المخيمات «تنتفض» على الجيش
الثلاثاء، 19 حزيران، 2012
التوتر المخيّم على البلاد من جنوبها إلى شمالها، انتقل إلى المخيمات الفلسطينية. كأن الدم المراق بسهولة مفرطة في الشوارع اللبنانية لم يكن ينقصه سوى دم فلسطيني إضافي، لكي لا تبقى في لبنان بقعة آمنة. في تشييع قتيل مخيم نهر البارد، قتل شاب أمس، غضبت له كل المخيمات..
عادت المخيمات إلى الواجهة مجدداً، لا من باب الإضاءة على حقوقهم الاجتماعية أو الانسانية المزرية في المخيمات، بل من باب الدم. يوم أمس، «انتفضت» المخيمات الفلسطينية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، جزئياً. عبّر أهلها عن غضبهم بعد مقتل شاب في مخيم نهر البارد أمس، خلال تشييع شاب قتل قبل أيام برصاص الجيش في المخيم ذاته. وفي خلفية التحركات، غضب من ممارسات الجيش على مداخل البارد، ولا سيما سياسة التوقيف على الحواجز وتفتيش جميع المارين، ومنع من لا يملك تصريحاً من دخول المخيم. هذا الغضب تفجّر جزئياً يوم 15 حزيران الجاري، بعد مقتل أحمد قاسم في المخيم، برصاص الجيش. أبناء البارد افترشوا الطرقات، وطالبوا بتحقيق شفاف لكشف ملابسات الحادث. دم قاسم كان الباب ليطالبوا بإلغاء التصريحات التي يحتاجون اليها للدخول إلى المخيم والخروج منه. الجيش اللبناني، من أجل تهدئة الوضع وبعد اجتماعه بمسؤولي الفصائل في بيروت، قرر تخفيف الإجراءات، بينما وعد مسؤولو الفصائل بفض الاعتصام وفتح طرقات المخيم. لكن خلال تشييع أحمد قاسم، سقط شاب فلسطيني، هو فؤاد محيي الدين لوباني، وذلك بعد إطلاق الجيش النار على مجموعة من أبناء المخيم طوّقت مركزاً للجيش ورشقته بالحجارة، رغم الاتصالات التي أجريت بهدف احتواء الأزمة ومنعها من التفاقم. ويقول أحد مسؤولي الجبهة الشعبية إن «الفصائل في المخيم وضعت مستوعبات حديدية وجرافات وعناصر للفصل بين المشيّعين الموجودين في المقبرة وعناصر مركز الجيش الملاصق للمقبرة». يضيف أنه عندما «وصل المشيعون إلى جبانة خالد بن الوليد، وبعد الدفن، رشق بعض المتحمسين عناصر المركز بالحجارة، ما دفع الجيش للرد بإطلاق نار عليهم».
هكذا، تطورت الامور في البارد وفلتت الامور من أيدي المسؤولين الفلسطينيين الذي كانوا بأغلبهم يؤكدون أن الامور تسير نحو التهدئة مع الجيش اللبناني بعدما وعدت قيادته «بوقف العمل بالتصاريح في أول شهر تموز». إضافة إلى حضور والد الفتى من رام الله بعد لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهدف تهدئة النفوس. لكن بعد سقوط قتيل ونحو 20 جريحاً نقلوا إلى مستشفيات البداوي تبدّلت الاحوال في المخيم، فتدافع سكانه نحو حواجز الجيش يريدون اقتحامها. من جهتهم، حاول مسؤولو الفصائل الذين كانوا موجودين على الارض تهدئة النفوس. فشكلوا خطوط دفاع عن الجيش ضمّت فاعليات المخيم ووجهاءه وكبار العمر فيه، «لكن الشباب المندفعين تجاه الحواجز أوقعونا أرضاً»، يقول مسؤول فلسطيني في البارد. وقد قام هؤلاء الشباب بقطع طرقات المخيم بالإطارات المشتعلة وافترشوا الارض لمنع دخول آليات الجيش، كما ألقى بعضهم زجاجات مولوتوف على الآليات الموجودة فأحرقوا آلية عسكرية للجيش من نوع هامفي.
بعد البارد، انتقلت الازمة إلى أكبر المخيمات الفلسطينية، أي في عين الحلوة. هناك قامت مجموعة شبابية بمسيرات داخل أزقة المخيم وحاولت الوصول إلى حواجز الجيش فردها عناصر الكفاح المسلح. وألقى بعض الشباب الحجارة على حاجز للجيش في منطقة التعمير. وفيما أكدت مصادر فلسطينية وعسكرية لبنانية أن الجيش لم يطلق النار، تعرض الشبان لرشقات رصاص أدت إلى إصابة شاب في رقبته وجرح 4 آخرين. واختلفت المصادر الفلسطينية في تحديد مطلق النار، رغم تأكيدها انه ليس من الجيش. وبعد هذا الإشكال تداعت فصائل التحالف ومنظمة التحرير والقوى الاسلامية إلى اجتماع في جامع النور لبحث تطورات الامور، فأكد أحد الحاضرين أنهم اتفقوا على أن المخيم سيحافظ على سياسة «النأي بالنفس» تجاه الاحداث التي تجري في لبنان، مشددين على أن «المخيمات لن تكون ضد الجيش اللبناني». ويقول مسؤول بارز في فتح إن «الكفاح المسلح ممسك بالأرض وسيمنع التصادم مع الجيش، كما أكد الإخوة في عصبة الأنصار أنهم سيمنعون التصادم مع الجيش في منطقة التعمير».
وأثمرت الاتصالات بين الجيش والفصائل إلى نزول مقاتلي «عصبة الانصار» الذين «كان لهم الفضل في الفصل بين الجيش والاهالي في منطقة التعمير». هكذا، استمر التوتر بالتنقل من مخيم إلى آخر، إذ بعد مخيم نهر البارد وعين الحلوة انتقل التوتر إلى مخيم الرشيدية الذي خرج أهله ورشقوا حاجز الجيش بالحجارة وأطلقوا النار على الدشم، ما أجبر عناصره على الانسحاب منه.
من جهته، يقول مسؤول الجبهة الشعبية في الشمال عماد عودة إن مسؤولي المخيم الذين «يدركون أبعاد زج المخيم في أتون الصراعات السياسية الدائرة في لبنان عامة والشمال بشكل خاص»، قاموا «بعملية توعية خلال الأيام الماضية لدرء المخيم عن الصراعات الموجودة». وتناول عودة في هذا السياق الزيارة التي قام بها وفد من مشايخ عكار ضمّ قرابة أربعين رجل دين «لتعزية أهالي المخيم والتضامن معهم»، لكنه أكد إجماع أهالي المخيم على رفضهم «الربط بين حادثة الكويخات (مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه في أيار الماضي) وما جرى في المخيم»، الأمر الذي جرى التعبير عنه من خلال مقاطعة الحاضرين مباشرة لكلمة ألقاها أحد المشايخ، ومما جاء فيها «امتزج دمنا مع دمكم، فقتل عندنا الشهيد الشيخ أحمد ورفيقه، الغادر واحد والظالم واحد».
وقد أصدرت قيادة الجيش بياناً تحدّثت فيه عن إقدام «بعض المتضررين والمندسّين على رشق مركز الجيش في موقع صامد في مخيم نهار البارد بالحجارة وبقنابل المولوتوف، ما أدى إلى إصابة ثلاثة عسكريين بجروح مختلفة وإحراق آلية عسكرية وجزء من مبنى المركز المذكور، كما حاول بعضهم دخول المركز عنوة، ما دفع عناصره إلى التصدي لهم بأسلحة مكافحة الشغب والقنابل المدخنة والرصاص المطاطي، ثم بإطلاق عيارات نارية بعد إصرارهم على اقتحامه، وقد نجم عن ذلك سقوط عددٍ من الإصابات في صفوف المعتدين».
المصدر: قاسم س. قاسم - الأخبار