المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يحذر من المساس بحق العودة للاجئين الفلسطينيين
الجمعة، 09 أيلول 2011
مع اقتراب الموعد المحدد لتوجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية والانضمام لعضوية المنظمة الدولية، تتزايد الضغوط الأميركية على القيادة الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى لحملها على التخلي عن مسعاها، في ظل تهديدات بوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية. أما إسرائيل فقد جندت كل إمكانياتها الدبلوماسية لإقناع واستمالة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمعارضة التوجه الفلسطيني وإفشاله، مشددة على أن الطريق إلى الدولة الفلسطينية (التي سبق وأن أبدت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على إقامتها وفقاً لرؤية الرئيس الأميركي أوباما) لا يكون إلا عبر المفاوضات المباشرة، وأن لا طريق غير ذلك.
أما القيادة الفلسطينية، التي استنفذت أكثر من (20) عاماً في المفاوضات مع إسرائيل برعاية أميركية، دون أن تحقق أي تقدم ملموس لجهة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية في الأرض المحتلة عام 1967، فتبدو أكثر إصراراً من أي وقت مضى على التوجه للأمم المتحدة. فخيار المفاوضات المباشرة وصل إلى نهاية مغلقة، ولم يتبق من تبعاته سوى الوقائع الاستيطانية التي كرستها إسرائيل على الأرض بالتزامن مع عملية السلام نفسها. وتتزايد القناعان الفلسطينية بأن الاستمرار في المفاوضات وحدها على هذا النحو لن يبقى ما يمكن التفاوض عليه، وستكون إسرائيل قد ابتلعت نحو 58% من مساحة الضفة الفلسطينية مع استكمال إقامة جدار الضم، فيما بقية أراضي الضفة الفلسطينية عبارة عن معازل غير متصلة، لتنتهي بذلك أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
إن قرار القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة هو قرار سياسي، ونحن ندعمه ونؤيده. ونرى أنه قد آن الأوان للقيادة الفلسطينية، مدعومة بالجامعة العربية والدول العربية والإسلامية والصديقة، لأن تدفع القضية الفلسطينية في صدارة أولويات المجتمع الدولي، لا أن تبقى رهينة للتفرد الأميركي ـ الإسرائيلي.
إن المطلب الفلسطيني بالسعي نحو اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة هو مطلب مشروع وقانوني، مستمد من الحق الأصيل والأساس لكافة الشعوب في تقرير مصيرها. والحق في تقرير المصير هو حق أساسي أكدت عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، إذ تنص المادة الأولى والمشتركة في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن «لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.«
وعلاوة على قانونية المطلب الفلسطيني ومشروعيته، ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تصر دائماً على الالتزام بتطبيق القانون الدولي كأساس لحل القضية الفلسطينية، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي الذي ينظم في جانب منه سلوك قوات الاحتلال تجاه الأرض المحتلة، ويحرم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
ندرك أيضاً أن الطريق أمام القيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة صعب وشاق، خاصة في ظل الفيتو الأميركي المتوقع إذا ما كان التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن. ولكن تبقى الجمعية العامة جبهة عريضة وواسعة للنضال السياسي الفلسطيني وحشد التأييد الدولي اللازم للموقف الفلسطيني. والجمعية العامة هي الجسم الذي يعبر عن إرادة المجتمع الدولي تعبيراً كاملاً، وهي الهيئة التشريعية التي صدرت عنها كافة مواثيق حقوق الإنسان (بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكلاهما صدرا عام 1966)، وكذلك الاتفاقيات الأربع للقانون الإنساني الدولي (اتفاقيات جنيف لعام 1949).
محاذير ينبغي أخذها في الحسبان ومع تأييدنا الكامل للمبادرة الفلسطينية وسعي الرئيس عباس لنيل اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، فإنه من حقنا ومن واجبنا أن نحذر من عدد من المواضيع التي قد يكون لها انعكاسات خطيرة على القضية الفلسطينية إذا ما اعترفت الأمم المتحدة بدولة فلسطين.
يتعلق المحذار الأساس بالوضع القانوني والسياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة. إن أحد الثمار الأساسية للنضال الفلسطيني على مدى الـ 63 عاماً الماضية كان الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وكحركة تحرر وطني، تحظى منظمة التحرير بمكانة قانونية وسياسية في المنظمة الدولية، حيث تتمتع بصفة مراقب في الجمعية العامة. وتمثل منظمة التحرير الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، سواء في الأرض المحتلة أو الشتات، وهي الحاضنة والمظلة السياسية والقانونية لتمثيل الفلسطينيين وحقوقهم غير القابلة للتصرف، بما فيها حق اللاجئين في العودة لديارهم التي طردوا منها عام 1948.
والسؤال المركزي هنا هو: بعد إعلان الدولة، هل ستبقى منظمة التحرير بصفتها القانونية والسياسية ممثلاً للشعب الفلسطيني، وتحديداً اللاجئين الفلسطينيين أم لا؟ إن المطلوب من القيادة الفلسطينية هو الإجابة على هذا السؤال بكل وضوح ودون أي لبس، بشكل قانوني بعيداً عن الخطاب السياسي. هذا مع إدراكنا التام لحقيقة أن القرار الأممي رقم 194 لعام 1948 الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين وكذلك قرار إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هما سابقين لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية.
إن الاعتراف بدولة فلسطين سيعني انتهاء الصفة القانونية والسياسية لمنظمة التحرير في الأمم المتحدة، أي إلغاء صفة المراقب للمنظمة والاكتفاء بعضوية دولة فلسطين في الجمعية العامة. ذلك أنه من غير المنطقي أن يكون للفلسطينيين جسمين تمثيليين في الأمم المتحدة.
إن الاعتراف بالدولة يعني حصراً اعترافاً بتحديد الشعب ككيان سياسي وقانوني في نطاق إقليم الدولة وهو يشمل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، أي الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة. أما اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في الشتات، فليسوا جزءاً من هذا التحديد القانوني والسياسي للشعب، أي أنه لن يكون بمقدور الدولة الفلسطينية أو الحكومة التي تتشكل فيها أن تمثل اللاجئين الفلسطينيين.
إن على القيادة الفلسطينية إدراك هذه المخاطر الجدية والإستراتيجية حول مكانة منظمة التحرير القانونية والسياسية وعلاقتها بقضية اللاجئين، وعليها أن تتخذ من الخطوات السياسية والقانونية ما يمنع الانزلاق في تداعيات ذلك، ويضمن التأكيد على أن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948، اي إلى داخل دولة إسرائيل وليس في الدولة الفلسطينية المنوى طلب الاعتراف بها. إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة هو حق فردي وجماعي غير قابل للتصرف وفقاً لقواعد القانون الدولي.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية واضحة وصارمة من قبل القيادة السياسية الفلسطينية تضمن حق اللاجئين الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة خلال سعيها السياسي المشروع لتحقيق الاستقلال ونيل الاعتراف الأممي بدولة فلسطين
المصدر: وكالات