اللاجئون الفلسطينيون والانتماء للمخيم
الإثنين، 21 أيار، 2012
يعيش ابناء المخيمات على امل مجيء يوم يتركون فيه مخيمهم ليعودوا الى بلادهم. حتى ذلك اليوم الموعود ستبقى أزقة المخيمات تترك تأثيرها على قاطنيها. لكن مهما بلغت قساوة الحياة في المخيم ستبقى هناك اشياء جميلة يكتب عنها
المشهد الأول:
يتشابه كل شيء حولنا. تتشابه الأسماء والأشياء والأحياء في العادي واليومي الرتيب، لا يخرق إيقاعها الهادئ سوى ظلال تلبس شكلها الآخر وتعلن ولادة نجمها في سماء ألفت رتابتها وشاخت ألوانها وغابت أقمارها عنها، والمكان هو المخيم.
ظلالٌ في عقدها الثالث تبدأ بحثها عن إجابات لأسئلة مكررة. تفتش عن سر يفسر جوعها إلى الغريب، عن الطريق إلى قلب أنثى تنام بلا ثياب. هم أناسٌ مثلنا خلعوا أشكالهم عنهم، ولبسوا ظلهم، يمشون بيننا في نهارات المخيم، نألف وجههم فهم يتشاركون في الرؤيا ويختلفون في التعبير عنها. وحده الوجع يجمعهم في المساء، ليشربوا كأساً من العرق الرخيص. يقول واحدهم: «أبحث عما يمثّلني ويشبهني» وتفور لحظة نشوة فيصيح: أصير حراً كلما ازداد سُكري، يتساءل آخر: أيّنا أصدق في الرؤى وأسبق في التجلي؟ أنا أم ظلي؟ ويخرج ظل ثالث من عباءتهم يلتقط بهدوء غيتاره ويقول: كفانا كلاماً، الموسيقى وحدها تجمّعني وتنثُرني غماماً، وحدها تحررني. فجأة يتسع المكان، والمكان هو المخيم.
المشهد الثاني:
تنتفض الحياة وتبدأ الأشياء البسيطة في الظهور، تصبح جزءاً من تفاصيل الهواء، ويخرج أناسٌ منذ الصباح بألبستهم «مغبرّين ومُتربين»، يتبادلون التحيات والشتائم ويذهبون إلى العمل. لا يبحثون عن أنثى فكّت ضفائرها وأغوتهم بسحر عيونها هنالك في البعيد، ولا يستخدمون رموزاً ترهق المعنى بالخيالي الغريب. فهم يتكلمون كلاماً بسيطاً واضحاً فالأنثى لديهم ليست سوى فتاة، ترتدي ظل امرأة جميلة، تسكن الطابق الثاني أو الأول أو الثالث، في إحدى الأبنية المنثورة حولهم، تكفي إيماءة أو بسمة منها لتجعل يومهم خرافي الجمال، ويقتنصون أية فرصة ليلقوا على مسامعها ما اتفق وقدرتهم على معسول الكلام، ودعوة إلى شرب العصير في فسحة مسروقة من صرامة الأيام. «هم» لا ينقصهم المعنى ليدركوا أن لهم في هذا الوجود وطناً قصياً وهدفاً وحيداً، فيأخذون مكانهم في الطابور، لكي يصبحوا شهداء من أجل قضية ولدت منها قضيتهم، وصاروا لاجئين. مقتنعين أن البداية والنهاية قد خطتها السماء لكل شيء، فلا ضرورة لإطالة التفكير حول مصيرهم في هذا المكان.. والمكان هو المخيم. في المساء يعودون من العمل. يزيلون عن أنفسهم رائحة التراب، وعن وجوههم ما علق من الغبار، ومن ثم يعيدون تشكيل الشوارع، يتجمعون على زواياها، يتبادلون النميمة والشتائم ويضحكون، يتقاتلون في ما بينهم ويقاتلون الآخرين، يتفاخرون بالانتماء إلى المخيم: بسيطون وقانعون.. ويحلمون ببيت صغير وزوجة.. وينتظرون طفلا يحمل في ما بعد صفاتهم والاسم فيصبحوا «خالدين»! طفلاً يرث عنهم ما استعصى من أحلامهم، وبعض الذكريات عن قلعة في عكا وبيّارة في يافا. عن صبية ركضوا لاهين في تلك الحقول صار واحدهم في ما بعد جد أحدهم في رحلته عبر السنين.
وفي يوم جديد، يخرج أناس منذ الصباح بألبستهم مُتربين. يتبادلون التحية والشتائم ويذهبون إلى العمل. هُم أناسٌ مثلنا: جميلون وطيبون وثائرون. يأخذون دورهم في الطابور لكي يصبحوا شهداء من أجل قضية ولدت منها قضيتهم. وصاروا لاجئين إلى هذا المكان.. والمكان هو المخيم.
المصدر: الأخبار