القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الغبار «يهطل» على عين الحلوة

الغبار «يهطل» على عين الحلوة

الإثنين، 19 أيلول، 2011

مجابل الباطون تخنق سكان عين الحلوة. فبعد مجبلَي الباطون اللذين أنشئا حديثاً على تخوم الطرف الجنوبي منه، يجري العمل حالياً على استحداث 10 مجابل أخرى، ما ينذر بانعكاسات صحية خطرة على سكان المخيم الذين يلوّحون بتحركات شعبية..

سوزان هاشم

«تَلجِت» في الطرف الجنوبي من مخيم عين الحلوة. مفارقة غريبة، فالطقس «صيفي بامتياز»، ويستحيل بسبب الموقع الجغرافي للمخيم القريب من سطح البحر، أن يلامسه الثلج في أقسى أيام الشتاء، فكيف الحال في «عزّ دين الصيف». إذاً، القصة «مش قصة طقس»، فتساقط «الثلج» في تلك البقعة من المخيم لا يأتي نتيجة عوامل طبيعية، بل هو ناجم عن فعل أيادٍ بشرية، وهو «ليس مصدر خيرات»، كثلج الطبيعة الذي ينتظره الناس لزيادة رزقهم، بل هو كارثة صحية وبيئية على أهل المخيم. فهذا «الثلج» عبارة عن غبار متصاعد من المجابل المتاخمة للمنطقة الجنوبية منه. هكذا، يفترش البساط الأبيض السيارات والشرفات والطرقات مترافقاً مع سيمفونية الأصوات المزعجة الصادرة عن آليات مجابل الباطون التابعة لشركة «معطي»، التي بدأ أهالي المخيم يشعرون بأضرارها منذ بدء عملها الفعلي خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع ذلك، فالقصة لم تبدأ بعد رغم كل هذه التداعيات الصحية الخطيرة، والكارثة الأكبر ستكون خلال الشهر المقبل مع بدء عمل الـ10 المجابل الأخرى التابعة لشركة «جينيكو»، التي منذ مباشرتها وضع إنشاءات المجابل «قامت الدنيا ولم تقعد في المخيم»، بحيث يلوّح الأهالي بتحركات واسعة، بعدما سبق لهم أن قطعوا الطرقات في المخيم بالإطارات المشتعلة في أوائل رمضان الماضي، للعودة عن هذه المشاريع وإقفالها. «لا نهدف إلى قطع رزق أحد، لكن بالمقابل لا أحد يمكنه القبول والسكوت عما يصدر عنها من أضرار صحية هائلة»، يقول حسن عمار، أحد سكان حي حطّين المتاخم للمشاريع الصناعية. فالأضرار الصحية بدأت تظهر جلياً في تلك المنطقة، وأهل المخيم يختنقون من الغبار المتناثر فيها. فمنذ أكثر من شهرين و«بخاخة الربو» لم تعد تفارق يد عمر ياسين وهذا ينطوي، كما يقول، على معظم الجيران، الذين بدأوا يعانون الحساسية والربو.

ويشكو المصابون بأمراض الضغط بتردّي حالتهم من جرّاء الغبار الذي «يطبق على الصدر فيرتفع الضغط». تشرح الحاجة بدرية عزام مستفيضة «وكأنه لا يكفينا الحصار الذي نعيشه داخل حدود المخيم حتى بتنا أسرى منازلنا، فلا نقوى على فتح النوافذ والأبواب خوفاً من أن يجتاحها الغبار، ولا ننفك عن القيام بأعمال التنظيف. كذلك نضطر إلى جمع الثياب المغسولة بحالتها الرطبة عن المنشر تجنباً من أن يتغلغل فيها الغبار».

المحال التجارية، كما المنازل، ليست بمنأى عن الغبار، وخصوصاً أن طبيعة المحال ترغم أصحابها على فتح أبوابها العريضة لعرض البضاعة، ومنهم ماهر عواضة، صاحب أحد محال السمانة. يقول متجهماً: «البضاعة تظل متسخة من الغبار، فلا نكاد نمسحها عنها حتى تعود بلمح البصر، ما يرحّل الزبائن إلى محال أخرى بعيدة عن هذا الحي في المخيم، والسيارات المركونة في المكان تظل مصبوغة بالبياض. أما الشاحنات المعدّة لخدمة المجابل فقد ألحقت كذلك الضرر بالطريق المؤدي إلى الطرف الجنوبي للمخيم، بحيث أضحى حقلاً ترابياً يستحيل مرور السيارات عليه».

أما عن ضجيج الآليات «فحدث ولا حرج»، على حد تعبير حسام حسن، أحد جيران المجابل، «ما منّام الليل، وخصوصاً أثناء تفريغ الترابة»، مردفاً بأن وتيرة الضجة لا تكاد تهدأ ليل نهار.

هذا هو المشهد الذي يعيشه سكان حي حطين أو جنوب المخيم، والذي ينتظر أن يعمم على معظم أرجاء المخيم، إذا ما بدأت الشركة الأخرى بمشروعها الذي يضم عشر مجابل إضافية. لكن على ما يبدو، لا تتحمل الشركتان (معطي وجينيكو) المسؤولية، بقدر ما «تتحملها الدولة اللبنانية المانحة لهذه الرخص لهما، بعدما صنفت تلك المنطقة المحاذية للمخيم الآهل بالسكان منطقة صناعية مخصصة لعمل مجابل الإسمنت»، يقول معين عباس، عضو لجنة المتابعة الفلسطينية، مشيراً إلى «نتائج المجابل الجديدة ستكون كارثية على أهل المخيم وجواره أي بلدة درب السيم؛ إذ إنه حالياً، وبوجود اثنين فقط، يعاني معظم سكان جنوب المخيم من أمراض الربو والحساسية، فكيف ستكون الحال لدى مباشرة المشروع الجديد والأضخم؟». ويسأل: «هل بات شعبنا مجرد حقل تجارب؟».

ويلفت عضو اللجان الشعبية في عين الحلوة فؤاد عثمان، إلى أنه سبق أن ألفنا لجنة من اللجان الشعبية لبحث الأزمة مع النائبة بهية الحريري، وخصوصاً أن أصحاب شركة جينيكو هم من آل الحريري، لكن من دون جدوى بل «جوبهت مطالبنا بالتسييس واتهمنا بأننا مع فريق 8 آذار، رغم أنّ الشأن السياسي اللبناني لا يعنينا، لا من قريب ولا بعيد، ونحن أبعد ما يكون عن هذه الاصطفافات الدائرة»، متهماً البعض بمحاولة إفشال المطلب ومنهم أطراف فلسطينية، جرى إرضاؤها بأشكال مختلفة من أصحاب المشاريع للسكوت عما يجري. ويحمّل عثمان اللجان الشعبية جزءاً كبيراً من مسؤولية «الكارثة البيئية»، لعدم قيامها بخطوات جدية.

ويرى أن وزارة الصناعة اللبنانية والشركتين (معطي وجينيكو) وضعت أهل المخيم أمام خيارين: إما التهجير من المخيم، وهو صعب بعض الشيء لعدم وجود بديل، أو تلقف الأضرار الجسيمة الناجمة عنها مع كل ما تحمله من أمراض.

------------------------------------------------------

«رغماً عنا أتينا إلى هنا»، يشرح مهندس مشروع مجابل «جينيكو» بشير الديماسي، لافتاً إلى «أن المكان المتاخم للطرف الجنوبي للمخيم هو الوحيد المصنف كمنطقة صناعية يصلح فيها عمل مجابل الإسمنت في صيدا، والذي على أساسه جرى الترخيص لنا بذلك». وشكا «الكلفة الإضافية التي تتكبدها الشركة بسبب الموقع البعيد عن المدينة، إضافة إلى العراقيل اليومية أمام آلياتنا جرّاء مرورها عبر الحاجز». من جهته، يشير صاحب شركة «معطي» إلى أن تصنيف المنطقة «صناعية» يعود إلى أكثر من 20 سنة، بحيث لم تكن الأحياء المتاخمة موجودة آنذاك.

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية