القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

المناطق المتاخمة للمخيمات: لا خدمات مدنية أساسية والدولة والأونروا تعتبرانها خارج مسؤوليتهما

المناطق المتاخمة للمخيمات: لا خدمات مدنية أساسية والدولة والأونروا تعتبرانها خارج مسؤوليتهما

الأربعاء، 16 آذار 2011
مادونا سمعان - السفير

على مساحة العشرة آلاف وأربعمئة واثنين وخمسين كيلومتراً مربعاً، هناك مناطق أكثر بؤساً من المخيمات الفلسطينية الإثني عشر التي تعترف بها الدولة اللبنانية مناطق لسكن الفلسطينيين. ففي ما يعرف بـ»المناطق الرمادية»، وهي المناطق المتاخمة لتلك المخيمات وغيرها من التجمعات الفلسطينية غير المعترف بها، حالة تفوق البؤس والفقر... هناك ارتأت مجموعة من اللاجئين التوسع لضيق المكان في المخيمات، فإذا بها تحكم على نفسها بضيق العيش، بعد أن اختارت بقعا لا تقع تحت مسؤولية أحد، ولا يمكن أن تؤمن لمن يشغلها سوى الهواء الذي يمرّ من فوقها.

لسكانها مطالب تكاد تكون أكثر أولوية من مطالب العمل والتأمين الصحي ومختلف الحقوق المدنية التي يطالب بها اللاجئون الفلسطينيون. فمطالبهم تبدأ من المياه والكهرباء... أي من أولويات الحياة.

لم تشكل «المناطق الرمادية» محوراً لدراسات متقدمة على الرغم من شدة البؤس الذي ترزح تحته، ولا حتى شكلت محور اهتمام أي من الجهات لإيجاد إطار يشرّع العمل داخلها وإلحاقها ،على الأقل، بما يسري من قوانين أو أعراف في المخيمات الفلسطينية.

قبل أسابيع أصدر «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و»برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية» ما عنوناه «استطلاع المناطق الرمادية: الوصول إلى الخدمات المُدنية الأساسية في المناطق المحيطة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان». درسا من خلاله كيفية وصول سكان «المناطق الرمادية» إلى الخدمات المدنية الأساسية. وقد اقتصرت الدراسة على تلك المتاخمة للمخيمات والتي تعتبر امتداداً لها، كما عالجت خمس مسائل أساسية للحياة: المياه، الصرف الصحي، إدارة النفايات الصلبة، الكهرباء، والطرق (البنى التحتية). وقد خلصت إلى أنه ما مسؤول عن تأمين تلك الأساسيات إلى هؤلاء السكان، وأن الطرق والوسائل المعتمدة لتأمينها ليست خطأ فحسب بل البيئة والسلامة العامة فيها معرضة لخطر شديد.

انطلقت الدراسة من تعريف عام لـ»المناطق الرمادية»، وهي «التجمعات التي تضمّ على الأقل 25 مسكناً حيث يتمتع السكان بميزة خاصة». فوجدت ان هناك 42 تجمعاً (7 في البقاع، 7 في الشمال، 5 في جبل لبنان وبيروت، 11 في صيدا و12 في صور وجنوب لبنان). لتشمل فقط ما هو امتداد للمخيمات بحدودها الرسمية والتي تسمى «المناطق المتاخمة».

وجدت الدراسة أن عدد المناطق المتاخمة هو اثنتي عشرة منطقة (2 متاخمة لمخيم البداوي، 1 لنهر البارد، 1 لمية ومية و8 لعين الحلوة). وقد تشكّلت خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين العامين 1975 و1990. بعد أن اضطر الفلسطينيون إلى اللجوء إلى تلك التجمعات إما هرباً من القصف أو بفعل تهديم بعض المخيمات، أو بسبب ارتفاع عدد السكان فيها.

يقدّر عدد الوحدات السكنية في تلك المناطق بـ6727 وحدة وعدد سكانها بـ35653 وهذا بعد أزمة نهر البارد. وهي قد تحوي سكانا غير فلسطينيين، لا سيما لبنانيين.

وأوضحت الدراسة أن ملكية المناطق المتاخمة «معقدة ومتشعبة»، فمعظمها بني على أراض عامة شاغرة أو قطع أرض لبعض اللبنانيين. فيما اشترى بعضها الآخر فلسطينيون ولكن من دون تسجيلها في الدوائر الرسمية مكتفين بعقود لدى كتاب العدل أو بيع شفهي. وهي حالات سجلت في المناطق المتاخمة لمخيم نهر البارد وأجزاء من حي الصحون وجبل الحليب المتاخمة لمخيم عين الحلوة.

ففي محيط نهر البارد تم شراء الأراضي وبناء مساكن عليها من دون رخص بناء. اما في جبل الحليب وحي الصحون فقد تمّ شراء المساكن من لبنانيين من دون تسجيلها رسمياً.

وتشكّل المناطق المتاخمة في غالبيتها امتدادات جغرافية للمخيمات. فهي تنفصل عن مخيمي نهر البارد والبداوي بطرق فرعية داخلية. بينما تبدو أكثر متداخلة في عين الحلوة والمية ومية.

من الناحية الأخرى تبدو المناطق المتاخمة منفصلة تماماً عن محيطها من القرى والبلدات باستثناء البداوي. وهو فصل ترسمه طبيعة المناطق الجغرافية أو الطرق والحدود الأمنية التي تنشئها وحدات الجيش اللبناني. على غرار الفواصل الإسمنتية والأشرطة الشائكة التي تحيط بمخيمي نهر البارد والمية ومية وأجزاء من مخيم عين الحلوة.

كذلك تحتكم المناطق المتاخمة إلى نقاط تفتيش للجيش اللبناني أو لمنظمة التحرير الفلسطينية عند المداخل التي تفصلها عن المخيمات. في حين أن الدخول إلى مخيم نهر البارد يتطلب إذناً خاصاً من الجيش اللبناني.

يعيش الفلسطينيون في المناطق المتاخمة الأوضاع المعيشية نفسها كما فلسطينيو المخيمات، بحسب معدي الدراسة. فهم في مسائل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية يتلقون الدعم من «الأونروا» كما من الجمعيات المدنية العاملة في المخيمات. الا أنهم يعانون من مشاكل كبرى في كل ما يتعلّق بخدمات البنى التحتية الأساسية التي لا توفرها لهم لا البلديات المحلية ولا الوكالة. وهم بالتالي يعتمدون على أساليب بديلة غير مشروعة غالباً ما تقترن بمشاكل ومخاطر بيئية وصحية.

يسجّل استثناء واحد لهذه القاعدة، حيث توفر «الأونروا» الخدمات الإنمائية الأساسية في المنطقة المتاخمة لمخيم نهر البارد.

إلى هذا يعيش الفلسطينيون في تلك المناطق في مساكن «هشّة»، ذات أسقف مصنوعة من مادة «التوتياء» خصوصاً تلك التي بنيت بطريقة غير شرعية، والتي لا يمكن استبدالها بأسقف من باطون بحسب القانون اللبناني.

ويدير تلك المناطق لجان محلية تتخذ أسماء مختلفة مثل «لجنة قاطع»، «لجنة حي» و»لجنة شعبية» وهي تتشكل بتوافق أهل المنطقة.

من مهام تلك اللجان إدارة شؤون الكهرباء وأحياناً المياه وذلك كامتداد لعمل لجنة أوسع في المخيمات التي ترتبط بها. وتقوم اللجان المحلية الأساسية بجمع مبلغ مالي شهرياً بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة لبنانية من أهالي المساكن لتمويل قطاعي الكهرباء والمياه. وفي حال استلزمت الأوضاع أشغالا أوسع في هذين القطاعين فإن تلك اللجان تفرض مبالغ أكبر على المساكن وتلجأ إلى اللجان الأوسع في المخيمات لهبات تصرف لهم من خلال «منظمة التحرير الفلسطينية». وقد توسع اللجان الأعمال التي تطال المخيمات لتشمل المناطق المتاخمة.

وتشير الدراسة إلى أن المنظمة ساهمت في تأمين الكهرباء والصرف الصحي وشبكات الطرق لبعض المناطق المتاخمة. كما تلجأ اللجان إلى هبات مادية وتقنية من حركتي « فتح» و»حماس». علماً أن فعالية اللجان المحلية تختلف بين منطقة وأخرى وذلك بحسب علاقاتها مع السياسيين اللبنانيين.

يعتمد سكان المناطق المتاخمة بشكل كلي على تلك اللجان في مجال البنى التحتية، لا سيما ان مناطقهم غير مشمولة بتقديمات «الأونروا» ولا تعتبر الدولة اللبنانية أنها مسؤولة عنها.

بناء عليه، يلجأ سكان المناطق المتاخمة إلى عدّة أساليب لتأمين البنى التحتية الأساسية. أولها عبر الاعتماد على أنفسهم في تمديدها، كالكهرباء والصرف الصحي والطرق...

فمنذ سكنهم في تلك المناطق، يقوم السكان بتمديدها إما بشكل فردي أو بشكل جماعي، وهم يعتمدون بذلك أما على تقنيين يعرفونهم أو على مهاراتهم الشخصية. وفي جميع الأحوال يوصلونها بالشبكات العامة الممدودة إما في المخيمات وإما في المناطق المجاورة. وتشير الدراسة إلى أن الوصل العشوائي لشبكات المناطق المتاخمة بشبكات المخيمات أو المناطق الأخرى غالباً ما يحدث أضراراً فيها.

فالسكان يوصلون شبكات المياه والصرف الصحي عبر الحفر يدوياً ووصل أنابيبهم بشبكات المخيمات والمناطق. وإذا ما ثقبت تلك الأنابيب يلفونها بأشرطة مطاطية أو يبدلونها بأنابيب تكون أحياناً أصغر من حجم الأنابيب المفروض وصلها.

أما في ما يخص الكهرباء فيتم وصلها بشبكات المخيمات والبلديات، وذلك عبر أسلاك غير مغلفة. ويتم استبدال الأجزاء المتضررة منها فقط، في حالات الأعطال، ما يخلف أضراراً في الشبكة العامة وإضعافا لقوة التيار الكهربائي.

وتذكر الدراسة أن تدخل اللجان الشعبية العامة للمخيمات والمناطق المتاخمة يحدّ من الأضرار، كونها تعمل على تأهيل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي بين الحين والآخر وذلك من خلال عمال تصرف لهم مكافأة شهرية تبلغ خمسين ألف ليرة. مع هذا تسجل الدراسة فوارق في مهمات تلك اللجان كما قدرتها على تأمين احتياجات المخيمات والمناطق المتاخمة لها. وتلحظ أن اللجان قد تستعين بمدخرات لجان مخيمات أخرى لتمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى. غير أن ما توفره اللجان سواء في المخيمات نفسها أو باستعانتها بمخيمات أخرى يبقى دون المستوى المطلوب.

وفي ما خصّ المياه، تعاني المناطق المتاخمة من ضعف من حيث الكمية والنوعية التي تزيدها سوءاً الشبكات. علماً أن المياه التي تستعين بها تلك المناطق من المخيمات تخضع لفحوصات مستمرة من قبل «الأونروا» إذا ما كانت هي التي توفّرها. اما تلك التي لا تؤمنها الوكالة فتبقى خارج الفحص الدوري.

يقابل ندرة المياه وسوء نوعيتها، تقنيات غير ملائمة للصرف الصحي ووسائل تفريغ لا تتوافق وأسس الصحة العامة، لا سيما أن الإمدادات الضعيفة التي لا تتلاءم وعدد السكان تصيبها الأعطال بكثرة وتتسبب برشح مستمر للمياه الآسنة. وهي لا تلحق الضرر بالمناطق المتاخمة للمخيمات فقط بل أيضاً بالمناطق والأنهر المحيطة.

قد تلجأ بعض المناطق المتاخمة إلى الحفر الصحية، لكنها تبقيها مفتوحة فتفيض مشكّلة خطراً على الصحة العامة، خصوصاً في فصل الشتاء.

إلى ذلك، لم تخصص أي من الجهات مستوعبات عامة للنفايات الصلبة في تلك المناطق، ما يجعل سكانها يلجأون إلى زوايا المنازل والأزقة لرميها. وفي حال الاستعانة بخدمات خاصة لإزالتها فإنها ترمى في المستوعبات التي تخصصها «الأونروا» للمخيمات أو تلك الخاصة بالبلديات والتي هي أصلاً غير قادرة على استيعاب كمية النفايات المعدة لها.

ولعلّ السوء الذي يعاني منه أهل تلك المناطق في ما خصّ الكهرباء لا يقتصر على التقنين والأعطال فقط، بل يتخطاها إلى تهديد السلامة العامة بوجود أسلاك غير مغلفة ومتدلية لتصل إلى الأرض.

ولا يمكن وصف الفواصل بين المنازل والشوارع بالطرق، بحسب الدراسة لأنها بالتعبير الصحيح هي أزقة إسمنتية في غالبيتها. وقد تم شقها من دون الأخذ بعين الاعتبار مصارف لمياه الأمطار، ما يجعلها تفيض إلى داخل بعض المنازل. وهي في جميع الأحوال تبقى من دون إنارة.

لا يحصل سكان المناطق المتاخمة للمخيمات على مساعدة في البنى التحتية الا من الجهات السياسية الفلسطينية لا سيما «منظمة التحرير الفلسطينية» ومن «الأونروا» بطريقة غير مباشرة، اما البلديات اللبنانية فتعتبر، وفق ما أشار إليه عدد من المستصرحين من رؤساء وأعضاء البلديات، أنه بتقديمها لخدمات في مناطق غير مرخصة رسمياً من قبل الدولة اللبنانية تسجّل مخالفة للقانون. ناهيك عن تسجيلها لصعوبة الدخول والعمل فيها لوجود حواجز أمنية.

بناء على هذه الدراسة سيقوم «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و»برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية»، بتنفيذ مشروع لإيصال الخدمات المدنية الأساسية إلى ما بات يعرف بالمناطق الرمادية، ومدته ثلاث سنوات.