اللاجئون الفلسطينيون السوريون
في مصر، فصل جديد في رواية العودة
علاء برغوث - القاهرة
لم يكن اللاجئون الفلسطينيون
يتوقعون أن تضاف إلى رواية عودتهم فصول جديدة من الألم والمعانات. كانوا يظنون أنهم
يعيشون الفصل الأخير من رواية آن الأوان لأن تكتب خاتمتها، لكن على ما يبدو جاءت الرياح
معاكسة لسفن اللاجئين الفلسطينيين في سورية؛ فبسبب الأحداث في سورية، التي انعكست مباشرة
على اللاجئين الفلسطينيين هناك، بدأ فصل جديد يضاف إلى روايتهم، فصل من اللجوء والنزوح
والمعناة، كتبت فقراته في العديد من بلدان العالم، من النرويج إلى السويد إلى تركيا
والعراق والأردن، حتى مصر.بدمع من العين، وخفقة من القلب، وحزن على الأهل، وقلق من
المستقبل، بدأت أم محمد حديثها عن رحلتها إلى مصر، حيث لم يكن يخطر ببالها أن قدمها
ستطأ أرض مصر حتى للسياحة، لكن هذا هو زمن الثورات؛ فبعد سنوات من إغلاق مصر لأبوابها
أمام الفلسطينيين السوريين، جاءت الثورة في مصر لتفتح أبواب مصر أمام اللاجئين الفلسطينيين
من الذين فروا من سورية هرباً من القتل والدمار والألم و الاعتقال.
تحدثنا أم محمد وهي فلسطينية
من مخيم اليرموك، بوجه رُسمت عليه ملامح الحزن، وصوت خنقته آهات الحسرة، وهي أم لثلاثة
أبناء، دفعها خوفها على أبنائها إلى السفر إلى مصر:
"لم
نكن نفكر بترك سورية إلا في حالة واحدة فقط، هي أن نعود إلى بيتنا في صفد. لكن بعد
ما عانيناه في سورية، وما شاهدناه من قتل واعتقالات وخطف وتفجيرات ومعاناة إنسانية
وصعوبة توفر أدنى متطلبات الحياة، قررنا اللجوء إلى بلد آمن. بدايةً فكرنا في لبنان؛
لأنّ السفر إليه أسهل علينا من أي بلد آخر، وخصوصاً في ما يتعلق بموضوع التأشيرات،
لكن غلاء المعيشة وما سمعناه من أقاربنا وأصدقائنا الذين سافروا إلى هناك جعلنا نعيد
التفكير، ونعيد البحث عن خيارات بديلة. لكن كما يعرف الجميع، إن خيارات اللاجئ الفلسطيني
السوري ضيقة جداً من حيث البلدان التي تسمح لنا بدخولها، فضلاً عن التكلفة المادية
التي تأتي لتضيف عبئاً آخر على كاهلنا، فلم نجد إلا مصر؛ فقد كانت مصر من أولى الدول
التي سهّلت على اللاجئين الفلسطينيين السوريين الدخول إليها؛ إذ كان شرطها الوحيد أن
يكون عمر رب الأسرة أكثر من أربعين عاماً، والنساء لا يحتجن إلى تأشيرة دخول، والأبناء
الذكور الذين فوق الـ 18 عاماً يحصلون على تاشيرة دخول شرط مرافقة العائلة، وهذا ما
ما فعلناه".
تصف لنا أم محمد الصعوبات التي
واجهتها هي وعائلتها قبل السفر من سورية:
"لم
يكن خيار السفر صعباً بقدر التجهيز له؛ فتردي الوضع الأمني، وارتفاع الأسعار، وصعوبات
التنقل في سورية، جعلت من الأمر شاقاً جداً، وخاصة لأبنائي في الجامعات، فكان على أبنائي
أن يصدقوا أوراقهم وشهاداتهم، من أكثر من مكان: من مؤسسة اللاجئين، وجامعة دمشق، ومدارسهم،
ووزارة الخارجية السورية، والسفارة المصرية في سورية. وبسبب الأوضاع الأمنية، كان كل
مشوار يأخذ يوماً كاملاً. وبعد أن بدأنا بحزم حقائبنا للسفر، بدأ الحزن يتسلل إلينا؛
فقد كنا نحزم حقائبنا والحسرة في قلوبنا. كان موعد طائرتنا يوم الجمعة، وكانت دمشق
حزينة، أصوات القصف والرصاص رافقتنا طوال الطريق إلى المطار، حواجز أمنية كثيفة كانت
على الطريق، بعضها طلب منا أن نفتح جميع الحقائب حتى يفتشها بالطريق واحدة واحدة!،
وأخيراً وصلنا إلى المطار بعد أن تعبت أعصابنا من التوتر والقلق والحزن".
وعن رحلتها إلى مصر التي وصفتها
برحلة لجوء جديدة، قالت أم محمد:
"على
ما يبدو إن اللاجئين الفلسطينيين بمختلف أجيالهم كتب عليهم أن يعيشوا تجربة اللجوء؛
فمسيرة اللجوء لم تنتهِ؛ فقد بدأت من 1948 واستمرت حتى الآن؛ ففي كل خطوة أتذكر فيها
أجدادنا الذين عانوا مرارة اللجوء، وعلى ما يبدو جاء دورنا الآن لنعاني تلك المرارة.
وصلنا إلى مصر، والحمد لله كان هناك من استقبلنا من الأصدقاء الذين سبقونا، وقد رافقونا
في رحلة البحث عن المنزل للإيجار.
لم يكن الحصول على المنزل بالأمر
السهل، وخصوصاً مع ميزانية قليلة مثل حالنا. استغرق البحث عن المنزل قرابة أسبوع، لم
أكن أعلم أن الإيجارات مرتفعة إلى هذا الحد. بعد رحلة طويلة من البحث والعذاب وجدنا
منزل بغرفتين وصالون كلفني 2500 جنيه مصري، أي 350$تقريباً. الحمد لله على كل حال.
والمعيشة ليست رخيصة؛ فلم نكن نعلم أن المعيشة بمصر مكلفة إلى هذه الدرجة؛ فقد كنا
نظنها أرخص بذلك بكثير؛ فمع كل الضغط للمصاريف، والمعيشة بحدها الأدنى أعتقد أن ما
نملكه من المال لن يكفينا أكثر من شهرين.
سؤال يخطر ببالي في كل لحظة:
ماذا سنفعل بعد شهرين؟ أشعر بضيق وخوف؛ فحتى الآن لم يستطع أيٌّ من أفراد العائلة أن
يحصل على عمل؛ فهنا فرص العمل قليلة؛ فمنذ أول أيامنا في مصر وأبنائي يبحثون عن عمل،
ورغم أنهم يمتلكون المؤهلات والشهادات، لم يستطيعوا الحصول على عمل حتى الآن. حسبي
الله ونعم الوكيل. لم يكن هذا ما خططنا له، بعد خوف ومعاناة في الشام، ننتقل إلى خوف
ومعاناة من نوع آخر. فمن خوف على الحياة، إلى خوف على لقمة العيش. لكن أملي بالله كبير
أن تحل الأمور في سورية ونعود إلى مخيمنا. نسأل الله الفرج القريب".
قررت أن أذهب إلى مصر وأن آخذ عائلتي
معي؛ فهي الخيار الأضمن بالنسبة إليّ
يحدثنا أبو محمود، وهو لاجئ
من مخيم فلسطين، عن محاولاته اليائسة للسفر إلى أي بلد أوروبي: "لقد طرقت أبواب
السفر إلى جميع البلدان الأوروبية: من النروج إلى السويد إلى ألمانيا، جميع محاولاتي
باءت بالفشل؛ فقد كنا في المخيم نسمع بأنّ هذا البلد يستقبل اللاجئين الفلسطينيين من
سورية، فنركض لنسجل، إلا أنها كل مرة تكون شائعة، لكن كما يقولون الغريق يتعلق بقشة،
حتى إن كثيراً من أبنائنا قد وقع ضحية للنصب والتزوير؛ فابن أخي دفع ما يزيد على
6000$ ثمن فيزا للسويد، لكن سرعان ما اكتشف أنه وقع ضحية لعملية نصب، وأعتقد أنه ليس
أول ضحية، ولا آخر ضحية؛ فجميع أبنائنا يعانون، واليأس أصبح سيد الموقف في مخيماتنا.
بعد تنهيدة طويلة، قال أبو محمود:
أنا لم أرَ الموت، لكني شاهدت الذين ماتوا، لذلك قررت أن أذهب إلى مصر وأن آخذ عائلتي
معي؛ فهي أكثر خيار مضمون بالنسبة إليّ، ولا أقدر أن أجازف بالمبلغ الذي معي؛ فهو كل
ما أملك، ولن أستطيع تعويضه في هذه الظروف أبداً. بعد وصولنا إلى مصر، عانينا الكثير
حتى استأجرنا منزلاً. كانت الخيارات التي طرحت علينا في القاهرة، التجمع الخامس، مدينة
الرحاب، مدينة نصر، مدينة 6 أكتوبر، ومع البحث الشاق والمضني، وساعات على الطرقات من
مكان إلى آخر، وجدنا أن الخيار الأفضل لنا كان مدينة 6 أكتوبر؛ فباقي الأماكن كانت
غالية علينا نوعاً ما؛ فعلى الرغم من بعدها عن العاصمة لم نجد سوى هذا المكان. كان
متوسط إيجار المنزل 2000 جنيه شهرياً، أي ما يعادل 330 $ تقريباً، ومع الوقت تأقلمنا
مع الوضع الجديد، لكن أتمنى ألا تستمر الأزمة كثيراً؛ فالمال الذي معي لا يكفيني لأكثر
من أشهر معدودة، والحصول على عمل هنا صعب جداً؛ فالبطالة عالية والرواتب متدنية نسبياً.
أتمنى أن أعود إلى المخيم اليوم قبل الغد؛ فالحياة صعبة هنا، وأصعب منها أن تكون ببلد
غير بلدك ولا تملك الكثير من المال. ذلك مؤلم جداً.
وما يزيد الطين بلة، أنه لا
مؤسسات دولية أو أهلية تُعنى بنا؛ فلا أحد يقدم لنا المساعدات، ولا حتى أي شي آخر،
والمشكلة أننا لا نُعَدّ لاجئين في مصر، بل مقيمين، إما بغرض السياحة أو الدراسة أو
العمل. حتى مؤسسات اللاجئين الدولية هنا لا تعترف بنا، وتقول لنا أنتم محسوبون على
الأونروا؛ فنحن هنا وحدنا نعاني من صعوبات المعيشة؛ فكل شيء دون مُعين.
وللمعاملات قصة أخرى؛ فحتى
تحصل على الإقامة، عليك أن تحضر الكثير من الأوراق. والأصعب من ذلك أن هناك أوراقاُ
يجب أن تحضرها من سورية، وعليك أن تصدقها هناك، وإلا فعليك أن تنتظر الأيام في سبيل
تصديقها هنا، من قيد نفوس للأبناء وبيان عائلي، وغيرها من الأوراق، وبعض الأوراق من
السفارة الفلسطينية في مصر، كي تثبت أنك فلسطيني، وورقة من سورية كي تثبت أنك لجأت
إلى سورية 1948، وغيرها من الأوراق.
وإن نجحت بتأمين تلك الأوراق،
فعليك أن تستعد لمشوار معاناة آخر؛ فمركز الإقامات عليه ضغط كبير، وأنا حتى استطعت
أن أحجز دوراً لي في هذا المركز أتيت من الفجر منذ الساعة الرابعة صباحاً، وانتظرت
دوري حتى الثامنة صباحاً؛ فالمركز لا يوجد فيه عدد كبير من الموظفين؛ فبعد أن انتظرت
ساعات طوال ليأتي دوري، أكتشف أن هذا الانتظار كله لتأخذ الاستمارات فقط.
وبعد أخذك للاستمارات عليك
أن تعبئها وتجهزها، لتعيد هذه المأساة مرة ثانية لتسلم تلك الاستمارات، وبعدها عليك
أن تنتظر حتى تأتي الموافقة التي قد تتأخر لأكثر من شهر، ومن ثم تكرر نفس المعاناة
لتضع الإقامة على جوازات السفر. لكن رغم كل تلك الصعوبات نحمد الله على حصول الثورة
في مصر حتى تمكنّا من اللاجوء إليها. فلولا الثورة لما سُمح لنا بدخول مصر، والإقامة
فيها؛ فقد كنا من المغضوب عليهم في النظام السابق.
في مصر فرص للعمل الحرّ على
عكس الوظائف التي تُعَدّ نادرة نوعاً ما عن طبيعة العمل في مصر يحدثنا أبو عمر، وهو
لاجئ فلسطيني من سكان المزة ــ شيخ سعد، قائلاً إنه يوجد في مصر فرص للعمل الحر، على
عكس الوظائف التي تُعدّ نادرة نوعاً ما؛ فالكثير من أبناء اللاجئين بدأوا يفكرون في
إقامة مشاريعهم الخاصة، حتى أولئك الذين لا يملكون رؤوس أموال كافية؛ فقد أصبح كل منهم
يتشارك مع أصدقائه وأقاربه للدخول في مشروعهم الخاص.
المشاريع الصغيرة هي المشاريع الأكثر
رواجاً، مثل المخابز البسيطة، البقاليات ومطاعم الوجبات السريعة، والأكل الشامي ومحالّ
العصير؛ فالعديد من اللاجئين السوريين في مصر قد بدأ هذا المشوار من قبل، ولعلّ منطقة
الحصري في مدينة 6 أكتوبر خير مثال على ذلك؛ فعندما تسير في تلك المنطقة، ترى الطابع
السوري واضح هناك؛ إذ تشاهد محل الجناني للفول والحمص، وفروج أبو عبيدة، ومحالّ الفطائر
بجانب بعضها. تشعر بأنك في الشام. طبعاً هذا الجانب المشرق من الصورة، وهو جزء ليس
كبيراً؛ فعدد من نجح في عمله الخاص لا يتجاوزون العشرين؛ فهناك العديد ممن خسروا أموالهم
ولم يوفَّقوا بمشاريعهم.
هناك تقصير واضح للمؤسسات
الدولية والجهات الحكومية الفلسطينية في متابعة قضايا اللاجئين الفلسطينيين في مصر
وما يزيد الجانب القاتم ظلاماً، أنك ترى العديد من العائلات الفلسطينية التي لجأت إلى
مصر لم تكن تحسب حسابها أن تطول المدة لهذه الحد، وندرة الوظائف جعلت الواقع صعب جداً
عليهم؛ فهناك الكثير من العائلات لم يبقَ معها من المال ما تدفع به ثمن الإيجار وتصرف
به على نفسها، ما اضطر العديد منهم إلى السكن في أماكن نائية جداً، قد تحتاج لأكثر
من خمس ساعات لتصل إليهم، ومنهم من أضطر للسفر إلى مدن أخرى، حتى منهم من اضطر ليعود
إلى سورية.
فهناك تقصير واضح من المؤسسات الدولية
المعنية باللاجئين؛ فهي تقول إن اللاجئين الفلسطينيين السوريين من مسؤولية الأونروا،
إضافة إلى التقصير الواضح من الجهات الحكومية الفلسطينية في متابعة قضايا اللاجئين؛
فقد عاش اللاجئ بلا سند، فلا المؤسسات الدولية في مصر، ولا السفارة الفلسطينية، ولا
الحركات والأحزاب تقوم بواجبها تجاههم، حتى إنهم بالنسبة إلى مصر يصنفون كسائحين أو
كطلاب لا كلاجئين، ومعظم اللاجئين يعانون مشكلات وصعوبات في التسجيل، سببها عدم وضوح
الموقع القانوني للاجئ الفلسطيني السوري؛ فهو تارة يحسب على سورية، وتُطلب منه أوراق
من السفارة السورية، وتارة أخرى يحسب فلسطينياً وتُطلب منه نفس الأوراق من السفارة
الفلسطينية.
لمسنا تجاوباً من الجهات المصرية
للتعامل معنا كطلاب سوريين، لكن غياب من يمثلنا قانونياً كلاجئين فلسطينيين سوريين
سبّب لنا الكثير من المتاعب للدراسة في مصر قصة طويلة، حدثنا عن بعض فصولها اللاجئ
أحمد، وهو متخرّج في كلية الاقتصاد من جامعة دمشق، فيقول: "بعد أن سمعت عن قرار
الرئيس المصري بمساواة الطلاب السوريين بالمصريين من حيث المعاملة، كدت أطير فرحاً،
فرحٌ لم يستمر طويلاً حين علمت أنه بمصر لا توجد ومن في حكمهم، طبعاً ومن في حكمهم
كلمة لا يعرفها إلا اللاجئ الفلسطيني في سورية، فقد كنا نحن بحكم السوريين في سورية،
وكل قرار كان يصدر بخصوص السوريين كان يحلق بعبارة ومن في حكمهم.
للأمانة، لمسنا تجاوباً من
الجهات المصرية للتعامل معنا كطلاب سوريين، لكن غياب من يمثلنا قانونياً كلاجئين فلسطينيين
سوريين سبب لنا الكثير من المتاعب، فبسبب غياب تمثيلنا هنا أي عدم وجود جهة رسمية تتحدث
باسمنا لا سفارة ولا غيرها، يبقى هذا الامر معلقاً، يجب أن يكون هناك جهة رسمية تتحدث
باسمنا، فبدلاً من أن أحضر كتاب من السفارة السورية وكتاب آخر من السفارة الفلسطينية،
وتصديق الأوراق هنا وهناك، وأحياناً يجب أن تحضر كتاباً تؤكد فيه أنك فلسطيني، وكتاب
آخر تؤكد فيه أنك لاجئ في سورية، والعديد من الإجراءات التي لا تنتهي، يمكن وضع إطار
قانوني لحل هذه المشكلة، لكن مع الأسف لا حياة لمن تنادي.
منذ أكثر من شهرين وأنا أعمل
من أجل التسجيل على ماجستير في إدارة الأعمال، رغم أني القى استقبالاً جيداً في الجامعة،
ومعاملة لائقة من المسؤولين هناك في كل زيارة، لكنهم يقولون لي إنه لا توجد إجراءات
واضحة للتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين السوريين، لكن بعد عدد كبير من المعاملات والأوراق،
وصعوبات كبيرة لإثبات أن اللاجئ الفلسطيني السوري يعامل معاملة السوري، الحمد لله استطعت
الحصول على كتاب من السفارة السورية يشرح ذلك، وهو أني يجب أن أعامل مثل الطالب السوري
تماماً، لكن هذه الإجراءات استغرقت الوقت الطويل وجهد كبير، لذلك يجب أن يحل الموضوع
بشكل نهائي من قبل المسؤولين الفلسطينيين، والآن حصلت على قبول مبدئي في الماجستير
وعليّ الانتظار ما يقارب ثلاثة أشهر حتى احصل على الموافقة النهائية وذلك بسبب الاجراءات
المتبعة في الجامعة.
تسجيل الطالب الفلسطينيي السوري
في مدرسة حكومية يستغرق أكثر من شهر يحدثنا أحمد عن معاناته بتسجيل أخته في مدرسة حكومية
قائلاً: حتى إن تسجيل أختي في المدرسة الحكومية بمصر أخذ منا أكثر من شهر للحصول على
جميع الأوراق المطلوبة، من كتب من سفارة فلسطين، إلى كتب من سفارة سورية، إضافة إلى
البعد بين كل مكان وآخر، وخصوصاً في ظل الازمة المرورية الخانقة هنا. كذلك إن تسجيل
طالبة في المدرسة يحتاج إلى موافقة وزير التربية المصري، علماً أننا وجدنا مساعدة وتفهماً
كبيرين من قبل المسؤولين هناك، لكن كل هذه الإجراءات تأخذ الكثير من الوقت والجهد،
وسببها عدم وجود قانون واضح للتعامل مع الفلسطيني السوري؛ فهذه المشكلة ممكن أن تحل
بعد توضيح أن الطالب الفلسطيني السوري يعامل معاملة الطالب السوري، فتسجيل الطالب السوري
يستغرق يوماً أو يومين في حد أقصى، وعتبنا هنا ليس على المصريين، لكن عتبنا على السفارة
الفلسطينية وعلى منظمة التحرير، وعلى الفصائل الفلسطينية التي لها علاقات قوية مع مصر،
التي حتى اليوم لم تقم بواجبها تجاه اللاجئين الفلسطينيين السوريين في مصر.
ظننت أن ليبيا ستكون طوق نجاة
بالنسبة إلي "اذهب لليبيا، هناك فرص عمل كثيرة، هناك رواتب عالية، هناك وهناك
..." هكذا قالوا لي، بهذه الجمل وبنظرات حزن وعتاب، ابتدأ محمد ب. حديثه، ظننت
أن ليبيا ستكون طوق نجاة بالنسبة إلي، فبعد توقف عملي في سورية بسبب الأوضاع هناك،
حيث كنت أعمل مندوباً طبياً لإحدى الشركات الدوائية المعروفة في سورية، حيث كان وضعي
جيداً جداً والحمد لله، لكن هكذا هي الحياة يوم لك ويوم عليك.
سمعت كثيراً عن فرص العمل في ليبيا
حتى بتّ أفكر في الأمر بجدية، ولذلك قررت السفر مع عائلتي إلى مصر، ومن مصر إلى ليبيا؛
لأنه لا يوجد طريق مباشر لسفرنا من سورية إلى ليبيا، واصطحبت عائلتي معي، وذلك لأن
عمري أقل من أربعين عاماً، فلا يمكنني أخذ تأشيرة لمصر، وليبيا لا تسمح إلا بدخول العائلات
إليها، وذلك من طريق البر حصراً.
لكن بعد وصولي إلى مصر تحولت
مصر من محطة إلى إقامة، وذلك لعدة أسباب، فخلال وجودي في مصر قابلت العديد من أصدقائي
الذين كانوا يخططون للسفر إلى ليبيا، وبعضهم سافر ووصل إلى ليبيا وعاد لمصر، فأخبرني
أحد أصدقائى عن كثير من الحقائق لم تكن واضحة بالنسبة إلي؛ فبعد محاولات لصديقي ومخاطرات
كبيرة في السفر على حدّ وصفه حيث سافر عن طريق البر، وحده، ووصل إلى ليبيا.
بدأ يبحث عن عمل ووجد عملاً
له بسرعة ولكن!، فوجئ بأن الراتب الذي كان يتخيله أو كما صُوّر له غير موجود أبداً،
حيث إن الراتب الذي عرض عليه لا يتجاوز ربع ما توقع، حتى إن الراتب لا يكفي إيجار البيت
والمعيشة في مدينة بني غازي فالراتب لم يتجاوز 450$، فعاد صديقي ومعه العديد من الشبان
الفلسطينيين الذين التقاهم هناك وهم يحملون خيبة أملهم معهم، ويلومون أنفسهم على ما
فعلوه.
هذا الأمر الذي استوجب علي
أن أعيد التفكير في موضوع السفر إلى ليبيا، وبعد عدة أيام من التفكير قررت أن أبقى
هنا بمصر ومعي عائلتي، فلا خيارات أمامي؛ فالعودة إلى سورية غير مطروحة أبداً في الوقت
الراهن، وذلك بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها سورية. لم يكن هذا أبدا ما خُطط له،
فكنت أرسم أني سأعمل وأصرف على عائلتي في ليبيا، لكن هذا ما جرى، قدّر الله وما شاء
فعل، الآن الوضع مختلف تماماً لما خططت، فحتى الآن لم أجد عملاً في مصر، وأنا أصرف
من المبلغ الذي كنت قد وضعته احتياطاً لأي طارئ، أتمنى ألا تطول هذه الأزمة أكثر من
ذلك، فالمعيشة صعبة، وخصوصاً مع انعدام الدخل، حسبي الله ونعم الوكيل".
ما بين التفاؤل بالعودة إلى
بيوتهم في المخيمات، وتشاؤم من وضعهم الراهن، وفرحة بالنجاة بأنفسهم من وضع مأساوي
في سورية، وخوف على أهلهم هناك، يمضي اللاجئون الفلسطينيون السوريون في مصر أيامهم
الصعبة، وكلهم عتب على تقصير الجهات الدولية والجهات المعنية باللاجئين إضافة إلى السلطة
الفلسطينية ومنظمة التحرير وباقي الفصائل، وذلك بسبب تقصيرها بأداء واجباتها تجاه اللاجئين
الفلسطينيين السوريين المقيمين في مصر.
المصدر: مجلة العودة،
العدد الـ64