القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

"الحزبية" تعكس آثارها على حجم المشاركة بفعاليات حق العودة

"الحزبية" تعكس آثارها على حجم المشاركة بفعاليات حق العودة


محمد أحمد ترابي / الضفة الغربية

هي قضية فلسطينية بحتة مسّت جميع الفلسطينيين، صغيراً وكبيراً. ليست مخصصة لجماعة دون أخرى، ولا حزب دون آخر، بل أصبحت قضية يعلم حقيقتها الجميع، ألا وهي "حق العودة"، وهو حق كل اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا من أراضيهم التي احتلت عام 1948 عام النكبة، وهُجروا لبلاد الغربة البعيدة. وأصبحت قضية اللاجئين ترمز إلى معاناة الشعب الفلسطيني، فحازت اهتماماً كبيراً من قبل الفصائل الفلسطينية والفعاليات العامة التي تنظمها مؤسسات حزبية وأخرى مستقلة، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم الأصلية.

ولطبيعة الحياة السياسية والحزبية التي فرضت على الفلسطينيين، كان حريّاً على الفصائل الفلسطينية على اختلاف ألوانها أن تسعى إلى تحقيق حلم العودة، وأن تعمل على ترسيخه كثابت من الثوابت التي لا يمكن التفريط بها.

وعلى هذا الصعيد أشار أستاذ علم الاجتماع السياسي في كلية الآداب بجامعة النجاح الوطنية، الدكتور مصطفى الشنار إلى أن حق العودة لا يحظى بالاهتمام الكافي من الرسمية الفلسطينية المتمثلة بقيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.

ضعف الحراك الجماهيري

وأضاف في لقاء خاص مع "العودة": "إن ما يجري سنوياً في هذه المناسبة لا يتعدى الشكل البروتوكولي الشعاراتي الموسمي، الذي سرعان ما يتبخر مضمونه السياسي عند أول جولة من المفاوضات، إلا أن التحرك الجدي في هذه المناسبة، كان بعد أربعة أشهر من نجاح الثورتين التونسية والمصرية، وذلك حين اندفعت الجماهير الفلسطينية نحو الحدود، ما أدى حينها إلى ارتقاء العديد من الشهداء" .

بدوره أشار المحاضر في كلية الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنية الدكتور فريد أبو ضهير إلى ضعف الحراك الجماهيري في تلك القضية، وقال: "أعتقد أن الحراك الجماهيري أقل من المستوى المطلوب، وخاصة في القضايا الجوهرية، مثل حق العودة، والنكبة، والقدس، والأسرى".

وتابع في حديثه مع "العودة": "هناك سببان لضعف الحراك الشعبي: الأول هو مستوى تعاطي الجهات الرسمية مع هذه الأمور؛ فوجود سلطة فلسطينية وقوى سياسية تقول للجماهير: نحن سنتصدى لهذه القضايا نيابة عنكم، وسنقودكم في الفعاليات لمواجهتها، يجعل الشعب يترقب تلك الجهات لكي تسير خلفها ويدعمها ويعطيها الزخم اللازم، لكن الفتور الذي تقوم به تلك القيادات والأطر يسبب ترهلاً لدى الجماهير وعدم الاكتراث إزاء ما يجري".

أما السبب الثاني، فهو ما يترتب على ما سبقه حسب ما أشار إليه أبو ضهير، ويتمثل بعدم قيام الجهات الرسمية بالتنحي جانباً، وإطلاق المجال للجماهير للتحرك .

ويؤكد مراقبون أن مستوى مشاركة مناصري التنظيمات الفلسطينية في فعاليات "حق العودة" أكثر من مشاركتهم في الفعاليات العامة!

فيما فسّر د. الشنار حيثيات تلك الظاهرة وأرجعها إلى عدة أسباب. منها كما قال: "التعصب الفصائلي الواضح في السلوك السياسي الفلسطيني، الذي قاد إلى ما نحن فيه من تشتت الجهود، والانقسام وحصار قطاع غزة، وتجريف البنى التحتية للمقاومة في الضفة الغربية، الأمر الذي أفقدها القسط الأكبر من وزنها النضالي الفاعل في الميدان"، ورأى أنّ عدم بناء المؤسسات الفلسطينية السياسية للمنظمة والسلطة على قاعدة ديموقراطية حقيقية، وبناء مؤسسات من لون واحد في مختلف الحقول، هو أحد تلك الأسباب التي أدت إلى إصابة الناس في المجتمع باليأس من إمكانية تطبيق العدالة بين أبناء المجتمع الواحد، ما جعله يعيش حالة من الاغتراب عن السلطة والمنظمة والفصائل على حد سواء.

أما الدكتور أبو ضهير فقال: "أعتقد أن حتى تفاعل أعضاء الفصائل والقوى السياسية ومناصريها مع أنشطة منظماتهم في ما يتعلق بقضايا اللاجئين، وغيرها من القضايا، هو تفاعل محدود، ومتدنٍّ، ولا يرقى إلى المستوى المأمول، وهؤلاء هم أعضاء ومناصرون حزبيون ملتزمون بتعليمات منظماتهم، فكيف بمن هو غير حزبي؟".

وأضاف: "إذا كان التفاعل الحزبي مع أنشطة جماعته متدنياً، فكيف يمكن أن تكون فاعلة مع المنظمات الأخرى؟ هذا يفسر التفاعل المتدني مع كل الأنشطة والفعاليات التي تُنظَّم في هذه القضايا الوطنية".

وأشار إلى أن هناك حالة من الترهل العام في الساحة السياسية الفلسطينية، وفي تفاعل الجماهير مع الفعاليات الوطنية، ويرجع السبب في ذلك إلى حالة الانقسام والتشظي التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وانعدام الوجود الفعلي للحمة الوطنية نتيجة تباين الرؤى في تشخيص الحالة ووضع آليات الخروج منها، إضافة إلى هامش الحرية المحدود، والهواجس التي تجتاح المواطنين من إمكانية الملاحقة الأمنية، كل ذلك يحدّ من المشاركة السياسية للمواطن في الشأن العام.

أحد مناصري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين علي حنني (25 عاماً)، وهو طالب إعلام في جامعة النجاح الوطنية، أكد أن مشاركته في الفعاليات الوطنية، وخاصة في ما يتعلق بحق العودة تكون نابعة من انتماء وطني، وليس لها علاقة بالحزبية والانتماءات، وقال: "أكيد دعوة حزبي – الجبهة الشعبية – إلى مثل تلك الفعاليات تشكل حافزاً أكبر لكي أشارك فيها، لكن عندما تكون الفعالية غير مؤطرة، يكون لها طابع خاص، وشعار موحد، ورؤية واحدة تنبع من روح الثوابت الوطنية، التي يلتقي عليها جميع الأطياف السياسية مثل عودة اللاجئين، التي لا يختلف عن ذلك المطلب الوطني".

أما أحمد العلي (28 عاماً)، الطالب في قسم الصحافة والإعلام بجامعة النجاح الوطنية أيضاً، فهو يفضل المشاركة بالفعاليات العامة؛ لأنها أصدق حلى حدّ قوله. وأضاف: "الأحزاب عادة يكون هدفها حزبياً لرفع اسم التنظيم، لكن في المقابل التنظيمات تكون أكثر قدرة على الحشد الجماهيري، وأكثر تنظيماً وتأثيراً من حيث طريقة التعاطي مع التحديات التي يواجهونها، وإضافة إلى ذلك، يكون التعامل معها رسمياً".

وأشار العلي إلى الطرق الأكثر تأثيراً للمطالبة "بحق العودة"، وهي ليست فقط خروج المسيرات والتظاهرات، بل الموضوع بحاجة إلى قرارات سياسية بالدرجة الأولى نابعة من قوة المواقف .

بدوره، أشار الطالب الجامعي محمد منير دراغمة (21 عاماً) إلى أنه يفضل المشاركة من خلال الفعاليات العامة بعيداً عن التنظيمات، وقال: "إن الطرق الفعالة للمطالبة بحق العودة تكون من خلال التظاهرات والاحتجاجات السلمية، والطريقة الأخرى قد تكون أكثر خيالية من أن تكون واقعية، هي دخول الفلسطينيين في الخارج من طريق فيزا سياحية وكسرها بعد المدة المسموحة، واستثمار أموالهم في العقارات، وبناء البيوت لهم في أي مدينة يختارونها، وعدم بقائهم خارج البلاد، وإن كانت مدنهم الأصلية بأيدي اليهود".

وعلى صعيد تحكم الانتماء الحزبي بقوة المشاركة مقارنة مع المشاركة على أساس الانتماء الوطني، أشار أستاذ علم الاجتماع السياسي مصطفى الشنار إلى أن القضية في ظل التعقيدات الفكرية والبنيوية للحياة السياسية الفلسطينية، لا تطرح بهذا التسطيح والبساطة، وقال: "لكلٍّ فلسطينه التي يقاتل من أجلها، ويضحي في سبيل الوصول إليها. وإضافة إلى ذلك، تُناقَش القضية الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي (العشرين)، ونجد أن مسألة التمثيل القيادي كانت أكبر الأزمات التي عانى وما زال يعاني منها الشعب الفلسطيني حتى اليوم، وقد سبق أن تدخلت الجامعة العربية مرتين في تاريخنا السياسي الحديث، لتأسيس مرجعية أو قيادة فلسطينية ترضى عنها غالبية الشعب الفلسطيني عامي 1946 و 1964". وتابع الشنار: "وللأسف ما زالت من أكثر ملفات الحوار الفلسطيني الداخلي تعقيداً، ومن أصعب ملفات المصالحة على الإطلاق" .

ورأى الدكتور فريد ابو ضهير أن الانتماء إلى الحزب أقوى من الانتماء إلى الوطن لدى كثير من الناس المحسوبين على التنظيمات المختلفة، مرجعاً السبب في ذلك إلى أنّ بساطة المستوى الفكري لدى هؤلاء متواضع جداً، على حدّ وصفه، حيث يترك لقيادته التفكير عنه، واتخاذ القرارات التي يرونها مناسبة، ومن منطلق الانتماء والثقة بالقيادات، يلتزم ما تقوله قيادته بدقة وحرفية.

وأضاف: "إن غالبية الناس لا تفضّل التفكير والتحليل واتخاذ القرار، الذي قد لا يكون منسجماً مع توجهات قياداتها في التنظيمات"، وهذا الأمر يجعل الانتماء إلى الحزب أقوى من الانتماء إلى الوطن بالتأكيد.

اللاجئون وحدهم في المعاناة

وفي إطار سؤاله عن معاناة اللاجئين ومن يشعر بهم، أشار أبو ضهير إلى أن قضية حق العودة لا توحد الفلسطينيين، وأرجع السبب في ذلك، إلى أنه لا يشعر بقضية اللاجئين ومعاناتهم، إلا اللاجئون بأنفسهم، كذلك إن القضايا المحورية في الصراع موزعة على شرائح المجتمع المختلفة.

أما الدكتور مصطفى الشنار، فقال "إن قضية حق العودة قطعاً لا توحّد الفلسطينيين على اختلاف تنظيماتهم، وإنما قد توحد البسطاء في الميدان في مسيرة أو فعالية هنا وهناك. أما على المستوى البرامجي والنضالي والسياسي المرتبط بحق العودة، على حد تعبيره، فتشكل نقطة خلافية؛ لأننا سنختلف إلى أين نعود، إلى حدود 1967، أو إلى كل فلسطين، وسنختلف على حجم العائدين وعددهم.

وانهى مصطفى الشنار حديثه قائلاً: "أعتقد أن قضية حق العودة بمجرد توقيع اتفاقية أوسلو في أيلول 1993 قد تم شُطبت من الناحية العملياتية".

المصدر: مجلة العودة، العدد الخامس والستون