محمد خضير البلغ من العمر 16 عاماً، ليعلق أصدقاؤه بحماسة واضحة "حماس هي قيادتنا الآن".

على مدى 11 يوماً خلال الشهر الماضي، صبّت "إسرائيل" وابلاً من الضربات على أهداف لحماس في قطاع غزة، حيث انهارت الأنفاق وفُجّرت الترسانات، وسقط عشرات المقاتلين التابعين لها. وبالرغم من كل ذلك، واصلت حماس حملتها العسكرية وأطلقت أكثر من 4000 صاروخ على "إسرائيل"، وأرعبت سكان تل أبيب ومدناً استيطانية أخرى.

هذا التحول في المشهد العسكري الذي قادته حماس، تفسره الصحيفة، بانه أكسب الحركة قاعدة شعبية جديدة بين الفلسطينيين، ليس فقط في غزة، التي تحكمها الحركة أصلاً، بل وأيضاً في الضفة الغربية، حيث سعت "إسرائيل" والولايات المتحدة، ومعهم حركة فتح المنافسة، لفترة طويلة، إلى منع الحركة الإسلامية المتشدّدة من مواصلة عملياتها. وعلى الرغم أيضاً من الحظر الذي كان مفروضاً عليها، إلا أن الفلسطينيين حالياً باتوا يلوّحون بأعلام حماس، ويرددون اسمها في تظاهرات عمّت أنحاء الأراضي المحتلة في أيار/مايو، وهو مشهد لم يسبق أن حصل خلال السنوات الأخيرة.

ارتفاع شعبية حركة حماس قابله تراجع كبير في شعبية السلطة الفلسطينية، التي تعرض رئيسها محمود عباس لانتقادات واسعة، حتى بين زملائه من أعضاء "فتح"، بسبب مواقفه الضعيفة ضدّ الهجمات الإسرائيلية. وفي هذا الصدد، يؤكّد مسؤولون أن المعركة بدأت مع إطلاق حماس للصواريخ على "إسرائيل"، لكنها تصاعدت بعد أن انتهز الجيش الإسرائيلي الفرصة لضرب مجموعة كبيرة من الأهداف في جميع أنحاء غزة، ما خلّف 232 شهيداً، من بينهم 65 طفلاً على الأقل. في حين سقط العشرات في "إسرائيل"، من بينهم طفلان.

وقال مدير منظمة "العالم العربي للأبحاث والتنمية" نادر سعيد فقهاء إن "الخاسر الرئيسي في تلك المعركة هي السلطة الفلسطينية". وأضاف "قد تكون الضربات الإسرائيلية تركزت على غزة ولكن كل تلك الهجمات كانت تستهدف الرئيس الفلسطيني محمود عباس".

وتهدد هذه التطورات التي فرضتها حماس محاولة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإعادة إشراك السلطة الفلسطينية، بعد أربع سنوات من التجاهل الكامل من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي المقابل، زار وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن مقر السلطة الفلسطينية في رام الله بعد العدوان على غزة، مؤكداً التزام إدارته دعم إدارة عباس، وذلك عبر تقديم مساعدات مالية وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس للتعامل مع الشؤون الفلسطينية. وقالت الولايات المتحدة أيضًا إنها تعتزم الالتفاف على حماس بالتزامن مع إعادة إعمار غزة.

وفي حين اعتبر المفاوضون الفلسطينيون زيارة بلينكن "مؤشراً إيجابياً حول عزم إدارة بايدن إحراز تقدم دبلوماسي في الشرق الأوسط". إلا أن هذا التحليل يأتي وسط شكوك جديّة في ما إذا كانت السلطة الفلسطينية قادرة حقاً على تمثيل القضية الفلسطينية، وما إذا كان تهميش حماس أمراً مقبولاً بعد التطورات العسكرية الأخيرة.

ورغم أن "إسرائيل" تنفي الامر، يقول محللون إن الحكومة اليمينية في "إسرائيل" تدرك أن الصراع مع حماس يمكن أن يعيق محاولات السلطة الفلسطينية لإعادة المفاوضات بشأن حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وهذا الأمر يناسب القادة الإسرائيليين، الذين لطالما كانوا ضد أي جهود دبلوماسية من شأنها أن تضع "إسرائيل" أمام خيارات صعبة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى قيام دولة فلسطينية.

وقال مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب عاموس يادلين إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتقد أنه "إذا مثّلت حماس الفلسطينيين، سيكون من الأسهل على "إسرائيل" أن تقول: لا نريد التفاوض مع الإرهاب".

حتى قبل المعركة الأخيرة، كان وضع عباس متأرجحاً سياسياً. عباس- وهو وريث عرفات - كان قد تعهد بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية هذا العام، لأول مرة منذ عام 2006، ليعود ويؤجل الموعد إلى أجل غير مسمى في نيسان/أبريل.

ويعترف أسامة قواسمة، المتحدث باسم فتح ومستشار عباس، بأن الفلسطينيين أرادوا رداً أكثر صرامة على "إسرائيل" خلال المعركة الأخيرة، وهو ما لا يستطيع عباس تقديمه للفلسطينيين. ويقول: "الفلسطينيون غاضبون جداً من "إسرائيل". يريدون المزيد من المقاومة. لكن عباس ملتزم بالاتفاقيات الدولية التي لا تلتزم بها حماس، وهي التزامات تتضمن الامتناع عن العنف وإدارة أجزاء من الضفة الغربية تحت سيطرته وسط احتلال إسرائيلي امتد لأكثر من نصف قرن".

ويضيف قواسمة "الإنتفاضة قد تندلع في أي وقت". "الضفة الغربية في وضع خطر للغاية". الهدنة أوقفت مؤقتاً الأعمال العدائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكنها لم تحل النزاع المشتعل في القدس.

وفي منحى آخر، يركز الجيش الإسرائيلي على الدور الذي يمكن أن تلعبه حماس في إثارة الاضطرابات في الضفة الغربية. وقال الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع إن قوات الأمن ألقت القبض على مسؤول كبير في حماس، وهو الشيخ جمال الطويل، الذي قام مؤخراً بدور نشِط في تنظيم أعمال شغب عنيفة والتحريض على العنف وإعادة تأسيس مقر حماس في رام الله"، بحسب الجيش الإسرائيلي.

من جهته، قال أيمن دراغمه، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، إن "هناك غضباً متراكماً من السلطة الفلسطينية حول مواضيع عديدة مثلاً: الانتخابات الملغاة. القبضة الحديدية. الفساد. الأمر أشبه بقنبلة قد تنفجر في أي وقت". وأضاف دراغمه، الذي سجن مرات لارتباطه بحركة حماس: "في انتخابات حرة ونزيهة.. حماس ستفوز".

ومن ناحية أخرى، لا يزال وضع حماس الشعبي الداخلي في فلسطين ليس واضحاً، وما إذا كانت القاعدة الشعبية المتزايدة لها سوف تستمر أم لا، خاصة بعد أن قدمت الحركة، المتشددة دينياً، اعترافاً ضمنياً، إن لم يكن علنياً، من خلال إعلانها القبول بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967.

ويمثل مخيم الأمعري دليلاً حياً على شعور الفلسطينيين بالنصر في المعركة الاخيرة. يُظهر المراهق خضير بفخر آثار الإصابات على كتفه وكاحله نتيجة إصابته بنيران إسرائيلية خلال تظاهرات الشهر الماضي. آخرون من أمام محل حلاقة، عرفوا عن أنفسهم بانهم ينتمون لحركة فتح، قالوا: "نحن فتح، لكن فتح اختفت".

داخل مخيم الأمعري، الكل أعرب عن التزامه بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، معبرين عن فرحتهم لاستعداد حماس لمواجهة "إسرائيل".