القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

المبادرات الفردية تعمّ مخيمات لبنان في شهر رمضان

المبادرات الفردية تعمّ مخيمات لبنان في شهر رمضان
 

الإثنين، 15 آب، 2011

أم أحمد داود، تخرج للتوّ من أحد المخابز في مخيم برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية لبيروت، حاملة بعض الطعام، وقبل أن تصل إلى بيتها، كان عليها أن تمرّ على بيت امرأة عجوز لتقدّم لها بعض الطعام، ثم تنحني، عند قارعة الطريق، لتفعل الشيء نفسه، لكن هذه المرّة كان رجلاً مقعداً هو صاحب الحاجة.

مشهد لا يبدو يتيماً أبدًا في مخيمات اللاجئين في لبنان في شهر رمضان المبارك، حيث صاحب الحاجة يبسط يديه لمن هو أكثر حاجة منه، والفقر لا يلغي التضامن، بل يستدعيه ويضاعفه أحيانًا. من هنا فإن المبادرات الفردية تكثر في شهر الصدقات، لتفتح كوّة أمل في جدار بؤس المخيمات، حيث إن 66.4% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فقراء، أي أنهم عاجزون عن تلبية الحد الأدنى من حاجاتهم الغذائية وغير الغذائية الضرورية (مقابل 35% في أوساط اللبنانيين)، حسب تقرير وكالة الأونروا في نهاية العام الماضي.

إذا كان الفقر يعم مخيمات لبنان، فإن مخيم شاتيلا يبدو وكأنه العنوان الرئيس لهذا الفقر. ومع ذلك لا يبدو أن الفقر كسر من عزيمة الحاج أبو العبد سرّيس، الذي أطلق مبادرة قبل سنوات تهدف إلى تأمين الطعام اليومي للمئات من فقراء المخيم. يقف الحاج الخمسيني في رابطة مجد الكروم في المخيم مستنفر الحواس، يسأل عن كمية الطعام ونوعيته، ويُرشد العمّال إلى ضرورة أن لا ينسوا هذا المسنّ أو ذاك الفقير.

الفكرة انطلقت منذ عام 2000، واستدعتها حالات الفقر التي لا تجد طعامًا كافيًا بعد صيام يومها، كما يقول سرّيس. بدأ المشروع بإطعام عدد قليل من الناس إلى أن وصل إلى ذروته هذا العام. أكثر من 75 عائلة تأتي يومياً إلى مركز الرابطة حاملة الأواني والصحون لتعود إلى بيتها بشتى أصناف الطعام. فقراء هم، يأتون على استحياء، ولا يملكون لفاعلي الخير سوى الدعاء.

من لا يستطيع القدوم إلى المركز لإعاقة أو لتقدّم في السنّ أو غير ذلك، فإن مجموعة من الشباب المتطوعين يُوصلون الطعام إلى بيته، ويتجاوز عدد هؤلاء المعوزين العاجزين عن القدوم المائة شخص. متطوّعون قرروا أن يمارسوا عبادتهم في رمضان من خلال هذا العمل، كما يقولون.

اقترب موعد أذان المغرب، فبدأت تتوافد مجموعات من الأطفال، هم جزء من حوالي 100 طفل يتيم ومعوز يأتون يومياً إلى مركز الرابطة لتناول الإفطار. يطرحون السلام على الحاج، الذي يبادلهم الابتسامات.

يسأل الحاج أبو العبد أحدَ المتطوعين إن كان قد أرسل 50 وجبة غذائية إلى "مركز الشيخوخة النشطة" في مخيم برج البراجنة، فيجيبه بالإيجاب. إلى جانب العدد الكبير من المتطوّعين، هناك حوالي ثلاثين عاملاً يطبخون ويعملون في المشروع، لقاء راتبٍ شهري، أي أن المشروع يعيل ثلاثين عائلة في المخيم.

يخبر الحاج أبو العبد أنه عند بداية شهر رمضان "لم يكن بحوزتنا غير تغطية تكاليف أربعة أيام، ولكن عند الشروع في أول إفطار بدأت التبرّعات من أهل الخير، وحتى البسطاء من أهالي المخيم". وقبل أن يكمل سرّيس حديثه كان أحدُهم يجرّ عربة خضار وعليها ثلاثة أكياس من الأرز، زنة كل واحد خمسون كلغ. "إنه أبو محمد، ليس بميسور الحال، ومع ذلك يأبى إلاّ أن يبادر في هذا المشروع"، يقول الحاج أبو العبد.

أبى المبادر إلى المشروع إلاّ أن نشاركه طعام الإفطار وسط الأطفال. استجبنا لطلبه، خاصة أن إلحاحه كان قبل أيام من قدومنا. طعام يليق بتكريم الفقراء، ولا ينتقص من حقهم بالاستمتاع بمباهج الحياة. جوّ البهجة كانت ذروته مع مسابقة دينية بعد تناول طعام الإفطار، وهذه المسابقة أسبوعية، ثم وُزّعت الهدايا على حوالي 25 طفلاً. وقبل أن يذهب الأطفال يسألهم الحاج عن نوع الطعام الذي يرغبون للمرة القادمة.

مبادرة الحاج أبو العبد سرّيس ليست وحيدة في مخيمات لبنان، لكن قد تكون الأكثر تعبيرًا عن تضامنٍ يحكي قصة سرّ بقاء فلسطينيي لبنان رغم الفقر والقوانين المجحفة.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام