القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الصاعقة: لا مئة مقاتل ولا من يدفعون

الصاعقة: لا مئة مقاتل ولا من يدفعون

الخميس، 15 كانون الأول، 2011

يقف تحت صور الشهداء عند المدخل الجنوبي لمخيّم مار الياس، لابساً بزّة «المارينز» المرقّطة. تلحق به في زواريب المخيّم، بين جدران تغطيها «سماءٌ» من الأسلاك الكهربائية الفاصلة بين الأرض، وسماء خارج المخيّم. طرق أحمد باباً، لا يبدو كباب مركز، فتحت صبيّة وسارعت بالانصراف، نادى: «عمّي أبو حسن، وصلنا». الظلام دامس في الغرفة ـــــ المدخل. لم يأت أبو حسن بعد، وأحمد يحاول إضاءة شمعة. «ركِّب لمبة يا أحمد. الكهربا بالمخيّم متل هالبلد، ما تواخذنا». طاولة صغيرة وضعها أبو حسن، ليضع فوقها كوب الشاي الأسود. في العتمة لا يظهر من ملامح وجهه سوى ابتسامة، و«اللمبة» لم تحدث فرقاً كبيراً. «شو؟ شفت المئة مقاتل؟»، يضحك غازي حسن، أمين سرّ منظّمة الصاعقة في لبنان، تعليقاً منه على ما أثير في بعض وسائل الإعلام عن دخول مئة من مقاتلي منظمته البعثية من سوريا إلى لبنان. أحد الذين كرروا هذه «المعلومات» هو رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع.

يعتبر الرجل الستيني، أبو حسن، أن ما يحاط بالصاعقة اليوم هو «تلفيق وشائعات تصبّ في خانة ما يحصل في سوريا. والملفّ الفلسطيني في لبنان يشكّل عامل جذب للقوى التي تعمل على إشاعة الخوف. وغداً، إذا وقع اغتيال ما أو حدث أمني، فسيسارعون إلى اتهام الصاعقة وعناصرها المئة الافتراضيين».

من لم يصدّق رواية أبو حسن، سيصدّقها حتماً في مخيّم البداوي. أهله يعرف بعضهم بعضاً بالاسم، وإذا دخل «غريب» فتلاحقه العيون وتعاجله التساؤلات. خالد اليماني، مسؤول الجبهة الشعبية في البارد، هو أفضل مرافق في المخيّم، يسلّم على الناس كلّهم. يسأل عن أحوالهم. يعرّج على محل الشاورما. تشاء الصدف أن تتزامن زيارة المخيّم مع مهرجان «الاستقلال» الذي نظّمته 14 آذار. ترى مروان حمادة وجورج بكاسيني يحاضران في حريّة الشعب السوري، وتظنّ من شدّة الحماسة أنّهما سيخرجان من تلفاز محلّ الشاورما. «مبارح، كانوا عم يقوّصوا الباصات السوريّة على أوتوستراد حلبا»، يقول الرجل باستهزاء، ويدعو ضيفه إلى تناول سندويش شاورما.

طريق الصاعقة يمرّ بمقرّ الجبهة الشعبيّة ـــــ القيادة العامّة. ينتشر عدد من الشبان أمام المقرّ. بعضهم يحمل سلاحاً. يرمقون نظرات الترقّب والاستفهام، سرعان ما يتعرّفون إلى خالد، فتتحوّل العيون المتفرّسة إلى عيونٍ ضاحكة. مقرّ الصاعقة في المخيّم يكاد يخلو من الحراسة، باستثناء عنصر واحد، تظنّه للوهلة الأولى يحرس صورة ضخمة للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، علّقت على سطح المقرّ، وفوق الباب لوحة كتب عليها «سلاحك وعتادك ملك لفلسطين». غرف المقرّ الأربع لولا أثاثها القليل لكانت مساحة للصدى، وحدها شعارات العروبة وصور الرئيس بشار الأسد تملأ المكان. المسؤول، عبد راشد، منهمك باجتماع قيادة الصاعقة في الشمال. المدرّس المتقاعد كان يختتم أعمال الاجتماع. وعلى الرغم من اجتماع القيادة، لم يتعدّ الموجودون حدود أصابع اليد. تحيّة ثمّ سلام وكلام، «الشباب» يتجاوز عمر أصغرهم خمسين عاماً. يسأل راشد عما إذا كان لدى ضيفه من مانع «أن نتحدّث بوجود الجميع». لا مانع. يعاجلك راشد بالإجابة قبل السؤال: «أتيت لترى المقاتلين؟ أنا أعرف ذلك، ابحث بين الأثاث، وفي الخزائن، ربما تجدهم هناك. لا تعذّب نفسك على السطح، لأنّه مكشوف». يضيف من دون فاصلة: «نحن لا نملك المال لتفريغ مئة عنصر، ولا نملك المساحة الكافية لتأمين نومهم وحركتهم، بالإضافة إلى أن المخيم محاط بنقاط الجيش اللبناني، ولا تخفى على الأجهزة الأمنية دبّة نملة فيه ... التلفيق حول الصاعقة هدفه إلصاق التهم بالرئيس بشّار الأسد. صحيح أنّنا لا نملك المال، لكنّنا مؤمنون بأنّ سوريا ستنتصر، وستنتصر معها كلّ القضايا العربية المحقّة».

وفي مخيم عين الحلوة، يجلس القائد العسكري لحركة فتح في لبنان، العميد محمود عيسى، المعروف باللينو، في خيمته المصنوعة من القصب. تسأله عن صحّة الأخبار عن تغييرات الصاعقة في عين الحلوة أو المخيّمات الأخرى، فيجيب ساخراً: «التغيير الوحيد الذي حصل هو لوحة مصنوعة من الخرز تحمل رسماً لي، أهداني إيّاها أطفال من المخيّم، لكنّها حقيقة تشبه أبي». برأي اللينو، الشائعات «تهدف إلى التوتير، وتستهدف الاستقرار في لبنان كما في سوريا». وما لا يبوح به اللينو، يقوله مسؤول فتحاوي آخر. ليس الأخير معجباً بالنظام السوري، ولا ينوي أبداً تبرئة تنظيم الصاعقة التابع له، من أي تهمة يلصقها به بعض اللبنانيين. لكنه يرى أن ما قيل عن دخول مئة فرد من الصاعقة إلى لبنان من سوريا ليس سوى شائعة.

داخل المخيمات، يُلخّص الأمر بعثي عتيق. يقول إن جعجع، بتصريحاته عن الصاعقة، «أحيا العظام وهي رميم»، فالصاعقة «انتهى نشاطها العسكري عام 1984، وتحديداً، منذ انتفاضة 6 شباط وسقوط اتفاق 17 أيار».

خارج المخيمات، الرأي لا يختلف أبداً. فالأجهزة الأمنية اللبنانية مجمعة على أن كل ما قيل عن دخول عشرات المقاتلين من الصاعقة إلى لبنان ليس سوى «شائعات». فأحد المسؤولين الأمنيين البارزين يقول ساخراً: «إن تنظيم الصاعقة في لبنان وسوريا معاً لم يعد يضمّ خمسين مقاتلاً في صفوفه».

المصدر: فراس الشوفي – الأخبار