القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الحاجة حبيبة قاسم: حكاية تختصر النكبة

الحاجة حبيبة قاسم: حكاية تختصر النكبة/cms/assets/Gallery/984/101710.jpg


الأربعاء، 15 أيار، 2013

أجلست الحاجة حبيبة قاسم أمام منزلها المتواضع على مشارف مخيم الأمعري في مدينة رام الله 65 عاماً متواصلة تنتظر يوماً تعود فيه إلى بيتها في قرية لفتا، التي احتلتها اسرائيل وهجرت أهلها في العام 1948.

عاشت الحاجة حبيبة نكبات متواصلة منذ النكبة الاولى وجسدت حكاية اللاجئين الذين طردوا بغير حق، وتشتتوا في الارض، وقتلتهم الحسرة.

كان عمرها 30 عاماً حين احتل الصهاينة منزل اهلها. كانت ناضجة بما فيه الكفاية لتحارب إلى جانب زوجها وشقيقها، حين هاجمت العصابات الصهيونية قريتها وقتلت عدداً كبيراً من سكانها.

قالت الحاجة حبيبة لـ«السفير»: «كان اخي في وادٍ قرب القرية مع عدد من الثوار بمن فيهم زوجي، وحمّلوني عدداً من البنادق لنقلها إلى مكان قريب. ذهبت لنقلها وعدت لأجد شقيقي شهيداً، وقد شطرته قذيفة إلى نصفين. حملتُ اشلائه ودفنته في الوادي ثم رحلت».

كانت حبيبة تجلس يومياً أمام منزلها تنظر صوب مدينة القدس تتساءل إن كانت ستعود إلى مسقط رأسها يوماً. عاشت من الآلام ما يكفي لتتحمل «جميْلة الأونروا» وشفقة من لم يفقدوا منازلهم في ذلك الوقت. فقدت ابنها وابنتها وزوجها فيما ظل الولد الثالث غائباً عنها 30 عاماً ولم تره إلا مرة واحدة.

في منتصف الخمسينيات، على ما جمعت ذاكرتها، قال لها زوجها حسن قاسم إنه ذاهب إلى عمان يومين إلى ثلاثة لكي يعزي في احد الاقارب. قبلته وودعته على امل اللقاء. مرّت اربعون سنة وهي تنتظره... ولم يأت حسن.

تحدثت الحاجة بحسرة: «افنيت عمري اسأل عنه ولم أجد جواباً. لا نعرف إن كان حياً ام ميتاً أم مفقوداً، لكنه اختفى مع من اختفوا من أهلنا. لقد كان قناصاً ماهراً. ربما اغتالوه».

قالت تلك الكلمات وانهمكت في البكاء، فغياب زوجها كان بالنسبة إليها «النكبة الثالثة بعد سرقة بلدتي لفتا واستشهاد أخي».

استمرت الحاجة تعايش نكباتها، وهي تقول بكلمات ساخرة «من خرج من دارة قلَّ مقدارُه»، وتلقي باللوم على القدَر الذي حوّلها من «ابنة عز إلى عزيز قوم ذل»، لكنها، مع ذلك، رفضت أن تطلب الرحمة، فالنسبة إليها «ما بقي مني عزتي وكرامتي».

سنوات مرت على الحاجة حبيبة لا زوج يعيل ولا بيت يؤوي، وليس لها سوى ولدين وشقيقتهم. قبل النكسة. وبينما كان ولدها في بيتها اصابته نوبة قلبية حادة فخرّ ساكتا وكأن لسان حاله يقول «الموت ولا المذلة»، تتنهد حبيبة متحسرة على»الضنى».

في العام 1967 غادرها ابنها البكر إلى السعودية طالباً العمل. ولم يعرف هو ولا هي لماذا قررت اسرائيل سحب هويته مع الآلاف من الفلسطينيين حينها ليصبح لاجئاً مكرها هو الآخر ويغيب عنها أكثر من 30 عاماً إلى أن رأته مؤخراً قبل أن تودع الحياة.

قصة حبيبة، قصة نكبة عاشها اللاجئون الفلسطينيون. الحاجة توفيت قبل أشهر بعدما انهكها المرض والحسرة، وبعدما «مر 93 عاماً من عمري كلمح البصر، ما شفت فيهن يوم هني».

غادرت حبيبة. لكنها غادرت مبتسمة على ما أكد احفادها ومن عايشوها. كانت ابتسامة تخفي ورائها هموم فلسطين.

أما قريتها لفتا فما زالت مبانيها صامدة إلى الشمال الغربي من مدينة القدس وتزيد مساحتها عن 8000 دونم. هاجمتها العصابات الصهيونية في العام 1948، وهجّرت نحو 2000 نسمة من سكانها، وارتكبت داخلها مجزرة حين اطلقت النار على من كانوا داخل مقهى القرية، كما دمرت فيها أكثر من عشرين منزلاً ما ادى الى استشهاد اكثر من 15 من أهلها وإصابة العشرات وتهجير البقية.

المصدر: (امجد سمحان – السفير)