اختلاف الأعداد.. والحروب والهجرات ضاعفت تشتتهم
التوزع الديمغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان
لم يفرض الفلسطيني توزعه الديمغرافي في لبنان، بل فُرض عليه بقرار سلطوي، أو بضغط معيشي، أو حتى أن الصدفة لعبت دوراً مهماً في تأسيس العديد من المخيمات والتجمعات. ولا يفوتنا أن ظروف لبنان وأحداثه السياسية والأمنية لعبت دوراً بارزاً في التوزع الديمغرافي، حتى وصل الأمر إلى التفاوت في أرقام اللاجئين وفق الجهة التي تعلن العدد، ووفق أهوائها وأهدافها السياسية، واستخدام هذه الأهداف من أجل التعبئة الداخلية أو لغايات خارجية.
غياب المعطيات
يصعب تقدير عدد الفلسطينيين المسجلين في لبنان، نظراً للعوامل السياسية والطائفية التي تهيمن على هذا البلد الصغير، إضافة إلى إشكالية تحديد من هو الفلسطيني، فهناك آلاف حصلوا على الجنسية اللبنانية، وعشرات الآلاف ممن هجروا هذا البلد ومازالت أسماؤهم مسجلة لدى «المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين». وقدّرت بعثة «كلاب» Clapp في تقريرها أواخر عام 1948 عدد الفلسطينيين الذين وفدوا إلى لبنان بنحو 134 ألف لاجئ، وإن كانت الدوائر الرسمية اللبنانية قد قدّرت العدد بحوالى مئة ألف لاجئ فلسطيني.
تعود جذور معظم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى مدن شمال فلسطين المحتلة وقراها، وتقدر هذه النسبة بـ 95.5%، فيما كان 1.3% منهم من يافا، و3.3% توزعوا على باقي مدن وقرى فلسطين. لمّا حدثت المذابح الواسعة في عام 1948 آثر معظم فلسطينيي المناطق الشمالية الهجرة إلى لبنان، وذلك لعدة أسباب؛ منها قرب المسافة إلى الجنوب اللبناني، وكذلك المصاهرات الواسعة مع اللبنانيين، وهذا ما نلحظه بشكل واضح وبيّن. إضافة إلى العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين لبنان وفلسطين قبل النكبة، ما سمح لكثير من الفلسطينيين بالتعرّف على طبيعة وجغرافية المدن والقرى اللبنانية، بل وحتى أن العديد من هذه المدن كانت مصيفاً للأثرياء الفلسطينيين. وكجزء من العلاقات المتبادلة تملّك الكثير من العائلات اللبنانية أراضي واسعة في فلسطين (سرسق، مطران)، وبعضها استقرّ في فلسطين قبل النكبة. وإذا أضفنا إلى ذلك كله الطبيعة الجغرافية المتشابهة في أنهارها وهضابها وتضاريسها بين شمال فلسطين ولبنان ندرك لماذا اختار اللاجئون الهجرة إلى لبنان.
البدايات
معظم اللاجئين خرجوا إلى قرية رميش اللبنانية الحدودية، وهناك ناموا في العراء، حتى كادت أمعاؤهم تأكل بعضها من الجوع. ليبدأ بعدها التشتت من جديد، منهم مَن قصد بنت جبيل، أو رحل إلى مدينة صور، أو قرية جويا، التي امتزجت فيها العديد من القرى الفلسطينية. وهناك من يبحث عن أخ أو قريب في قرية جنوبية، لكن الجميع تقريباً في عام 1948، وأوائل عام 1949، لم يغادر جنوب لبنان على أمل العودة القريبة. يصل قطار قادم من حلب إلى مدينة صور، فتدفع السلطات اللبنانية بآلاف اللاجئين نحوه، وبطريقة عشوائية، وترحّلهم إلى حلب، لينشئوا مخيماتهم هناك، فتفرقت عائلات كثيرة. البعض يرفض صعود القطار ويفرّ، كما حصل مع عبد الله أبو هاشم. أحد القطارات ينزل ركابه في محطة عند منطقة نهر البارد، شمال لبنان، يصرّون على البقاء، لخوفهم من أن يبتعدوا كثيراً عن قراهم، وترفض السلطات السورية استقبالهم، فترضخ السلطات اللبنانية، وينصب الصليب الأحمر الخيام، ليُقام ما يُعرف بمخيم نهر البارد خلال عام 1949.
الفلسطينيون الذين بقوا في القرى الجنوبية بعضهم سكن الخيام، والبعض الآخر استأجر غرفاً صغيرة، لكن المال القليل أخذ ينفد. فتوجه عدد من لاجئي قرية ترشيحا (قضاء عكا) إلى مختار برج البراجنة أحمد السبع، وكان ذا اتجاه قومي، وعلى علاقة قديمة مع أهالي القرية، فساعدهم على إيجاد قطعة أرض لهم في المنطقة وتأسس بذلك مخيم برج البراجنة، وأصبح يُدعى «مخيم الليرات»، نظراً لقربه من مدينة بيروت وضواحيها التي يتواجد فيها العديد من المصانع والورش، وتزامن ذلك مع نقل مطار بيروت وتوسيعه، بفعل توقف عمل المرافق الفلسطينية بعد النكبة.
على مقربة من حدود فلسطين المحتلة، 23 كلم، بدأ مخيم الرشيدية في أواخر الأربعينيات باستقبال اللاجئين الفلسطينيين. وكان هذا المخيم قد تأسس في عام 1936 وسكنه في ذلك الوقت عدد من العائلات الأرمنية إبان الانتداب الفرنسي على لبنان، إلا أنه بناء على قرار من الحكومة اللبنانية في عهد الاستقلال أي بعد عام 1943 توجهت معظم تلك العائلات لتسكن في الدورة وبرج حمود في العاصمة اللبنانية بيروت. وبقي في المخيم بضع عائلات سكنت مع اللاجئين الفلسطينيين حتى أواخر السبعينيات حين هاجرت نتيجة القصف الإسرائيلي. وتتشابه ظروف مخيم البص بالقرب من آثار مدينة صور مع ظروف نشأة مخيم الرشيدية إذ كان هو الآخر قد أُنشئ لإيواء اللاجئين الأرمن، ثم سكنه الفلسطينيون عام 1948. وبعض اللاجئين حُملوا إلى بلدة عنجر البقاعية، حيث الوجود الأرمني.
وتوالى بعدها إنشاء المخيمات مع ملاحظة أن المخيمات كانت صغيرة المساحة، مشتتة على امتداد الأراضي اللبنانية حتى لا يُسمح للفلسطينيين بتشكيل قوة صلبة، ويسهل التعامل معهم. ففي مدينة بعلبك، في البقاع، وفرت الحكومة الفرنسية 12 ثكنة لتؤوي اللاجئين، كانت قد أخلتها عند الاستقلال. أما مخيم برج الشمالي في مدينة صور، فقد ساهم في نشأته عام 1955 عاملان: الأول هو نقل الفلسطينيين من المنطقة الحدودية القريبة من مدينة مرجعيون اللبنانية، والثاني هو الخلاف الذي وقع بين بعض الفلسطينيين والسكان الأرمن في منطقة عنجر فاستدعى ذلك نقلهم إلى مخيم برج الشمالي. ولعبت العوامل الدينية دوراً مهماً في توزيع الفلسطينيين ومخيماتهم. فمخيم مار الياس أنشأه دير مار الياس للأرثوذكس عام 1952 في أرض تابعة له في غرب بيروت. وكذلك مخيم ضبية شمال مدينة بيروت الذي أُسس عام 1956 سكنه مسيحيون.
وما يُقال عن المخيمات المذكورة آنفاً يتشابه إلى حدّ كبير مع نشأة المخيمات الأخرى وأكبرها عين الحلوة في مدينة صيدا. في السنوات الأولى تركز الوجود الفلسطيني بشكل كبير في مدن الجنوب فأظهرت إحصائية الأنروا في 31/12/1951 وجود 24984 لاجئاً في صيدا، و22772 لاجئاً في صور من أصل 105135 لاجئاً مسجلاً لديها. أما بعد ذلك، فبدأ الشعور الفلسطيني العام بأن العودة قد تتأخر بعض الوقت، فأخذ الانتشار يعتمد على العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً القروية منها. فأهالي كل قرية راحوا يتجمعون في مخيم واحد حفاظاً على تقاليدهم وعاداتهم ووحدتهم الاجتماعية، ومِنعتهم خارج فلسطين، بل حتى إن البعض منهم كان يقول بضرورة التجمّع حتى تكون «العودة جماعية ومنظمة». من هنا نجد أن كل مخيم طُبع بطابع قرية فلسطينية أو أكثر، فمخيم ويفل (الجليل)، سكنه لاجئو قرية لوبيا الفلسطينية بشكل أساسي، ومخيم نهر البارد سكنه أهالي سعسع وصفورية، ومخيم الرشيدية أهالي قرية فارا وسحماتا وأم الفرج. وما يُعرف بالغوارنه سكنوا مخيم تل الزعتر. أما أهالي ترشيحا المقيمون في مخيم برج البراجنة فوصل بهم الأمر إلى الطلب من بعض أقاربهم في مدينة حلب السورية بالقدوم للإقامة في مخيم برج البراجنة، فاستجابوا لذلك.
السنة |
الهجرة الصافية |
1950 |
2983 |
1951 |
219 |
1952 |
1876 |
1953 |
2739 |
1954 |
1563 |
1955 |
5687 |
1956 |
7206 |
1957 |
3859 |
1958 |
4627 |
1959 |
5227 |
1960 |
2215 |
المجموع |
38201 |
النقل والهجرة
في الخمسينيات يمكن الحديث عن عودة القليل من الفلسطينيين لا يتجاوز عددهم مئات قليلة، كما أن هناك فلسطينيين في لبنان لم يسجّلوا أسماءهم لدى الدوائر الرسمية، إذ كانوا يخشون من أن يتم توطينهم، ومن هؤلاء أصبح ما يُعرف بغير المسجلين أو NR. في عام 1963 تمّ ترحيل الفلسطينيين من ثكنة غورو في بعلبك إلى مخيم الرشيدية، يومها وقف الضابط اللبناني وأقنع اللاجئين في الثكنة بأن السلطات اللبنانية تريد نقلهم إلى مخيم الرشيدية ليكونوا قريبين من فلسطين، ويكونوا أول العائدين إليها!! بعدها رُحلت عائلات ((حارة حواسة)) في مخيم البص إلى الرشيدية بسبب التنقيب عن الآثار.
|
|
شرع اللاجئ الفلسطيني في الهجرة الاقتصادية منذ الخمسينيات والستينيات إلى دول الخليج وكندا وألمانيا وأوروبا بشكل عام. ولعبت الهيئة العربية العليا من خلال مكتبها في بيروت دوراً مهماً في مساعدة الفلسطينيين على إيجاد عمل خارج لبنان. ويظهر الجدول التالي عدد الفلسطينيين الذين بقوا خارج لبنان. |
في عام 1968، وقبل تشريع العمل الفدائي بعام واحد، بلغ عدد الفلسطينيين حوالى 214 ألف نسمة. ومع خروج الثورة الفلسطينية من الأردن عام 1971 ازاداد عدد الفلسطينيين في لبنان. وفي عام 1974 دُمر مخيم النبطية بقصف صهيوني فرحل أهله إلى مخيم عين الحلوة. وفي عام 1975، ومع اندلاع الحرب الأهلية قُتل الكثير من الفلسطينيين وهاجر الكثير خصوصاً مع الطفرة النفطية. وفي عام 1976 دُمر مخيما تل الزعتر وجسر الباشا ورحل من نجا من المجازر إلى مخيمات وتجمعات أخرى استجدّت.
إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا هاجر الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتُقدّر بعض المصادر عدد المهاجرين في عام 1983 بحوالى 70 ألف لاجئ فلسطيني. في عام 1985 اندلعت حرب المخيمات بين حركة أمل والفلسطينيين والتي استمرّت حتى نهاية عام 1987، وأدت إلى مقتل حوالى 2000 فلسطيني، وهجرة عشرات الآلاف، وخصوصاً إلى دول اسكندنافيا (بات ملاحظاً أن فتح باب الهجرة غالباً ما يلي نكبات كبيرة، وهذا ما يخشاه الفلسطينيون الآن بعد أحداث نهر البارد). خلال الحروب التي عصفت بلبنان نشأ، إضافة إلى المخيمات، ما لا يقل عن ثلاثة عشر تجمعاً فلسطينياً لا تقدّم الأنروا خدماتها إليهم.
ولا تفوتنا الإشارة إلى السكان الفلسطينيين الذين استطاعوا شراء شقة سكنية أو عقاراً قبل صدور قانون منع التملك في عام 2001، ويُقدّر عدد هؤلاء بحوالى 40% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
استمرّ نزيف الهجرة نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ فيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان. وتورد الأنروا أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وصل في آذار/ مارس 2006 إلى 404170 لاجئاً، بينما معظم التقارير تشير إلى أن الرقم الحقيقي لا يتجاوز 300 ألف نتيجة الهجرات والحروب المتتالية.
الجدول التالي يبيّن توزيع اللاجئين على المخيمات حسب إحصاء الأنروا.
مخيمات لبنان
اسم
المخيم |
اللاجئون المسجلون |
|
اسم المخيم |
اللاجئون المسجلون |
|
|
أحمد الحاج علي