التغريبة العربيّة.."طوبى
للغرباء" في غزّة
الخميس، 16 تشرين الأول،
2014
منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية
الأخيرة على قطاع غزة، يبحث أبو محمود (56 عاماً)، عن منزل - لم تطله الصواريخ
الإسرائيلية - حتى يستأجره،أبو محمود قاسى تجربة النزوح مرتين، الأولى عام 2008
بعد تدمير بيته الذي بناه "بعرقه ووضع فيه كل ماله (65 ألف دولار)"،
والثانية في حرب 2014 بعد تدمير بيته المؤجر بمساعدة الأونروا - وكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين.
يقول أبو محمود:"منذ نهاية
الحرب، أبحث عن غرفة تأويني وأبنائي الثلاثة، ولم أجد"، يهزّ كتفيه بيأس
ويتابع: "كل الشقق السكنية تم تأجيرها، رغم ارتفاع أسعارها بشكل مضاعف.
تطلب الأونروا من المهجرين إيجاد
شقق سكنية تدفع لهم إيجارها بسبب الفقر الشديد وخسارة النازحين كل ما يملكون،
"لكن الغلاء يضاعف معاناة أبناء القطاع"، يقول أبو محمود، موضحاً أن
"مكتب العقارات طلب 2135 شيكلاً ( 700 دولار)، إيجاراً شهرياً لشقة صغيرة"،
وهو ما ليس في مقدوره، الأمر الذي دفعه للطلب من العاملين بالمكتب إيجاد شقة أصغر
له، "لكنهم اعتذروا لعدم وجود شقق فارغة بسبب نفاد مواد البناء في
القطاع". لحل المشكلة، لجأ أبو محمود إلى ابنته المتزوجة في حي التفاح. أما
أبناؤه الثلاثة، فبقي أحدهم معه فيما هاجر اثنان إلى إيطاليا عن طريق مصر.
حال أبو محمود يشبه حال
الكثيرين، منهم حليمة أبو جزر (35 عاماً)، نازحة من الشجاعية، وأم لستة أطفال من
بينهم ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقدت حليمة منزلها الذي كلفها قرابة 70 ألف
دولار بسبب عدوان 2008، وفي العدوان الأخير، 2014، فقدت منزلها المؤجر في بيت
حانون، شمال قطاع غزة.
تعيش حليمة اليوم مع عدد من
عائلات بيت حانون، داخل مركز إيواء افتتحته وزارة التربية والتعليم في غزة، داخل
صفوف مدرسة حسن البصري الأساسية للبنين، تقول حليمة، لـ"العربي الجديد"،
موضحة "فرشتان وغطاء خفيف كل ما أمتلكه أنا وأبنائي، ننام وزوجي على الأرض
بجوار فرشة أولادي التي استقرت بإحدى زوايا الغرفة الدراسية".
حياة النزوح أصابت حليمة بآلام
حادة في العظام بسبب النوم على الأرض فيما أصيب أبناؤها بأمراض متنوعة (النزلة
المعوية والإسهال والفطريات)، بسبب معلبات الطعام التي يعيشون عليها، وتبقى
"المشكلة الأكبر في توفير دواء الأبناء المعاقين" الذي أصبح ترفاً لا
تقدر عليه.
بمقارنة الحالات السابقة، فإن
مأساة إيمان حمدية (48 عاماً)، وأبنائها الخمسة، تعدّ أشدّ قسوة، إذ فقدت منزلها
الذي كلّفها 75ألف دولار في الحرب الأولى، فيما فقدت منزلين آخرين في آخر حربين،
تقول إيمان: "نعيش حياة الترحال، في البدء كنا نسكن في بيت لاهيا، شمال قطاع
غزة، دمرت إسرائيل منزلنا في حرب 2008، استأجرنا منزلاً في عوجان، شرق حي
الشجاعية، بأجرة 1400 شيكل للشهر الواحد ( 400 دولار)، دمرته إسرائيل أيضاً في حرب
2012، ذهبنا إلى منطقة تل الهوى، غرب مدينة غزة، ساعدنا شقيق زوجي على أن نجد شقة
سكنية فقدناها هي الأخرى في حرب 2014، لنعود إلى حياة النزوح".
خارطة النزوح
بحسب محمد أبو رحمة، الباحث
الميداني بمؤسسة "الحق"، فإن حرب إسرائيل على قطاع غزة في عام 2014،
اضطرت آلاف العائلات الفلسطينية للنزوح عن منازلهم بسبب القصف الجوي والبري داخل
المناطق القريبة من الحدود، وخاصة محافظات جنوب القطاع، رفح وخان يونس وبلدات
المغازي والبريج ودير البلح ووادي السلقا في المحافظة الوسطى، ومناطق الزيتون
والشجاعية والتفاح في مدينة غزة، ومدن جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون في محافظة
شمال غزة.
ويوضح أبو رحمة أن
"إحصائيات عمل مشتركة بين مركز الميزان لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق، رصدت وصول
عدد نازحي الحرب الأخيرة إلى 600 ألف نازح".
تكشف الإحصائيات، التي حصلت
عليها "العربي الجديد"، توزّع مناطق تصدير النازحين على عموم غزة،
النصيب الأكبر منهم كان في حي الشجاعية الذي بلغ عدد نازحيه 100 ألف نازح، يعيش
العديدون منهم حتى الآن بمراكز الإيواء، وتليه منطقة بيت لاهيا التي وصل عدد
المهجرين منها إلى 40 ألف نازح، وهو عدد النازحين نفسه من شرق جباليا والذي ناهز40
ألف مهجر، ويليهم حي التفاح الذي شهد نزوح أكثر من 30 ألف فلسطيني.
الأونروا
تطابق أرقام وخارطة النزوح التي
أعدتها وكالة "الأونروا" ما كشفت عنه المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، إذ
يقول عدنان أبو حسنة، الناطق باسم الأونروا، لـ"العربي الجديد"، إن عدد
النازحين بسبب العدوان الاسرائيلي الأخير وصل إلى 350 ألف نازح داخل مراكز
الإيواء، وأكثر من 250 ألف خارج المراكز ( يمثلون 40% من مجمل سكان القطاع البالغ
عددهم مليون و800 ألف نسمة)، ويتابع قائلاً: "بعض النازحين لجأ إلى أقاربه،
فيما استطاع عدد بسيط جداً تأمين مسكن في مناطق عدة بالقطاع في ظل نفاد مواد
البناء من القطاع "، وأوضح أبو حسنة أن "الأونروا" أعلنت حالة
الطوارئ القصوى عقب العدوان الأخير قائلاً: "تعلّمنا من تجربتنا السابقة في
عدوان 2008 وعدوان عام 2012 ووضعنا خططاً بديلة، لكن فوجئنا بمئات الآلاف يتدفقون
من مختلف مناطق قطاع غزة. كنا نتوقع وصول العدد الى 50 ألف نازح، كما في المرات السابقة".
وتابع قائلاً:"الوكالة نجحت
في استيعاب الآلاف من العائلات المشردة، التي نزحت بفعل جنون الحرب الاسرائيلية،
واستطاعت توفير الحد الأدنى من المسكن والمأكل للنازحين.
ووصل عدد المدارس التي افتتحناها
كمراكز لإيواء العائلات إلى 86 مدرسة، عمل بها الآلاف، ضمن برنامج البطالة من أجل
مساعدة موظفي "الأونروا" في مواجهة مشكلة تدفق النازحين"، ولفت أبو
حسنة إلى أن قضية النزوح لا تتعلّق بتوفير المياه والغذاء والرعاية للنازحين فقط،
وإنما باستيعاب آلامهم بعدما فقدوا بيوتهم وأبناءهم وكل ما يملكون"، مشيراً
إلى أن "معاناة العديد من لاجئي غزة مختلفة"، لأن العديدين منهم هجروا
قسراً عن منازلهم إثر العدوان الاسرائيلي المتكرر على القطاع ثلاث مرات خلال 6
أعوام (2008 و2012 و2014 )، الأمر الذي أدى إلى انهيار عائلات بالكامل مادياً
ومعنوياً.
في الوقت نفسه، يؤكد أبو حسنة أن
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين استطاعت إعادة إعمار البيوت التي تعرّضت للقصف بشكل
جزئي وبسيط، وهو ما ساهم في عودة 250 ألف نازح إلى بيوتهم بشكل طبيعي، وأكد أن
إعادة إعمار البيوت المدمرة بالكامل تحتاج الى مئات الملايين من الدولارات وإلى
وقت أطول لتوفير مواد البناء (الأمر الذي يعدّ ترفاً في ظل الحياة الصعبة لمَن بقي
من النازحين في مراكز الإيواء).
استغلال التجار
ضاعفت مشكلة نفاد مواد البناء في
غزة بسبب الحصار الإسرائيلي، من معاناة نازحي القطاع. ويكشف رئيس اتحاد الصناعات
الإنشائية في غزة، فريد زقوت، عن أن نفاد كميات مواد البناء من القطاع، أدت إلى
توقف قطاع التشييد والبناء بشكل شبه كامل، ما أدى إلى ندرة الشقق السكنية، التي
انتهت فيها أعمال البناء والتي لا تكفي أعداد العائلات التي فقدت منازلها، وتبحث
عن شقق للإيجار.
زقوت قال، في تصريحات خاصة
لـ"العربي الجديد"، إن ندرة الشقق السكنية أدت إلى ارتفاع أسعارها بشكل
ملحوظ. فالشقة التي كانت قبل عدوان 2008 بـ65 ألف دولار، ارتفعت بعد عدوان الـ2012
الى أكثر من 75 ألف دولار، الآن، وبعد عدوان الـ 2014، لا توجد شقق متاحة من
الأساس، وهو ما أدى إلى أن بلغ سعر تأجير بعض الشقق المفروشة إلى 7000
دولار".
جشع التجار
أدى جشع بعض أصحاب مكاتب تأجير
العقارات إلى مضاعفة معاناة النازحين الغزاويين، "الأمر الذي يكشف غياب
تشريعات حماية المواطنين من الاستغلال"، كما يقول أستاذ القانون الدولي
الدكتور حنا عيسى، لـ"العربي الجديد".
عيسى أضاف: "يوجد قصور
بالقوانين التي من المفترض أن تحمي المواطن من الاستغلال"، وعلى الوزارات
المعنية التقدم بمقترحات قوانين اقتصادية لحماية المواطن الغزاوي والفلسطينيين
بشكل عام من الابتزاز.
المصدر: العربي الجديد- سراب عوض