"العراقيب"..
لا تمل إعادة البناء حتى يمل الاحتلال الهدم
الخميس، 30 نيسان، 2015
من بين كثبان الرمال
الذهبية تبرز قرية العراقيب البدوية الفلسطينية في أقصى جنوب فلسطين المحتلة، تلك القرية
التي يصر سكانها على بنائها بعد كل عملية هدم بلغ عددها 83 مرة خلال أقل من خمس سنوات،
حتى تحولت لنموذج يدلل على مدى تمسك الفلسطيني بأرضه رغم كل الإجراءات الاحتلاية الممتدة
منذ أكثر من ستة عقود ونيف.
"العراقيب"
واحدة من بين خمس وأربعين قرية فلسطينية في منطقة النقب جنوب الأراضي المحتلة عام
1948، ترفض سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" الاعتراف بها، رغم أنها تضم أكثر
من 120 ألف فلسطيني، ورغم ذلك بقي أهالي القرية متمسكين بحقهم في البقاء فيها، ويرفضون
الانتقال إلى أي مكان آخر.
قضية سياسية
يقول الحاج الفلسطيني
صياح الطوري الذي يطلق عليه "شيخ العراقيب" أو "شيخ الصمود" لوكالة
"قدس برس": "القرية موجودة قبل قيام دولة الاحتلال منذ مئات السنين،
وكان بعض بيوتها من الحجر والصفيح والبعض الآخر من الخيام، ويعمل غالبية السكان في
تربية الماشية والرعي، كما كانت تحيط بالقرية أكثر من 4500 شجرة زيتون مثمرة اقتلعها
الاحتلال".
ويشير الشيخ الطوري
بلكنة بدوية، إلى أنه في بداية خمسينيات القرن الماضي وخلال الحكم العسكري، قامت سلطات
الاحتلال بترحيل جزء كبير من أهل العراقيب ووعدتهم بإعادتهم بعد 6 أشهر، كما فعلت في
الجليل، حيث وعدت أهالي قريتي "أقرت" و"برعم" بإعادتهم بعد انتهاء
"الأعمال العسكرية".
ويكمل: "لكن
بعد الحكم العسكري، استمر الخداع الإسرائيلي، وقامت سلطات الاحتلال بمصادرة أراضي القرية
لأغراض عسكرية وبناء المطارات في النقب، في حين قرر أهالي العراقيب في بداية التسعينيات
العودة إلى قريتهم وأراضيهم".
ويذكر الطوري أن
العراقيب واحدة من بين 45 قرية غير معترف بها في منطقة النقب، وهي مهددة بالهدم وبتشريد
سكانها، لأن دولة الاحتلال تعتبرها مقامة على أراضي الدولة، رغم أن معظم هذه القرى
قائم قبل قيام الدولة العبرية".
ويؤكد الشيخ الطوري
على أن العراقيب تحولت بالنسبة للاحتلال إلى قضية سياسية وليست مسألة أرض فقط، ولذلك
فهو لم يترك وسيلة إلا واستخدمها لاقتلاع سكانها، لأنه يدرك أنه إذا خسر معركة العراقيب،
فإن الأمر سينسحب على بقية القرى العربية المهددة بالهدم.
وتابع قائلا:
"إسرائيل ليست دولتنا بل هي سلطة احتلال، لأنها لا تحترم المواطن العربي، لم نسمع
عن أي دولة في العالم هدمت قرية بأكملها، ربما تهدم منزلا هنا أو هناك، لكن أن يتم
هدم قرية كاملة يعيش فيها مئات المواطنين عشرات المرات، فهذا لم نسمع عنه حتى في التاريخ"،
وتساءل: "هل توجد دولة في العالم تقوم بما قامت به دولة الاحتلال ضد سكان تعتبرهم
مواطنيها".
رقم قياسي
ويؤكد الطوري على
أن الاحتلال هدم قريتهم 83 مرة خلال الفترة ما بين (27-7-2010) حتى (23-3-2015)، وهذا
رقم قياسي في الهدم.
وشدد على أن الهدم
ليس قانونيا، بل هو سياسي حتى "يضيقوا الخناق على سكان القرية ويملوا من هذه الممارسات
الإجرامية، لنترك الأرض بحجة أنها أراضي دولة وليس لنا أي حق فيها"، على حد تعبيره.
ويكمل شيخ العراقيب:
"نحن نملك هذه الأرض ونسكن فيها ونزرعها منذ ما قبل الحكم العثماني والبريطاني
وقبل قيام العصابات الصهيونية، ومعنا مستندات تثبت ذلك، حتى سكان المستوطنات التي أنشأت
بعد قيام دولة الاحتلال يعترفون أننا موجودون على هذه الأرض قبلهم".
أما عن دور القضاء
"الإسرائيلي"، فيشير الطوري إلى أن أهالي القرية توجهوا للمحاكم "الإسرائيلية"
من أجل البت في هذه القضية، حيث كانت آخر جلسة يوم الرابع والعشرين من آذار (مارس)
الماضي، ورغم أن المحكمة لم يصدر عنها قرار نهائي، إلا أن الاحتلال يقوم في كل مرة
بهدم القرية رغم عدم وجود قرار قضائي.
مضيفا: "هذا
يجعلنا لا نثق بهذا القضاء الذي يطلب منا أن نترك الأرض على حالها، وأن لا نبني مساكن
عليها، ماذا يمكننا أن نفعل إذا كان القاضي هو الجلاد؟".
أطماع صهيونية
واعتبر الشيخ الطوري
قبول المساومة على أرض القرية، بمثابة المساومة على كل القضية الفلسطينية، لأن سلطات
الاحتلال "ستقول للعالم وللأمم المتحدة أن الأهالي أنفسهم قبلوا التنازل عن الأرض،
وعندها سيطلبون منا ليس الرحيل عن العراقيب فقط بل عن فلسطين كلها"، حسب قوله.
وأكد أن أطماع
دولة الاحتلال بالعراقيب يعود بسبب كبر مساحة أراضيها التي تبلغ حوالي 150 ألف دونم،
وتملكها عائلات النوري والعقبى والطوري وأبو الحسن والطلالقة والعلامات.
ويروي الطوري،
تفاصيل عمليات الهدم المستمرة للعراقيب، فيقول: "عادة ما تفاجئنا قوات الاحتلال
بعد محاصرة القرية وعزلها عن القرى الأخرى، وتداهم القرية مرة كل شهر أو كل أسبوعين،
وتقوم بإجبار السكان وغالبيتهم نساء وأطفال على الخروج من المنازل تحت تهديد السلاح،
ثم تبدأ الجرافات بعمليات الهدم وتزيل كافة معالم القرية، دون أي مراعاة لطقس القرية
الصحراوي الحار نهارا والبارد ليلا".
وأضاف: "غالبا
ما يشارك في عملية اقتحام وهدم القرية أكثر من 1700 جندي من وحدات الكوماندوز والجيش
الذين يشرعون بإطلاق النار الكثيف في الهواء لإخافتنا، وفي إحدى المرات استخدموا طائرات
أباتشي خلال مهاجمة القرية".
وتابع: "نحن
لا نخاف منهم، وفي كل مرة نتصدى لهم، وهم يطلقون علينا الرصاص والقنابل التي تحوي غازات
سامة، كما تعرضنا للاعتقال عشرات المرات، وأنا شخصيا عندي 48 ملفا في المحاكم، وفي
يوم واحد قدموا ضدي 18 ملفا".
وأشار الطوري إلى
أسلوب جديد غير الهدم، ويتمثل بقيام النيابة "الإسرائيلية" بإرسال بلاغات
لسكان القرية، تشير لفرض غرامات مالية باهظة تصل إلى 500 شيكل (125 دولارا) عن كل يوم
يتواجدون فيه في أراضي العراقيب.
العيش في مقبرة
وأضاف: "توجد
في القرية اليوم 22 عائلة تضم أكثر من 250 نفرا، وهؤلاء يقيمون في مقبرة القرية التي
أقيمت عام 1914، حيث يعيش الرجال في الخيام وبين القبور، بينما تقيم النساء والأطفال
في مسجد القرية الموجود داخل المقبرة التي تحولت إلى خط الدفاع الأول والأخير عن القرية"،
وفق قوله.
وأكد على أن أهل
القرية يقومون ببنائها في كل مرة يقوم الاحتلال بهدمها، مشددا: "لو هدم الاحتلال
قريتنا ألف مرة سنبنيها للمرة الـ1001، ولن نخضع للاحتلال، وعندما سألوني ماذا بعد
ذلك؟ قلت لهم سترون ماذا سنصنع".
وقال: "لن
نغادر قريتنا تحت أي ظرف من الظروف، فهم لن يهدموا إرادتنا ولن يضعفوا صمودنا، بل ذلك
سيعطينا مزيدا من القوة والتشبث بأرضنا، وهذا أكثر ما يخيف دولة الاحتلال.
وطالب الطوري أهالي
الداخل الفلسطيني بضرورة مساندة ودعم أهالي قرية العراقيب، قائلا: "أناشدهم أن
يتواجدوا مع أطفالهم في أراضيهم التي جار عليها اليهود، وأن يعتنوا بها، وأن يغرسوا
في أبنائهم عشق الأرض وحب الدفاع عنها والتضحية من أجلها، وأن يكونوا سندًا لأهالي
العراقيب".
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام