معرض تشكيلي يحكي تغيرات رمز الانتفاضة
"الفلسطيني الملثم" وتحولات ما بعد أوسلو
ميرفت صادق-رام الله
في معرض حمل عنوان "ما كان يعرف" يعيد
الفنان التشكيلي الفلسطيني منذر جوابرة استحضار رمز المقاومة "الفلسطيني الملثم"
إلى ذهن جيل كامل ممن عايشوا تجربة الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية الثمانينيات
وبداية التسعينيات قبل توقيع اتفاقيات السلام مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي معرض "غاليري المحطة" بمدينة رام
الله عُلقت عشر لوحات تمثل تحولات هذا الرمز بعد اتفاق أوسلو (عام 1993) وظهر الملثم
بحالات غير تلك التي عهدها الفلسطينيون حيث كان يقود المظاهرات ويلقي الحجارة على الدوريات
الإسرائيلية ويكتب شعارات الانتفاضة على الجدران.
ويقول صاحب المعرض منذر جوابرة إن الملثم كان
جزءا من تفاصيل الحياة اليومية لجيل الانتفاضة الشعبية الأولى، ولكن الجيل الجديد ليست
لديه فكرة كافية عن هذه الشخصية بل يرى فيها في بعض الأحيان شخصية غريبة أو حلما يرجو
حدوثه.
أين ذهب الملثم؟
وفي اللوحات يظهر الملثم الفلسطيني غاطا في نوم
عميق، أو منشغلا بلعب الورق أو مرتديا لباسا رسميا أو حاملا زهرة، وفي زاوية أخرى منشغلا
في جلسة عائلية، أو في قراءة كتاب أو صاعدا على درج غير معروف الوجهة.
ويريد صاحب المعرض من هذه الحالات المختلفة
"التي لا تمثل دور الملثم الفلسطيني" الإجابة عن سؤال أين ذهب الملثم وماذا
حدث له؟ .. وأسئلة كثيرة عن دوره وعن إمكانية استرجاعه، يقول جوابرة إنه لم يجد إجابات
لها.
واختار جوابرة التذكير بشخصية الملثم في الانتفاضة
الشعبية الأولى الذي كان يحظى بإجماع فلسطيني وأصبح نموذجا للنضال والمقاومة لكل فلسطين،
لكنه لم يتطرق إلى الشخصية ذاتها في انتفاضة عام 2000 (الانتفاضة الثانية).
وحسب جوابرة، فإن شخصية الانتفاضة الثانية لم
تترك أثرا في الفلسطينيين بسبب ارتباطها بتيارات ووجهات نظر سياسية فلسطينية مختلفة.
وفيما كانت الكوفية الفلسطينية لثام الفلسطيني الوحيد في الانتفاضة الأولى، تعددت ألوانها
وأشكالها في الثانية.
ذكريات الطفولة
واستلهم جوابرة فكرة المعرض من ذكريات طفولته
العالقة في ذهنه، فهو ذاته يستحضر المرة الأولى التي ذهب مع زملائه في الصف الخامس
الابتدائي لارتداء اللثام وتقليد شباب الانتفاضة.
ويقول "كل شخص عايش تلك الفترة كان مشبعا
بهذه الشخصية إما بمعايشته أو بقيامه بهذا الدور فعلا.. رأيت في الملثم أسطورة ورمزا
مقدسا، وكان بعفويته يشكل محل اجتماع واحترام لدى الفلسطينيين عموما دون أن يكون حكرا
على جهة دون الأخرى".
وبدأ جوابرة مشروعه هذا بتجارب فنية كانت أولاها
عام 2009 عندما قام بارتداء اللثام والخروج للشارع وسط مدينة رام الله ليوزع الحجارة
على المارة، لكنه فوجئ بردة فعل الناس "المستغربة" ومن ثم اعتقاله من قبل
الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ثم انتقل بهذا العمل إلى أوروبا من خلال مقارنة
لمفهوم الحجر بين فلسطين وألمانيا، حين ارتدى مع فنانة ألمانية لثاما وراح يوزع حجارة
فلسطينية وأخرى من مخلفات الحرب العالمية الثانية على المارة مع مبادرة للحديث عن نضال
الفلسطينيين.
التجربة الألمانية
وفي التجربة الألمانية، اعتقد البعض أن الشخص
الملثم مناضل ألماني مع استغراب من شكل لثامه، فيما اعتقده آخرون أنه "إرهابي
من باكستان".
وخلال عرض لوحاته برام الله، وضع جوابرة الملثم
في سياقات مختلفة أظهرت تحولات صادمة بعض الشيء، فهو في لوحة الملثم الذي يرتدي لباسا
رسميا يمثل "شخصية سياسية وربما مسؤولا في السلطة أو في منظمات المجتمع المدني".
وفي لوحة النائم يذهب بالملثم إلى الغائب بلا
فعل، وكذلك المنشغل في غير دوره كلاعب الورق أو المثقف المنهمك في قراءة الكتب، أو
في الصورة التي يريد الآخرون رؤيته بها من خلال لوحة "الملثم يحمل زهرة".
غير أن جوابرة وفي كل الصور، أراد أن يرى الملثم
على أهبة الاستعداد للعودة إلى دوره من خلال الاحتفاظ بلثامه.
وبخلاف ذلك فإن اللوحات تحمل أيضا إشارة إلى ممارسة
للحياة اليومية في تركيز على الجانب الإنساني من حياة الملثم "الذي يصفه البعض
بالإرهابي"، من خلال لوحته مع عائلته وحتى في حمله للزهور.