القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

اللاجئون الفلسطينيون.. جوهر القضية المغيب‏

اللاجئون الفلسطينيون.. جوهر القضية المغيب‏

/cms/assets/Gallery/1585/457643 (1).jpg

الخميس، 22 كانون الثاني، 2015

تنبع أهمية إبقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية من عدالتها وكونها القضية الأكثر مساسا بالإنسانية عبر التاريخ، وعلى الرغم من محاولات التغييب تارة، أو البحث عن مخارج لتوظيفها بالمفهوم السياسي للصراع مع الاحتلال، إلا أنها بقيت راسخة بعدالة مطلبها في تحقيق العودة للذين هجروا من أراضيهم، ليس ذلك فقط، بل رسخت معاني البقاء والتمسك بالثوابت رغم تغير المعطيات والعوامل.

وتأتي هذه الدراسة، التي يقدمها قسم الدارسات في "المركز الفلسطيني للإعلام"، من خلال جهد الباحثين لديه، لتضيف بعداً هاماً في طرح قضية اللاجئين، وتقديم بعض التوصيات التي من شأنها تفعيل القضية وتحريك الجهود نحوها في ظل محاولات التغييب المستمرة لها.

تمهيد:

النكبة و"النكسة" والتهجير، مترادفات لمعاناة شعب بأكمله لا تزال فصولها حاضرة في كل مخيم ومكان اتشح مدخله بشعار وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وقد يرى البعض أن من الترف الكتابة اليوم عن قضية اللاجئين بمحطاتها وفصولها، فهي حكاية زخرت الملفات بمعطياتها، وكتبت الأقلام بمدادها آلاف الصفحات عنها، وأشبعت بالقرارات والمواقف السياسية المنصفة تارة، والمجحفة تارة أخرى. لكنها ورغم ذلك، ومهما كُتب عنها إلا أنها تبقى قضية "الإنسان"، ولا تزال تحمل الكثير في ظل بقاء واقعها على الأرض.

وفي ظل الحديث عن محاولة الاحتلال إقرار قانون "يهودية الدولية"، وإلى جانبه محاولات عدة "لتغييب القضية الفلسطينية" عبر الكثير من الأطروحات الدولية والإقليمية، يجعل من الأهمية بمكان رصد بعضٍ من المحطات الهامة في تاريخ قضية اللاجئين؛ ووضع بعض المواقف التي من شأنها الدفع بقضيتهم نحو التفعيل على مختلف المستويات، فهي قضية حية بعدالتها.

وقبل الخوض في الآليات التي اتبعتها العصابات الصهيونية في عملية تهجير الفلسطينيين، يمكن التعريج على المنطلقات التي مثلت الدافع الرئيس للاحتلال في تنفيذ هذه الجريمة بحق نسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني.

منطلقات التهجير الصهيونية:

• إقامة دولة يهودية: إن الهدف الأساس الذي سعت له الصهيونية في احتلال فلسطين، واستقطاب يهود العالم إليها هو إقامة دولة يهودية لهم على أرض فلسطين، وهذا الأمر قد بدأت تجلياته بالوضوح أكثر فيما طرحته حكومات الاحتلال مؤخراً المتمثل في مشروع قانون "يهودية الدولة"، وكذلك ما سبقه من طرح لقادة الاحتلال بالاعتراف بـ"يهودية الدولة" في المحافل الدولية مقابل اعترافها الخوض في مفاوضات التسوية النهائية، وهو نفسه ما حذر منه الكاتب والمفكر منير شفيق في إحدى مقالاته عندما تحدث عن إمكانية تطوير فكرة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين إلى اعتراف مقابل بـ"دولة يهودية" ، وبالتالي تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي بنيت عليه فكرة تهجير اللاجئين الفلسطينيين، ورفض حقهم في العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها.

• قامت "إسرائيل" منذ وجودها على أساس فلسفة اقتلاعيه وإحلاليه ، وهو ما سعت لتثبيته من خلال عملية التهجير التي مارستها بحق الفلسطينيين منذ ما قبل العام 1948 وحتى تاريخنا الحاضر، وهذا ربما ما تحاول "إسرائيل" تثبيته بطريقة غير مباشرة عبر استقدام يهود العالم إلى فلسطين، كما أنه أحد أهدافها غير المباشرة من عملية إقامة الجدار الفاصل، وطرح فكرة تبادل الأراضي وغيرها من أفكار أو ممارسات تعمل على تطبيقها.

• إقناع العالم بأن قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (رقـم 181) لعام 1947، والذي قبله الصهاينة في حينه ورفضه العرب والفلسطينيين، لم يكن حلًّا قابلا للتطبيق ، وهذا جعل العصابات الصهيونية تستخدم فكرة التهجير القسري لإيهام العالم أنه لا يمكن تحقيق "مبدأ التعايش" بين من يقبل بحل التقسيم ومن يرفضه. هذا إلى جانب انتشار حالة الخوف والهلع التي سادت في تلك الفترة بين المواطنين الفلسطينيين من وقوعهم تحت حكم الحركات الصهيونية؛ خاصة أولئك الذين يعيشون في القرى والبلدات الفلسطينية التي وقعت ضمن "حصة" الصهاينة في خطة التقسيم التي منحت قرابة 56% من مساحة فلسطين التاريخية للعصابات الصهيونية.

أما الأساليب والأدوات التي استخدمتها الجماعات الصهيونية في تنفيذ عمليات التهجير، فيمكن تقسيمها على النحو التالي:

- أساليب نفسية معنوية: تتمثل في انعدام الأمن للإنسان الفلسطيني من خلال الحرب النفسية التي شنتها العصابات الصهيونية في أعقاب انتهاء حكومة الانتداب توّجتها بالمجازر والمذابح التي طالت آلاف الفلسطينيين، وهدم قرى بكاملها، إضافة إلى نشر الشائعات التي باتت تظهر الإنسان الفلسطيني وحيداً في وجه العصابات الصهيونية وتخلي العرب عنهم.

- أساليب مادية عملية: تمثلت في تنفيذ العصابات الصهيونية أكثر من 75 مجزرة في الفترة ما بين 1937 -1948، راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شهيد وعشرات آلاف الجرحى. إلا أن ذروة هذه المجازر كانت خلال عامي 1947 و1948 وهي ما عرفت بالنكبة. فيما لجأت العصابات الصهيونية في إطار أسلوبها المادي العملي إلى تدمير ممنهج وشامل للقرى والبيوت الفلسطينية، إذ وثق تدمير نحو 531 قرية وطرد سكانها .

وتشير الإحصائيات شبه الرسمية إلى أن أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير حتى احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام 1967، هجرت نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم مع بقائهم داخل نطاق الأراضي التي خضعت لسيطرة الاحتلال آنذاك، وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 .

خريطة توزيع اللاجئين في العام 1948

تظهر الخريطة المرفقة، توزيع اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا في العام 1948، حيث يظهر من الخريطة أن النسبة الأكبر تواجدت في الضفة الغربية، حيث بلغ عدد اللاجئين الذين أقاموا في مخيمات اللجوء في الضفة نحو 380 ألف لاجئ أي ما نسبته 38%، فيما بلغ عدد اللاجئين الذين هجروا إلى قطاع غزة 190 ألف لاجئ بنسبة 26%، وبلغ عدد اللاجئين الذين هجروا إلى لبنان 100 ألف لاجئ أي ما نسبته 14%، فيما وصل سوريا 75 ألف لاجئ، والأردن 70 ألف لاجئ، ومصر 70 ألف لاجئ، وكانت النسبة الأقل من اللاجئين الذين وصلوا العراق بواقع 4 آلاف لاجئ.

ومع ذلك، حظيت التدابير المتنوعة التي تتبعها "إسرائيل" في تهجير الفلسطينيين قسرًا منذ العام 1948 باهتمامٍ أقل بكثير رغم التقديرات التي تشير بأن "إسرائيل" هجَّرت 66 % من العدد الكلي لسكان فلسطين قسرًا كجزءٍ من خطتها المدروسة وطويلة الأجل لخلق أغلبية يهودية والحفاظ عليها. يذكر مستشار الشبكة للسياسات، منير نسيبة، في هذه المقالة ستةً من الأساليب التي تستخدمها "إسرائيل" في تهجير الفلسطينيين، ويناقش اثنين منها وهما التهجير بأسلوبي هندسة الوضع القانوني وتخطيط المدن والقرى. كما يحاجج الكاتب بأن المقاربة الحقوقية التقليدية للقضية ليست كافية، وإنما يدعو المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان إلى تطبيق نهج العدالة الانتقالية الأحدث عهدًا على النزاع من أجل التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية المرتكَبة بموجب سياسات، إذ إن ذلك هو السبيل الوحيد المُجدي لجبر الضرر وإحلال السلام العادل.

معاناة اللاجئين الفلسطينيين

يختلف واقع اللاجئين الفلسطينيين باختلاف أماكن تواجدهم؛ ففي الوقت الذي يتمتع به البعض منهم بحقوق تصل إلى مستوى أفراد البلد أو البقعة الجغرافية التي يتواجدون بها، يعاني آخرون من تضييق، ومنع حتى في ممارسة ابسط الحقوق. ولصعوبة حصر واقع اللاجئين في كافة أماكن تواجدهم، فإنه من الواقعية تسليط الضوء على ما يتوفر من معطيات ومعلومات.

ويمتاز تواجد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بوضع مختلف بالمقارنة مع نظرائهم في البلدان التي ضمت تجمعات للاجئين الفلسطينيين، وبموجب القانون كان اللاجئ الفلسطيني، سواء مسجل أم غير مسجل رسميا بوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فإنه يحظى تقريبا بكل الحقوق التي منحها القانون للمواطن السوري باستثناء الحصول على الجنسية وحق التصويت. وهذا الأمر مرده إلى أن اللاجئ الفلسطيني في سوريا بقي ينأى بنفسه عن أي تدخل في الشأن الداخلي، واقتصرت مواقفه وفعاليته بما يخص قضيته الأساسية قضية فلسطين وحق العودة .

وفي الأردن، يتمتع معظم اللاجئين الفلسطينيين بالجنسية الأردنية باستثناء 100 ألف لاجئ أصولهم من غزة، وهؤلاء يحصلون على جوازات سفر أردنية مؤقتة لا تؤهلهم للحصول على المواطنة الأردنية الكاملة وحقوقها وأبرزها التوظيف في الحكومة.

أما اللاجئون في لبنان، فقد تكون لهم حاله مختلفة عن باقي اللاجئين في البلدان الأخرى، إذ يفتقد اللاجئون هناك وجود آليات قانونية سليمة لإدارة شؤونهم، ويعانون من التهميش والتمييز، حيث إنهم ممنوعون قانونياً من العمل في أكثر من 70 مهنة بما فيها معظم المهن الأساسية كالطب والمحاماة الهندسة والصيدلة وغيرها. ورغم أنه تم التخفيف من بعض القيود جزئيا وفقا لما صدر عن وزارة العمل اللبنانية في العام 2005، إلا أن تفاقم معاناتهم لا يزال موجودًا.

وكحالة خاصة يمكن تناول أبرز المحطات الإجرائية التي اتبعت في التعاطي القانوني مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي تمثلت في:

- المنع من ممارسة أكثر من 70 مهنة (46 مهنة حسب التصنيف اللبناني) إلا بموجب ترخيص.

- صدر قرار عن الحكومة اللبنانية في 21 آذار عام 2001 يمنع الفلسطيني من حق التملك في لبنان ولو على متر مربع واحد في الوقت الذي يسمح لغيره من أي جنسية أخرى بالتملك.

- أزمة اقتصادية متفاقمة يوما بعد يوم بسبب ارتفاع نسبة البطالة في وسط اللاجئين، وقد أظهرت أحدث الدراسات أن نسبة البطالة بين اللاجئين بلغت 48%، ووصلت نحو 95% في بعض المخيمات مثل مخيم الجليل في بعلبك كما تقول اللجنة الشعبية للمخيم .

محاولات لتغييب القضية

تعد قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من أبرز القضايا الإنسانية التي بقيت راسخة رغم مرور عشرات السنين عليها، بل إنها أكثر القضايا إشكالية وتعقيداً، لأنها الأكثر حساسية والأكثر انفعالية في السياق الفلسطيني، وهو ما يجعلها قضية حاضرة في إطار محاولات "تصفية القضية" أو البحث عن حلول من شأنها إخفاء معالم هذه المعاناة الراسخة عبر العقود الماضية، من هنا فإنه يمكن تسليط الضوء على بعض المحاور التي حاولت ولا تزال تحاول أطراف مختلفة تغييب قضية اللاجئين عن القضية الفلسطينية بكل تبعتها، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: تقليص المساعدات، وانحصار الدور الأممي:

برزت في السنوات الأخيرة قضية تقليص وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لمساعداتها المقدمة للاجئين في كافة أماكن تواجدهم، وهو ما طرح تساؤلا أساسًا حول الهدف الأساس من ذلك في الوقت الذي تطرح بعض الحلول السياسية لقضيتهم سواء في التوطين، أو الدمج بالمجتمعات المتواجدين فيها. وتشكل هذه التقليصات مؤشرات لتساؤلات حول أسباب عدم وفاء الجهات المانحة بوعودها لوكالة الغوث التي تقدم الخدمات للاجئين، وهو ما قد يجعل من خطوة إلغاء هذه الهيئة الأممية خطوة في سبيل تصفية قضية اللاجئيين أو تغييبها.

ثانياً: الطرح الأمريكي لإنهاء القضية:

- الطروحات الأمريكية لإلغاء قضية اللاجئين أو تغييبها لم تكن وليدة اللحظة أو حديثة العهد؛ فمنذ ستينيات القرن الماضي سعت الإدارة الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر لإيجاد مقترحات لإنهاء هذه القضية، ويمكن اختصار أبرز هذه الأطروحات على النحو التالي:

مبادرة جوزيف جونسون في بداية الستينيات، وتتضمن:

1. يعطى كل رب أسرة من اللاجئين فرصة الاختيار الحر بين العودة إلى فلسطين أو التعويض بمعزل عن أي نوع من الضغوط التي يمكن أن تمارس عليه أو على أسرته.

2. على كل لاجئ أن يكون على علم تام، وإلمام كامل بطبيعة الفرص المتاحة له للاندماج في المجتمع "الإسرائيلي"، من حيث فرص العمل والاستقرار والتواصل الإنساني والسياسي داخل هذا المجتمع، كما يجب أن يكون ملماً بقيمة التعويضات التي سيتلقاها إذا اختار البقاء حيث هو والفرص التي ستمنح له في مكان تواجده في البلدان العربية.

3. تحسب التعويضات على أساس قيمة الممتلكات كما كانت عليه عام 1947-1948 مضافاً إليها الفوائد المستحقة.

4. تمتلك "إسرائيل" الحق في المحافظة على مصالحها الأمنية والحيوية من خلال رفضها عودة أي لاجئ إذا رأت فيه خطراً عليها.

5. تقوم الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، خاصة الغنية منها بما فيها "إسرائيل" بالإسهام في توفير المصادر المالية المطلوبة لدفع التعويضات.

6. يستفيد اللاجئ الذي لم يكن له أملاك في فلسطين وقت النكبة من تعويض مالي مقطوع لمساعدتهم على التكيف والاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها.

7. يحق لأي حكومة الانسحاب من هذا المشروع إذا عدّته تهديدًا لمصالحها الحيوية.

8. يطبق المشروع بصورة تدريجية، وعلى مراحل تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة.

- رؤية كيسنجر في السبعينيات:

هنري كيسنجر، يعد من الشخصيات السياسية الأمريكية ذات الأثر الكبير في السياسات الأمريكية، وفي عهد شغله وزارة خارجية الولايات المتحدة، أوكل لـ "ويليام روجرز" وضعَ رؤية حول "الصراع العربي الإسرائيلي"، وتطرق روجرز في البند السابع من الخطة إلى الاتفاق المبدئي بين الأردن و"إسرائيل" الذي من الممكن أن يكون هو مفتاح الحل العادل لقضية اللاجئين. وأعادت المبادرة الإشارة إلى عبارة "حل عادل لقضية اللاجئين"، لكن من منظور إنساني وليس سياسياً، وهو ما ينطبق على ما طرحته باقي المبادرات الأمريكية التي تناولت قضية اللاجئين.

- مبادرة ريغان في بداية الثمانينيات:

استغلت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الأحداث الدولية والإقليمية من أجل إطلاق مبادرة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في 1-9-1982, ورغم ما طرحته هذه المبادرة من آليات وأفكار لحل القضية الفلسطينية بشكل كامل، إلا أنه لم يكن هناك عبارات واضحة حول قضية اللاجئين، وكل ما قاله ريغان حول هذه النقطة بالتحديد إن المبادرة تنص على وجود موازنة وتوافق بين حقوق الفلسطينيين المشروعة والاحتياجات الأمنية "الإسرائيلية". وبما أن عودة اللاجئين إلى أراضيهم يخل بالتوازنات الديموغرافية والسكانية داخل الكيان "الإسرائيلي" لصالح الفلسطينيين، ويضر بيهودية الدولة العبرية، فإن العودة الجماعية للفلسطينيين وبأعداد كبيرة يصبح نوعاً من الجنون وفق هذا المنطلق الأمريكي. وباختصار استغلت الاحتياجات الأمنية "الإسرائيلية" بشكل فظيع ومتعمد لشرعنة الشتات والاغتراب الفلسطيني . لذا كانت فكرة ريغان حول قضية اللاجئين تتمثل في أن الحل الأمثل لها يكمن في توطين اللاجئين في البلدان العربية المضيفة، خاصة سوريا والأردن مع إنشاء صندوق للتعويضات تشرف عليه لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة لتقدير خسائر اللاجئين ولمعرفة احتياجاتهم في البلدان التي يتواجدون فيها.

- أطروحات ما بعد أوسلو:

قدمت في سبيل إنهاء قضية اللاجئين في أعقاب اتفاق أوسلو العديد من الأطروحات والأفكار، وفي غالبها تمثلت في أفكار ودراسات لشخصيات أكاديمية أو دول ضمن مشروعات قدمت لإنهاء قضية اللاجئين، إلا أن هذه الأطروحات لم تخل من المواقف السياسية، حتى أنها لم تخرج عن إطار ما يطرحه الإطار الرسمي للإدارة الأمريكية عبر العصور الماضية.

ففي عام 1995 وزعت كندا التي كانت تترأس مجموعة العمل الخاصة باللاجئين ورقة عمل تحت عنوان "رؤية بيرون" وذلك بالتنسيق مع الوفد الأمريكي. وتميزت الورقة باستنادها إلى مواقف القوى الإقليمية والدولية بما فيها الولايات المتحدة وروسيا حيث أبدت اهتماماً خاصاً بقضية التمويل المرتبطة بتنفيذ التوصيات. وقامت الورقة بتحديد حجم اللاجئين، وأعدادهم ومشكلاتهم، وعملت على حشد الموارد المالية لتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي للاجئين، وتفعيل الخطط الإنسانية لتحسين إجراءات لمّ شمل العائلات. إضافة إلى بحث الطاقة الاستيعابية للضفة الغربية وقطاع غزة بالنسبة للعائدين الفلسطينيين.

وتعكس هذه الورقة الرؤية الغربية عموماً (أمريكا وأوروبا وكندا) التي نصت على إعادة تأهيل اللاجئين في أراضي الضفة الغربية والدول العربية المجاورة، واستخدام آلية لمّ شمل العائلات لعودة محدودة العدد إلى داخل "إسرائيل".

وفي العام 1995 أيضا، خرج دون بيرتس بإصدارين جديدين حول قضية اللاجئين الفلسطينيين بتمويل من مؤسسة السلام الأمريكية المرتبطة بالكونغرس الأمريكي، ودراسة أخرى حول تعويضات اللاجئين أعدها لصالح مركز التحليلات السياسية الخاصة بفلسطين. انطلق بيرتس من فرضية أن القانون الدولي والأعراف الدولية تؤكد على ضرورة توطين اللاجئين حيث هم، ولا تؤهلهم للعودة .

ثالثاً: الأطروحات والمشاريع الأوروبية:

- مشروع كافيتاس:

اعتمد على توصية من (لجنة تقصي أحوال اللاجئين) التابعة لبعض أعضاء البرلمان البريطاني، تحت عنوان (حق العودة)، الذي يهدف كما يزعمون، إلى تشجيع الحكومة البريطانية وشركائها الأوروبيين لاتخاذ مواقف أقوى حول تمثيل حقوق اللاجئين، لضمان مشاركتهم في أي عملية تهمهم وربطهم مع ممثلهم الشرعي (م. ت. ف)، وأثار هذا المشروع انقساماً في المواقف بأوساط اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك داخل الفصائل التي أيدت بعضها المشروع فيما رفضته أخرى رفضاً قاطعاً. وتشكلت هيئة لهذا المشروع ضمت عدداً من النشطاء والأكاديميين الفلسطينيين، لكن كل الأنشطة ذات الصلة بالمشروع من لقاءات وندوات وورش عمل قد ألغيت.

رابعاً: المشاريع العربية:

• مشروع الجزيرة:

أعلن حسني الزعيم الذي قاد انقلابا في سوريا عام 1949 قبوله توطين ثلاثمائة ألف لاجئ في منطقة الجزيرة في شمال سوريا.

وكان مشروع منطقة الجزيرة الذي اتفقت عليه وكالة الغوث الدولية مع الحكومة السورية سنة 1952 يحمل مقاربة اقتصادية لمسألة توطين الفلسطينيين الموجودين في تلك المنطقة، وقد رفض بن غوريون هذا المشروع لأن حسني الزعيم ربط ذلك بالمطالبة بتعويض اللاجئين وتقديم مساعدة لهم.

• اتفاق 1953

مع بداية العام 1953 أبرم اتفاق بين الولايات المتحدة وحكومة أديب الشيشكلي لتوطين الفلسطينيين في سوريا. حيث رصدت وكالة الغوث ميزانية للقيام بمشاريع تهدف إلى تأهيل الفلسطينيين الموجودين هناك، منها مشاريع زراعية، لكنها توقفت عند المراحل الأولى لكون الأرض التي وضعتها سوريا بتصرف وكالة الغوث كانت غير قابلة للاستثمار، مع ارتفاع التكلفة.

• مشروع سيناء 1951

وافقت الحكومة المصرية على مشروع توطين قسم من لاجئي قطاع غزة في سيناء في الفترة بين 1951 ــ 1953، وعقدت اتفاقا مع وكالة الغوث يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدان تقام عليها عدد من المشاريع.

وقد واجهت الحكومة المصرية مقاومة شعبية للمشروع، لتصدر بيانا سنة 1953 تتراجع من خلاله عن موضوع التوطين، وعدّت المشروع غير ذي جدوى، ويعدّ هذا المشروع من أهم المشاريع التي قدمت لتوطين اللاجئين الفلسطينيين من مدخل اقتصادي.

• مشروع (حمدي التاجي الفاروقي):

في أعقاب حرب عام 1967 نشر الدكتور حمدي التاجي الفاروقي في شهر أيلول 1967 مشروعا لإقامة دولة فلسطينية في القسم العربي من فلسطين حسب قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947. وتوضع هذه الدولة تحت إشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية مدة خمس سنوات مع إمكانية تعديل طفيف في حدود الدولتين العربية و"الإسرائيلية"، ويترك للشعب الفلسطيني تحديد نظام الدولة التي تتكون ميزانيتها من المصادر الطبيعية، ولاسيما البحر الميت، ومن الداخل السياحي، ومن المعونات العربية والأجنبية ومن مساهمة أبناء الشعب الفلسطيني في الخارج، وتقوم علاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية وثيقة بالأمة العربية باعتبار الشعب الفلسطيني جزءًا منها وستكون هذه الدولة بمعزل عن "دولة إسرائيل"، وترتبط بها بحسن جوار فقط، واقتراح صاحب المشروع تأليف وفد من بعض المدن الرئيسة للطوائف على الدول العربية والأجنبية لشرح المشروع وكسب التأييد له، ولكن المشروع لم يحظ بالرضى بسبب تعارضه مع الحق الفلسطيني في إقامة دولة على كامل التراب الوطني الفلسطيني، ومن ثم لم يكتب له النجاح.

• مشروع الملك حسين 1969:

أعلنه الملك حسين بن طلال، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، باعتباره مشروعا للسلام مع "إسرائيل"، واشتهر لاحقا باسم "مشروع النقاط الست"، وتعدّ "التسوية العادلة لمشكلة اللاجئين" إحدى هذه النقاط.

لم يمضِ يومان على إعلان الملك حسين مشروعه حتى رفضته "إسرائيل" على لسان غولدا مائير رئيس الوزراء عندئذ، ومن ناحية أخرى أصدرت معظم المنظمات الفدائية الفلسطينية الرئيسة بيانا مشتركا في 15/4/1969 أعلنت فيه رفضها مشروع الملك الخاص بالتفاوض مع "إسرائيل" عن طريق السفير غونار يازنغ وعلى أساس قبول "إسرائيل" بوضوح قرار مجلس الأمن رقم 242.

ملاحظات على الأفكار والمشاريع المطروحة:

• إغفالها للظروف والأسباب الرئيسة لتهجير اللاجئين الفلسطينيين، والاكتفاء فقط بالحديث عن آليات لحلها، مع عدم التطرق إلى إنهاء المسبب الرئيس لها والمتمثل في الاحتلال.

• الارتكاز على الطرح السياسي بشكل أساس، وعدم تقديم الأطروحات وفقا لقرارات الشرعية الدولية التي نصت بشكل صريح على حق الإنسان الفلسطيني في تقرير مصيره، وعودته إلى أرضه التي هجر منها؛ ففي 10/12/1969 صوتت الجمعية العامة على القرار رقم 2535 في (الدورة 24) وقد جاء في القرار أن "الجمعية العامة إذ تقر بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نشأت عن إنكار حقوقهم الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها، والمقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تعود وتؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين". وصوتت الجمعية العامة على القرار رقم 2628 (الدورة 25) في 4/ 11/1970، وقد نصت الفقرة (3) منه على أن الجمعية العامة "تعترف بأن احترام حقوق الفلسطينيين، هو عنصر لا غنى عنه من أجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط".

• الحديث عن قضايا التوطين والتعويض كمدخل لحل قضية اللاجئين، مع إغفال أن الأماكن التي هُجر منها اللاجئون توفر لهم من الدخل والحياة أفضل مما قد يطرح من قيمة تعويضية؛ فاحتلال الأراضي الفلسطينية في العام 48 نجم عنه سلب نحو 60% من الأرض لصالح الجماعات الصهيونية، وهو ما يعني غالبية الأرض الفلسطينية، وبالتالي فإن حق العودة للأرض التي هجروا منها من شأنها أن تمنح أهلها دخلا أفضل من أيّ تعويض مطروح.

• محاولة تقديم الأطروحات دون التنسيق أو العودة لأصحاب الحق، فجميع المبادرات والمشاريع التي طرحت لحل مشكله اللاجئين، اكتفت بطرحها جهات أمريكية أو غربية أو حتى عربية دون أن يؤخذ بالاعتبار رأي اللاجئين أنفسهم أو من يمثلهم من هيئات.

• لم تقدم أي من المشاريع حلولا جذرية لمشكلة اللاجئين تتوائم وواقعهم أو تطلعاتهم، والاكتفاء بمحاولة طرح الأفكار في ظل مواقف سياسية لخدمة بعض المراحل في المنطقة.

التوصيات

إن الكتابة عن قضية اللاجئين لن تمنح القضية حقها مهما بلغ الجهد البحثي؛ فقضية اللاجئين لا ترتبط بأعداد وجغرافيا فقط، بل هي قضية تكاملية من الصعب نزعها من القضية الأساس المتمثلة في القضية الفلسطينية التاريخية التي تمتد عبر التاريخ إلى الإنسان والأرض والهوية، وتبقى الكتابة في هذه القضية محاولات من الباحثين والكتاب لإبرازها في ظل المحاولات التي تهدف إلى طمسها، ومن خلال هذه الأوراق البحثية، فإن الباحث يضع بعض التوصيات التي من شأنها -وفقا لرؤيته- تفعيل قضية اللاجئين وتحريك الجهود في سبيل إبقائها قضية فعالة.

1. ترسيخ ثقافة ومبدأ حق العودة لدى الإنسان الفلسطيني والعربي وعدم الاكتفاء بالقالب السياسي للتعامل مع القضية كما بات يروج لها. فالمهم ليس فقط أن تتحول إلى قضية السياسيين وصناع القرار، وإنما أن تكون قضية حية في نفس كل إنسان فلسطيني وعربي، وهذا ما يمكن أن يترجم من خلال المناهج التعليمية، والإصدارات، ووسائل الإعلام، والفعاليات الجماهرية والشعبية المختلفة.

2. الاحتفاظ بالتاريخ الشفوي والكتابي وكل ما يتعلق بقضية اللاجئين من أدلة تثبت هذا الحق، وهو ما يتم من خلاله المحافظة على الوجود المحسوس للقضية.

3. إطلاق مشروع إعلامي متكامل وبلغات عدة من شأنه أن يبقي قضية اللاجئين حية، وتصل إلى العالم.

4. تشكيل لوبي ضاغط فلسطينيا وعربيا ودولياً لإبقاء قضية اللاجئين فعالة عبر أجندة السياسيين والمثقفين والمنظمات الرسمية والأهلية.

5. التركيز على إبراز قضية اللاجئين وحق العودة على الساحة الدولية، لما تشكل من أهمية في صياغة القرارات التي من شأنها أن تدعم الحق الفلسطيني.

6. فلسطينياً؛ تشكيل هيئات وفعاليات شعبية ورسمية تختص في قضية اللاجئين بأبعادها المختلفة.

7. توفير الدعم المالي لتدعيم التواجد الفلسطيني في أرضه، وهذه بشكل خاص يمكن أن تطبق على أهالي مدينة القدس المحتلة والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام48، حيث يحاول الاحتلال إكمال مخطط اقتلاعهم من أرضهم وإبعادهم عنها.


المراجع

1 - منير شفيق، حول أولوية الدولة الفلسطينية في التطبيق. 4 ديسمبر 2014، على الرابط: https://www.palinfo.com/site/pic/newsdetails.aspx?itemid=167541
2 - د. أيمن يوسف، اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة في السياسات الأمريكية: من مبادرات الحرب الباردة إلى مقترحات كلينتون. على الرابط: http://www.qou.edu/arabic/magazine/issued15/research8.htm
3 - شريف كناعنة، أنماط تهجير الفلسطينيين في العام 1948. على الرابط: http://www.jalili48.com/pub/ART_Show.aspx?ID=259
4 - الأرقام الواردة في هذه النقطة استندت إلى كتاب "المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني"، الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت. الطبعة الأولى2009.
5 - تقرير المركز الفلسطيني للإحصاء، بعنوان : أوضاع الشعب الفلسطيني من خلال الأرقام والحقائق الإحصائية، 2009. منشور على الرابط: http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4287
6 - انظر: الرابط التالي للاطلاع على الخريطة: http://www.palqa.com/uploads/wars/1948/refugees_in_1948.jpg
7 - نضال بيطاري. مخيم اللاجئين في اليرموك والانتفاضة السورية: نظرة من الداخل. مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
9- د. أيمن يوسف. اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة في السياسات الأمريكية: من مبادرات الحرب الباردة إلى مقترحات كلينتون. على الرابط: http://www.qou.edu/arabic/magazine/issued15/research8.htm
10 - حمد موعد؛ اللاجئون الفلسطينيون جوهر الصراع وعقدة التسوية من مدريد إلى خارطة الطريق (دمشق: مركز دراسات الغد العربي، 2003).

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام – قسم الدارسات