القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

«الحفر على الخشب».. حرفةٌ إبداعية من وحي التراث الوطني

«الحفر على الخشب».. حرفةٌ إبداعية من وحي التراث الوطني


الثلاثاء، 14 نيسان، 2015

لم يجد الشاب حمزة المطري -من مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة- بُدًّا من استغلال هوايته في النحت على الأخشاب وتطويرها حتى اتخاذها مهنة له ليكسب بها لقمة عيشه في ظل أوضاع معيشية صعبة وتفشٍّ كبير للبطالة.

"فلسطين عربية".. "فلسطين حرة".. "القدس موعدنا".. "العودة حق كالشمس".. عبارات نحتها الشاب المطري على مجسمات وقوالب خشبية، منها ما نُحت على شكل خارطة فلسطين وأخرى كُوِّنت على صورة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، في محاولة منه لتعميق حُب الوطن وإحياء الانتماء إلى مقدساته من خلال الريشة والألوان الجذابة والفن الراقي.

"المركز الفلسطيني للإعلام" في زيارة خاطفة لزاوية الشاب المطري الواقعة عند أحد مداخل البلدة القديمة في نابلس، عاين عن قرب مجموعة المنحوتات الخشبية التي عرضها للبيع؛ حيث طغت النكهة الفلسطينية عليها بقوة، ما جعلها محط أنظار المارّة والمتبّضعين.

موهبة وحرفة

يقول المطري لمراسلنا إنه بدأ هوايته في الرسم منذ نعومة أظفاره حتى شبَّ عليها، ومن ثم استهواه فن الرسم والنحت على الخشب أي ما يطلق عليه "الرسم بالنار" وبمساعدة أحد أصدقائه تعلم هذا الفن حتى أتقنه خلال فترة وجيزة، بل أصبح مصدر رزق له يدرّ عليه دخلاً لا بأس به.

ويستعمل الشاب في حرفته ماكينة يدوية كهربائية لحرق الخشب وتشكيله، مستخدمًا أنواعًا عدة من الخشب منها: خشب الزيتون أو الليف أو الميبل؛ حيث يحصل عليه من أغصان الأشجار أو بشرائه من المناجر، ومن ثم يمضي جل نهاره وسويعات من ليله بصناعة التحف والأشكال الخشبية في مخزن خاص بالقرب من منزله.

تعميق الانتماء للوطن

ولا تقتصر مهنة المطري على الحفر على الخشب فحسب؛ بل إن تمكنه من الموهبة من جهةٍ وانتمائه إلى قضيته من جهة ثانية، جعله يتقن الحفر على موادّ أخرى كالحديد والأرز والأحجار الكريمة، ومنها يشكل رموزًا وتعابير ذات مضمون وطني يسعى من خلالها لإيصال رسالة وطنية تكاد أن تُغيّب بعد أن جفت أحبار الكلمات وخَرست جميع المعاجم عن وصف واقعنا الفلسطيني المرير.

ويقبل الناس عادةً على شراء المجسمات والبراويز الخشبية ليتهادوا بها بعضهم لبعض، كما ويعمد أهالي المغتربين إلى إرسال القوالب والتحف الملونة ذات الطابع التراثي الفلسطيني إلى أبنائهم لعلهم بها يروون شيئًا من ظمئهم وحنينهم إلى أوطانهم بعد طول غياب.

ويضم المطري إلى مجموعته الخشبية رسومات لمناظر طبيعية وشخصيات تاريخية بالإضافة إلى مطرزات وأشغال يدوية مصنوعة من الخرز، وعادة ما تقبل الفتيات على شرائها خاصة أنها تحتوي على أحجار كريمة كانت تستخدمها النساء قديمًا في اللبس والحُلي وتعدّ جزءًا من التراث الفلسطيني.

وتتضمن مجموعة الشاب الفنية على رسومات لرموز وقادة وطنيين من أبرزهم الشيخ أحمد ياسين والرئيس الراحل ياسر عرفات وصدام حسين، يُستخدم في تلوينها الزيت والفحم والألوان الطبيعية لتلوين خارطة فلسطين وبعض الرسومات الكاريكاتيرية لشخصيات فلسطينية شهيرة كحنظلة.

طاقات في وجه الاحتلال

وتعليقًا على لجوء الشباب الفلسطينيين إلى تنمية مواهبهم واستثمارها كمهنة لهم؛ يقول الأستاذ مخلص سمارة المدرب في التنمية البشرية إن الشباب الفلسطيني عبارة عن كتلة من الطاقات خلقت كردة فعل على الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها بفعل احتلالٍ لطالما ألقى بظلاله على كافة تفاصيل الحياة.

ويتابع سمارة خلال حديثة لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "تلك الظروف جعلت الشاب الفلسطيني ينقب عن كل ما يشفي غليله ويلبي طموحه ولا يرضى إلا أن يدفع بأفكاره المتوهجة لتبصر النور وتظهر إلى العلن، حتى لو اضطر إلى الحفر بالصخر والحديد والخشب".

ويرى سمارة أن ما يزيد من حب وشغف الكثير من الشباب لمثل تلك المهن وهنا نقصد "مهنة الحفر على الخشب" هو جماليتها ورونقها الخاص، وكونها لا يتقنها إلا شخص موهوب يتمتع بخيال خصب وبإحساس عالٍ قادر على تحويل الفكرة إلى واقع ملموس.

وبانتشار ظاهرة المهن والحرف اليدوية بين أوساط الشباب يؤكد سمارة أنها مظهر إيجابي في المجتمع إن دل على شيء فهو بلا شك يدل على سعة أفق هؤلاء الشباب، فالتخصصات المهنية هي مؤشر صحي على واقع المجتمعات.

ويضيف: "على سبيل المثال.. الدول الغربية وخريجو جامعاتها يميلون في أغلبيتهم إلى التخصصات المهنية، على عكس واقعنا العربي ومنه الفلسطيني الذي ما يزال يجهل دور وأهمية تلك المهن في القدرة على توفير فرص عمل تلبي احتياجات كثير من الأسر".

إبداع يصنع المستقبل

ويقدم سمارة نصيحة للشباب بالاستمرار على ذات الخطى، والعمل على تطوير موهبتهم بكافة السبل والطرق وصولاً إلى الاحتراف، دون الالتفات إلى المثبطين أو الاستماع إلى أيٍّ من الأصوات المحبطة. مخاطبًا إياهم: "بقدراتكم وإبداعاتكم تستطيعون أن تصنعوا مستقبلاً باهرًا يحمل معالم وملامح النجاح".

وينادي سمارة الأهالي بضرورة دعم أبنائهم في مثل هذه الأفكار والمشاريع والاهتمام بها منذ الصغر ودعمهم في حال تبنيهم بمثل هذه المشاريع والمهن.

أما المسؤولية الكبرى بحسب سمارة فتقع على عاتق الدولة ومؤسساتها، مطالباً بضرورة احتضان هذه المواهب ودعمها بكافة الإمكانيات لضمان المحافظة عليها وتطويرها والتعامل مع مهارتهم وفنهم وثقافتهم على أنهم ثروة وطنية لا يستهان بها.

المصد: المركز الفلسطيني للإعلام