القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

المجتمع المدني.. انفتاح "خجول" من "عين الحلوة" الى كسروان

المجتمع المدني.. انفتاح "خجول" من "عين الحلوة" الى كسروان
 

الخميس، 19 نيسان، 2012

أفرزت السيطرة التي مارستها الفصائل الفلسطينية المسلحة في سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي على الوضع الفلسطيني في لبنان، عسكرة للمجتمع الفلسطيني، الذي كان محظورا عليه رسميا قبل ذلك اقامة احزاب سياسية أو نقابات مهنية أو منظمات اجتماعية، وبالتالي غابت منظمات المجتمع المدني المستقلة، واستعيض عنها بمنظمات "جماهيرية" تابعة لتلك الفصائل وتنفذ سياساتها من خارج السياق جاءت بالمنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) التي فتحت طريقا بين "عين الحلوة" وكسروان عبر اجتماعات مع الشباب اللبناني وخصوصا المسيحي، ومع الأحزاب المسيحية، حيث فاجأ الجنرال ميشال عون وفد المنظمة بأنه ليس ضد تجنيس الفلسطينيين لكن عبر القانون.

لم تظهر ان هيئات ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية المستقلة سوى في العام 1997 عندما اتفق ثلاثة شبان على انشاء منظمة من خارج سلطة الفصائل فكانت فكرة "المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان" التي طورت نفسها وبقيت المنظمة الحقوقية الوحيدة على مدى سنوات، والأكثر بروزا الى الآن.

وكونها مبادرة في اطلاق مسار منظمات المجتمع المدني المستقلة، بادرت في فتح حوار مع الأحزاب المسيحية ومع الشارع المسيحي، فالتقت "حقوق" برئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وبرئيس "التيار الوطني الحر" ميشال عون، وبالقيادي الكتائبي الوزير السابق سليم الصايغ، وكان في حينه نائبا لرئيس الحزب، وما لفت وفد المنظمة أن الجنرال عون لم يرفض مسألة تجنيس الفلسطينيين، لكنه اشترط ان يتم ذلك عبر القانون.

غسان عبد الله: شعرنا بازدواجية في موقف الجنرال

عون يؤكد أنه ليس ضد التجنيس ولكن عبر القانون

يقول المدير العام للمنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان "حقوق" غسان عبدالله: "نحن في المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان وفي سعينا لإحقاق حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والكرامة الانسانية وحق العمل وحق التملك، كان لا بد ان نعقد اجتماعاً فلسطينياً موسعاً لتوحيد الرؤيا وان يكون هناك عمل جماعي لتفكيك العقبات الذاتية التي تعرقل العمل معا لتحقيق تلك الحقوق، وبمعنى آخر العمل على ترتيب البيت الداخلي كي لا يكون الانقسام أو الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني، ذريعة لمنع الفلسطينيين من نيل حقوقهم المشروعة".

وقد عقد اللقاء الفلسطيني الموسع من 30 أيلول (سبتمبر) إلى 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، وجاء ذلك بعد ان اجرت "حقوق" اتصالات وزار موفدوها عدة احزاب وجهات لبنانية وخصوصا المسيحية، "لأن الأطراف المؤيدة للحقوق الفلسطينية مثل "حزب الله" وتيار "المستقبل"، كانوا يطلبون منا دائما ان نتوجه نحو حلفائهم المسيحيين للتحاور معهم، كون الحلفاء هم من يتوجّسون من قضية الحقوق"، كما يقول عبدالله، ويضيف: "وفي هذا السياق زرنا القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر (العونيين) في أواخر العام 2005. تلك الزيارات لم تتم في مرحلة واحدة، انما تباعدت احيانا، تبعا للتطورات التي كان يعيشها لبنان في عامي 2005 و2006".

وحول مضامين اللقاءات وما خرجت به "حقوق" من استنتاجات، يقول المدير التنفيذي للمنظمة: "التقينا مع رئيس اللجنة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، وكان لقاءً جيدا جدا ودام اكثر من ساعة ونصف ساعة وتطرقنا خلاله الى اوضاع اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم حول العمل والتملك على وجه الخصوص، ولمسنا تفهما من الدكتور جعجع خصوصا ازاء مسألة حق العمل لكن مع تسجيله بعض التحفظ على حق التملك. كانت في تلك السنوات تطرح بشكل واسع مسألة ان المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية الارجح ان تخرج بنتائج وغالبا ان الفلسطينيين سيعودون الى دولة فلسطينية في الضفة وغزة، شرحنا ان مسألة العودة لفلسطينيي لبنان ليست بتلك السهولة، اذ انهم اساسا ليسوا من تلك الاجزاء من فلسطين، وحتى لو تم التوصل الى حل، فإن مسألة اصدار جنسيات فلسطينية لهم والعودة ليست بتلك السهولة".

يتابع: "ما يمكن ان يسجل بالنسبة للقوات اللبنانية اننا كنا نسمع الموقف ذاته من كل القيادات ومن القاعدة على حد سواء: تفهمهم لحق العمل وتحفظهم على حق التملك، ما عنى بالنسبة لنا ان القوات اللبنانية منسجمة في مواقفها، وبالتالي قد يكون الحوار معهم اسهل واكثر انتاجية اذا استمرت اللقاءات. هذه الملاحظة توصلنا اليها من خلال اللقاءات مع القيادة، ثم اللقاءات مع الشباب والطلاب من القوات اللبنانية وذلك في سياق لقاءات نظمناها مع القواعد الطلابية والشبابية المسيحية".

وبشأن الزيارة التي قام بها وفد "حقوق" لرئيس "التيار الوطني الحر"، يوضح عبدالله: "زرنا الجنرال ميشال عون، في 17 أيلول (سبتمبر) 2007 بعد فترة طويلة، وكنا قررنا تأجيل الاتصال به قبل ذلك للقائه بسبب مواقف الجنرال وقيادات تياره التي كانت عدائية جدا ازاء الفلسطينيين وحقوقهم. ما سمعناه من الجنرال كان مفاجئا لنا ومحيرا.. سمعنا كلاما جميلا حول الفلسطينيين وحقوقهم ومخالفاً تماماً لما يدلي به هو ومسؤولو تياره في الاعلام، وقد برّر عون هذه الازدواجية في المواقف بين المعلن في الاعلام والذي ابلغنا اياه، بالقول: لا تأخذوا الكلام الذي تسمعونه في الإعلام بأنه موجه ضد الفلسطينيين، فأحيانا يكون هناك تجاذب ما بيني وبين السفير الأميركي أو بيني وبين رئيس الحكومة أو سياسيين اخرين من الطرف الآخر"، وانه يوجه بتلك التصريحات "رسائل الى هؤلاء" وليس الى الفلسطينيين".

في الاستنتاجات ان عون كان متفهما "لموضوع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبالنسبة لموضوع التوطين، الذي كان وما زال يلوح به، قال انه في المبدأ يرفض التوطين لمصلحة الفلسطينيين، وكي لا تتجنس مجموعة كبيرة منهم ويفرض التوطين على الفلسطينيين واللبنانيين فرضا، لكنه اضاف انه ليس ضد ان يتجنس فلسطينيون عبر قانون تجنيس عادل اي ان يتقدموا كأفراد بطلب التجنيس وفق القانون واذا تجنسوا فلا بأس. هذا شكّل مفاجأة كبيرة لنا في الحقيقة".

أما بشأن حزب "الكتائب" الذي زاره وفد "حقوق" في2 حزيران (يونيو) 2009 والتقى نائب الرئيس في حينه الدكتور سليم الصايغ الذي عين لاحقا وزيرا للعمل، "كان اللقاء ايجابيا جدا، ولمسنا تفهما لدى المكتب السياسي لحزب الكتائب لمسألة حقوق الفلسطينيين، لكن لمسنا ايضا عدم وجود وحدة في الموقف بين المكتب السياسي للكتائب والقيادة وبين القاعدة الحزبية خصوصا الشبابية، التي التقينا بممثلين لها خلال اللقاءات الشبابية اللبنانية ـ الفلسطينية التي نظمناها. فكان يتوجب عملا اصعب ويحتاج مدة اطول في التوصل الى قواسم مشتركة مع القاعدة الكتائبية، بخلاف النسق القيادي للحزب الذي يتفهم اكثر مسألة الحقوق، بل ان هناك في القيادات الكتائبية من كان يدعم اعطاء كل الحقوق التي تنص عليها شرعة حقوق الانسان، بالطبع مع الحفاظ على مسألة رفض التوطين".

بعد اللقاء مع جعجع وعون نظمت "حقوق" لقاء حول "حق العمل" في 28 تشرين الثاني 2008، وقد كانت المرة الأولى التي تحضر فيها جهات مسيحية ورشة عمل تنظمها جهة فلسطينية وتناقش المسألة عبر مداخلات مكتوبة كان فيها ايجابيات وهواجس، فضلا عن تنظيم لقاءات شبابية لبنانية ـ فلسطينية كي يتم رصد هواجس الشباب من الطرفين ايضا.

يقول عبدالله: "المفاجأة خلال اللقاءات الشبابية الفلسطينية ـ اللبنانية التي نظمناها، كانت ان الكتلتين المتواجدتين لم تكونا لبنانيين ضد فلسطينيين انما فلسطينيين ولبنانيين ضد لبنانيين وفلسطينيين بناء على الاصطفافات اللبنانية الداخلية والفلسطينية الداخلية المبنية على المؤثرات الاقليمية. فكان شباب 14 اذار اللبنانيين متحالفين مع "منظمة التحرير" وشباب 8 أذار متحالفين مع التحالف الفلسطيني الموالي لسوريا".

كما ان اللافت في تلك المحاولة الجريئة وغير المسبوقة، زيارة وفد من الشباب المسيحي الى مخيم عين الحلوة، وزيارة وفد من الشباب الفلسطيني الى كسروان، حيث تفاجأ كل طرف بأن المنطقة الأخرى ليست عدوة كما تصور لهم الصورة النمطية المطبوعة في مخيلة الجانبين.

لم تكن مسألة الاتصالات التي أجرتها "حقوق" سهلة، فعلى سبيل المثال كان لقاء المنظمة مع جعجع الأول الذي تقيمه جهة فلسطينية معه بشكل علني ورسمي، بعد خروجه من السجن. يقول عبدالله: "بعد اللقاء ثارت ثائرة الجميع على المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان وعلي شخصيا (...) الرد الاكثر سلبية باتجاهنا جاء من خلال التحالف الفلسطيني الموالي لسوريا حيث خُوِّنا وهددنا وانا تحديدا بالسجن والقتل، وتعرضت لمحاولة خطف من قبل احد التنظيمات الفلسطينية بقصد نقلي الى سوريا. الجهة الاخرى التي استاءت من لقائنا بالدكتور جعجع كانت منظمة التحرير الفلسطينية، لكن ليس استياء من مبدأ اللقاء، انما لأننا الجهة التي بادرت وليست المنظمة التي تعتبر حالها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. بالطبع نحن لم نلتقِ "القوات اللبنانية" كجهة سياسية، وهذا اوضحناه للجميع. موقف المنظمة كان متحفظا فقط تبعا لهذا المنطق، لكن ليس مهددا ولا متوعدا".

ويعتبر عبدالله انه "بشكل عام المواقف اللبنانية من حقوق الفلسطينيين بعضها يندرج في سياق القناعات معارضة أو داعمة للحقوق وبعضها في سياق المزايدات والمناكفات والمماحكات الداخلية التي يستخدم الفلسطيني فيها، وهو الحلقة الأضعف الآن في لبنان (...) لمسنا من خلال لقاءاتنا مع السياسيين وخصوصاً المسيحيين ان الكثير منهم يتفهم ضرورة ان ينال الفلسطينيون حقوقهم، لكن لديهم مخاوف وهواجس ويريدون ان يخطوا خطوة الى الأمام، لكن لا يقومون بذلك ويبقون بالتالي في مكانهم. ايضا لمسنا، خصوصا لدى التيار الوطني الحر (العونيين)، انفصاما بين ما نسمعه في الغرف المغلقة وما يقال على المنابر الاعلامية".

ويلفت مدير "المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان" الى ان "الجنرال عون ونوابه كانوا عقبة حقيقية في مسألة اطلاق عملية الاعمار في مخيم نهر البارد، وقد عملوا جاهدين الى منع الاعمار، وأخّروه كثيرا (...) وفي موضوع حق العمل ايضا، من يراجع تصريحات الجنرال عون ونوابه ووزرائه، يرى كم انهم كانوا معارضين لذلك".

لكن المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان لا تبدو متشائمة، وهي ترى ان الأمور لا بد ان تسير بشكل ايجابي في المستقبل، وفي هذا السياق يقول عبدالله: "انا ارى ان العمل من خلال آلية حقوق الانسان هو عمل تراكمي لا ينتبج سريعا، لكن انتاجه يكون عميقا وفاعلا".

لقد ساهمت المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، الى جانب اخرين في المجتمعين المدني والسياسي، في نقاش ومتابعة العديد من الملفات، مثل تعديل قانون العمل الذي توحدت هيئات المجتمع المدني الفلسطيني حوله وعقدت عشرات اللقاءات والاجتماعات والاتصالات بالكتل النيابية والوزراء في مختلف الخلوات وكتابة المذكرات للحكومات وحملات التوعية من خلال اللقاءات المباشرة أو عبر الاعلام.

يقول غسان عبدالله: "اعتبرنا ان تعديل قانون العمل يعد انجازا حتى وان لم يكن بالمستوى الذي اردناه حيث لا يزال الفلسطينيون ممنوعون من العمل في ما يطلق عليه في لبنان اسم المهن الحرة مثل الهندسة والطب والصيدلة وغيرها من المهن المنتظمة في نقابات خاصة. فعلى الرغم من قصور التعديل، الا انها كانت المرة الاولى التي يتطرق فيها القانون اللبناني الى الحقوق المدنية للفلسطينيين".

ويشير الى ارسال العديد من المذكرات الى مختلف الحكومات اللبنانية اما باسم المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان أو بشكل مشترك مع هيئات المجتمع المدني الفلسطيني الاخرى، أو من خلال هيئات اقليمية أو دولية مثل الشبكة العربية للتنمية "التي اشتركنا عبرها في ارسال مذكرة الى الرئيس نجيب ميقاتي عندما ألَّف الحكومة اللبنانية الاخيرة".

يعتبر مدير المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، ان الحكومات التي جاءت بعد العام 2005، عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، "بدأت تتعامل بجدية مع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وان ليس بالشكل المنصوص عليه في شرعة حقوق الانسان، ولم يعد بالتالي التعاطي مع الفلسطيني في لبنان مقتصراً على الجانب الأمني". ويشير إلى ان "البداية كانت مع حكومة السنيورة الأولى حيث تم تأليف لجنة وزارية زارت المخيمات وخصوصا مخيم عين الحلوة وصرح في حينه عدد من الوزراء ممن شاركوا في الزيارة بأن وضع المخيمات لا يحتمل وان على لبنان تغيير هذا الواقع. وتعاملت حكومة الرئيس السنيورة الثانية في بيانها الوزاري مع حقوق الفلسطينيين في البيان الوزراي، وكذلك حكومة الرئيس سعد الحريري، وايضا حكومة الرئيس ميقاتي".

وفيما يشير غسان عبدالله الى اتصالات تمت ولا تزال جارية في اطار مجلس النواب اللبناني وعبر الآليات المحلية والدولية لحل مسألة الحقوق الفلسطينية، يقول "للأسف في لبنان التركيبة الطائفية الموغلة في التفاصيل السياسية هي السبب الرئيسي في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، فيما المصلحة الاقتصادية والاخلاقية والانسانية، تلزم لبنان باعطاء الحقوق لمجموعة من الناس مقيمة على ارضه بغير ارادته أو ارادتهم".

المصدر: أنيس محسن – المستقبل