الفيلم الوثائقي «كلنا للوطن»: عن تلك الأرض التي تجمعنا ولا ترانا متساوين
الإثنين، 11 نيسان 2011
يوسف حاج علي/ السفير
لا تتعب كارول منصور. ما إن تفرغ المخرجة النشيطة من فيلم يحمل قضية، إلا ويكون فكرها منكباً على الفيلم الذي يليه. تحمل آلة تصويرها، وتنطلق لتعالج المواضيع التي يناضل المجتمع المدني من أجلها في لبنان والعالم العربي. مواضيع تبدأ من حقوق اللاجئين في لبنان، ومشكلات العاملات الأجنبيات، إلى النشاطات الترفيهية الصيفية في المخيمات الفلسطينية، ولا تنتهي عند التحديات التي تواجه المرأة العاملة، وصولاً إلى حق المواطنة اللبنانية بمنح جنسيتها لعائلتها. تلبس منصور القضايا، لتبحث فيها كصحافية متمرّسة في الميدان، مع ما تصبغه بها من بعد إنساني.
في «كلنا للوطن»، وهو الوثائقي الثامن لها، حملت منصور رايتين: راية العلم اللبناني، وراية حق المواطنة اللبنانية في منح جنسيتها لزوجها ولأولادها، ولوّحت بهما معاً. اختارت خمس قصص مختلفة، وغاصت في التفاصيل اليومية لأصحابها.
ينطلق الوثائقي الذي استغرق العمل على إنجازه نحو خمسة أشهر من الأبحاث والمقابلات بين لبنان وكندا، بمشهد لخياط يحوك العلم اللبناني، ومادة الدستور التي تنص على أن اللبنانيين متساوون أمام القانون، مرفقاً بأم تروي لابنتها قصة. ومن هنا، تنطلق منصور إلى قصص أخرى، تختلف التفاصيل في ما بينها، بحسب الواقع المادي والطبقي والاجتماعي والمناطقي لكل منها، لكن تجمعها المعاناة نفسها.
تتميّز زينب عن بقية الأولاد بأن أمها لبنانية ووالدها مصري. تعرّفت والدتها على زوجها العامل في بلدة دورس حيث توفي ودفن. مرض والد زينب ومات قبل أن ينهي أوراق أبنائه الرسمية. عندما أيقنت والدتها بأنها عندما تنهي تسجيل أوراقهم سيأخذهم عمّهم بعيداً عنها، مزّقت المتوافر من الأوراق، فحمل أولادها عندئذ ورقة «مكتوم القيد» التي لا تسمح لحاملها بالسفر أو الاستفادة من أي حق، كأي مواطن لبناني آخر. كذلك، عندما لم تسمح الإمكانات المادية للوالدة الأرملة بتأمين التعليم لأبنائها، اتخذت القرار الصعب. قرّرت أن ترسل زينب وأختها إلى ميتم «حيث يتوفر لهما الطعام والشراب والنوم والعلم».
في الميتم، قضت زينب إحدى عشرة سنة لم تكن ترى عائلتها خلالها سوى مرة واحدة في الشهر، وخلال عطلات الأعياد. كان على الأم أن تقسو على قلبها. فالعلم كان أولويتها. اختارت مصلحتهما على حساب عواطفها.
كبرت زينب مع شعور بالاختلاف حملته معها. في الخامسة عشرة من عمرها، وعدت في الميتم برحلة إلى كندا لأن علاماتها المدرسية مرتفعة. لكن السفر كان يجب أن يكون لفتاة لبنانية، لا لفتاة متفوقة، فاختاروا غيرها. و»رحلة السفر الضائعة» هي تفصيل واحد من تفاصيل أخرى كثيرة تعيشها زينب وإخوتها يومياً.
أمام المعاناة التي تعيشها العائلة، توصلت أم علي، والدة زينب، إلى قناعة. إذا أتى نصيب «غريب» لابنتيها، فلن تزوجهما. ما عايشته كان كافياً بالنسبة إليها. لا تريد أن تحمّل هذه المعاناة لأي من أبنائها من بعدها.
قصة زينب هي واحدة من خمس قصص حاول الوثائقي الذي تبلغ مدته خمسين دقيقة، أن يضيء عليها. تحدّثت شخصيات الفيلم عن طرق أبواب السياسيين من دون فائدة، وعن استغلاليين يستفيدون من حاجة الناس.. وعن تعب تجديد الإقامات وإجازات العمل وكمّ الإجراءات الإدارية التي لا تنتهي وعلاقات زوجية تتوتّر بسبب الإجراءات المذكورة.. وعن أولاد ضائعين بالانتماء بين أكثر من وطن ومباريات رياضية لا يفوز أصحابها بالكأس لأنهم لا يحملون الهوية.. وعن أطفال ولدوا ويعيشون ويربون ويفتخرون بوطنهم من دون أن يفهموا سبب رفضه أن تظللهم أرزته. كما أضاء على غياب الضمان الاجتماعي والصحي عن الأزواج والأبناء «الأجانب»، عارضاً في تفاصيله لشعور الإهانة والدونية والتخلّي والغربة الذي يقاسيه هؤلاء.
وتقدم منصور، بصوت الراوي، خلال الفيلم، وبين قصة وأخرى، شرحاً عن وضع قانون الجنسية في العام 1925، والحالات الاستثنائية التي يحق فيها للطفل اللبناني أن ينال الجنسية، والدول العربية التي عدّلت قوانين الجنسية فيها من أجل أن تسمح لمواطناتها بمنح جنسيتهن لأبنائهن، ومثيلتها التي ما زالت تمتنع عن منح الحق، وغيرها من المواد القانونية التي تسمح للمشاهد بتكوين صورة واسعة عن الموضوع.
ينتهي كل مشهد من القصص الخمس بصاحبة أو أصحاب القضيّة يلّوحون بالعلم اللبناني، على وقع النشيد الوطني. كل الصورة بالأسود والأبيض، ما عدا العلم اللبناني ملوناً. فالصورة لم تكتمل بعد. ما زالت تنقصها ألوانها الأخرى. تكتمل الصورة عندما يغطي الأحمر والأبيض والأخضر بقية أجزائها.
يعرض «مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية» في الجامعة الأميركية الفيلم الذي موّلته السفارتان الهولندية والألمانية لمصلحة حملة «جنسيتي حـــق لي ولأسرتي» وتم إطلاقه في «يوم المرأة العالمي» عند السابعة من مساء اليوم، في قاعة بطحيش، في الجامعة.