يحلمون بالعودة إلى منازلهم.. ولكن كيف ومتى؟
النازحون الفلسطينيون من سوريا: نعيش هنا أوضاعاً صعبة جداً
فؤاد عثمان: هناك تمييز بين النازح الفلسطيني والسوري
الأربعاء، 26 أيلول، 2012
عندما غادر النازحون الفلسطينيون من سوريا كما السوريون الى البلدان المجاورة خوفاً على حياة أبنائهم، كانوا يعتقدون أن العودة إلى منازلهم ستكون خلال أيام بعد انتهاء الأحداث الدائرة فيها..
ولكن حتى الآن ما يزالون يعيشون نازحين في المخيمات، عند أقربائهم وأصدقائهم، بانتظار العودة من أجل أن يعيشوا حياة لائقة وكريمة في منازلهم، بدلاُ من العيش نازحين مشردين، دون أن ينظر إليهم المعنيون والعمل على التخفيف عن معاناتهم، وفي مقدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» و«منظمة التحرير الفلسطينية» والدولة اللبنانية..
«لـواء صيدا والجنوب» تفقّد النازحين الفلسطينيين القاطنين في مخيم عين الحلوة، الذين أبدوا استيائهم من التمييز تجاههم واعتماد سياسة الكيل بمكيالين، داعين إلى مساواتهم بتقديم المساعدات لهم على نفس المستوى لجميع النازحين..
كأنه لا يكفي الفلسطينيون اللجوء والتشرد من مكان إلى آخر، حتى حط الرحال بعدد من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا لجوءاً من جديد إلى لبنان، ولكن نظراً للمعاناة التي وقعوا تحت تأثيرها، فضّلت الكثير من هذه العائلات الفلسطينية النازحة من سوريا، العودة الى منازلها - على الرغم من الأحداث الجارية - عن العيش في لبنان، وذلك بعدما فقدوا الحد الأدنى من مقومات الحياة، وبات بعضهم يشعر مجبراً أنه يتسوّل في لبنان، في ظل تقصير الغالبية بحقهم، وفي مقدمهم وكالة «الأونروا»، التي لم تقدم حتى الآن الحد الأدنى من المساعدات المعيشية لهم، على الرغم من التحركات التي تنفذها «اللجان الشعبية» في مخيم عين الحلوة..
أما الدولة اللبنانية، باعتبارها دولة مضيفة للفلسطيني، لم تقم بواجبها الانساني حتى الآن، ولم يقدم المسؤولون المعنيون الحد الأدنى من مقومات الحياة اللائقة لهم، عبر تقديم المساعدات الانسانية، ليعيشوا حياة لائقة دون أن يتحوّلوا الى متسوّلين على أبواب المنازل والمؤسسات وغيرها، لكن وبكل أسف حدّث ولا حرج، الغالبية تتهرب من مسؤولياتها تجاه النازحين الفلسطينيين..
العيش بكرامة
مسؤول الشؤون الاجتماعية في «اللجان الشعبية» في «منظمة التحرير الفلسطينية» في مخيمات صيدا فؤاد عثمان، أكد «أن النازحين الفلسطينيين هم كالنازحين السوريين، نزحوا من سوريا قسراً بسبب الأحداث الدائرة فيها، ويحلمون بالعودة الى منازلهم اليوم قبل الغد، عند انتهاء الأحداث الجارية فيها، وإلى أن تحين عودتهم يجب أن يعيشوا حياة كريمة فيها الحد الأدنى من مقومات العيش بكرامة، دون أية إهانة أو ذل أو تحويلهم إلى متسوّلين على أبواب المنازل والمؤسسات، بسبب التقصير والاهمال بحقهم من قبل وكالة «الأونروا»، التي تُعتبر المؤسسة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الاقطار الخمسة، وبالتالي هي المسؤولة عن اغاثة النازحين الفلسطينيين من سوريا».
وأوضح «إن تصعيد الحركة الجماهيرية الذي نفذ بدعوة من «اللجان الشعبية للقوى الوطنية والإسلامية» في منطقة صيدا، جاء بسبب تقصير «الأونروا» بحق النازحين، وهذا التصعيد سيتواصل ويتصاعد، ما لم تقم «الأونروا» بواجبها الإنساني، على الرغم من إننا أقدمنا على خطة بإخلاء مقراتها من العائلات النازحة كبادرة حسن نية، بعد أن قدّمت وعوداً جدية في تقديم المساعدات اللازمة، ومنها إيجاد مسكن لهم كما يحصل في «مدرسة الكفاح»، إضافة الى المساعدات العينية التي يجب أن تقدمها لهم».
واستطرد «وهنا لا بد للإشارة الى دور «منظمة التحرير الفلسطينية» بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، التي لم يتعدَّ دورها عن المتفرج على أهلنا النازحين، دون أن يقدموا لهم الحد الأدنى من المساعدات اللازمة، وإذا كان هناك أزمة مالية في المنظمة، فأقل الواجب يجب وضع برنامج تحرك ضد سياسة «الأونروا» غير الجادة فعلياً في مساعدة النازحين، وبالتالي فإن قيادة «منظمة التحرير» معنية في بلورة خطة عمل موحّدة، عنوانها العمل على إيجاد موارد مالية بهدف مساعدة النازحين، بالإضافة الى دور «تحالف القوى الفلسطينية»، لذلك فإن قيادة المنظمة معنية بإعادة النظر في بلورة موقف موحّد لها للعمل على مساعدة النازحين الفلسطينيين، بالإضافة الى دور الدولة اللبنانية باعتبارها دولة مضيفة للنازحين، حيث يجب عليها أن تقوم بواجبها بهدف تخفيف الأزمة الانسانية، حتى لا يعيشوا حياة ممزوجة بالذل والإهانة، وهنا لا بد من الإشارة الى قرار الأمن العام اللبناني بإعفاء النازحين من المبالغ المطلوبة للتسوية لمدة 17 تشرين الأول 2012، وهذه خطوة إيجابية، لكن يجب أن تكون سارية المفعول إلى حين عودة النازحين، كما أن هناك بعض الموظفين لا زالوا يفرضون على العائلات الغرامة المالية».
وختم عثمان بدعوة «وكالة «الأونروا» إلى العمل الجاد على إيجاد أماكن سكن لهم وتأمين العلاج اللازم والمساعدات العينية بشكل منتظم، دون اذلالهم»، مناشداً كافة المؤسسات الأهلية والتجمع المدني «العمل على تقديم المساعدات اللازمة لهم، والابتعاد عن سياسة التمييز بين النازح السوري والنازح الفلسطيني، لأن كلاهما نازحاً من الأحداث الدائرة في سوريا».
تقصير بحقهم
أمين سر «اللجان الشعبية الفلسطينية» في «منظمة التحرير الفلسطينية» في مخيمات صيدا «أبو هاني» موعد، أشار إلى «أن مشكلة النازحين السوريين إلى لبنان، وخصوصا منطقة صيدا تزداد تعقيداً بسبب عدم وجود السكن لهؤلاء النازحين، الذين لجأوا إلى أقاربهم وبعض أصدقائهم على أساس فترة نزوح لعدة أيام فقط، لكنها قد تعدت الأشهر، لذلك وبعد التقصير الواضح بحقهم، إننا نحمّل المسؤولية الأولى إلى وكالة «الأونروا» عن تأمين السكن اللائق وامدادهم بالإغاثة اللازمة صحياً وتربوياً واجتماعياً على الرغم من أن «اللجان الشعبية» قامت بعدة تحركات شعبية في منطقة صيدا ضد سياسة «الأونروا» بسبب تقصيرها تجاه النازحين الفلسطينيين إلى مخيمات صيدا، كما تقوم «اللجان الشعبية» في صيدا بإحصاء وتسجيل كامل للنازحين الذين هم في تزايد متواصل بسبب الأحداث الدائرة في سوريا».
وأضاف: بناءً عليه فإننا نناشد المؤسسات الدولية وعلى رأسها «الأونروا» والمجتمع الدولي، الإهتمام وتقديم الرعاية اللازمة لهؤلاء النازحين، ووضع خطة طوارئ، على أن يُعامل النازحون الفلسطينيون أسوة بالنازحين في البلدان العربية.
الأونروا.. تراقب
رئيس تجمّع «المؤسسات الإسلامية» العاملة في الوسط الفلسطيني إبراهيم المقدح قال: إن أزمة النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى مخيمات لبنان تتفاقم يوماً بعد آخر مع تفاقم الأوضاع هناك، حيث باتت مدينة صيدا ومخيماتها تحتضن أكثر من 400 عائلة، نزحوا غير حاملين معهم سوى ملابسهم التي عليهم، فبادرنا كتجمّع «مؤسسات إسلامية» إلى استقبالهم في المخيمات وتقديم ما توفر لهم من مساعدات نقدية أو مؤن غذائية وملابس وفرش، لكن قدرتنا لم تكن كافية بتأمين احتياجاتهم كلها، فطالبنا «الأونروا» التحرك، إلا إنها لا زالت حتى اللحظة واقفة تراقب الأمور دون أن تقدم أي شيء، ونحن بالتزاماتنا الإسلامية والإنسانية تجاه أهلنا قمنا بالضغط على «الأونروا» لتأمين الطبابة والإغاثة، وقبل هذا كله تأمين مسكن للعائلات، وعندما أيقنا عدم وجود نية حقيقية لدى «الأونروا» في التحرك، قمنا بإسكان عائلات فلسطينية في مراكز تابعة لـ «الأونروا» في المخيم، بهدف الضغط عليها للتحرك العاجل، كما شكّلنا لجنة طوارئ باسم «اتحاد المؤسسات الإسلامية لإغاثة النازحين الفلسطينيين» من سوريا، تقوم بحملات جمع تبرعات من الأهالي في المخيم، سواء من خلال مندوبين يجولون على البيوت، أو من خلال حواجز محبة للسيارات في المخيم، من هنا نحن نجد أنفسنا ملزمين ومعنيين قبل غيرنا بإغاثة أهلنا النازحين في ظل تقاعس «الأونروا» التي هي وكالة غوث مُلزمة بهم.
وختم المقدح: نحن كمؤسسات إسلامية في عين الحلوة سنجمع التبرعات من الأهالي في المخيم، فرغم ضيق حالتهم المادية إلا أنهم لم يبخلوا، فإخاؤهم لأهلهم النازحين يذكرنا بالتآخي ما بين المهاجرين والأنصار، فالمسلمون كما قال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
ذل وإهانة
النازح محمد عبد دايم قال: نزحنا مع أولادنا من منطقة درعا بسبب الأحداث، وجئنا لدى أقاربنا إلى مخيم عين الحلوة، بشكل مؤقت إلى حين عودتنا إلى منازلنا، ونتمنى أن نعود اليوم قبل الغد، خصوصاً إننا نعيش هنا أوضاعاً صعبة جداً، فأنا رجل عاجز بسبب بتر ساقي، ووالدتي امرأة عاجزة ولديها مرض أعصاب وغيره من الأمراض، وقدّم لنا أقرباؤنا كل ما يلزمنا مؤقتاً، لكن هم أيضاً يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، لا يُمكن أن يستمروا في تقديم اللازم لنا، وبالتالي نحن كنازحين بحاجة إلى مساعدة إلى حين عودتنا لمنازلنا، ولكن وبكل أسف لم نجد من يقدم لنا المساعدات اللازمة، خصوصاً وكالة «الأونروا» المسؤولة عنا، واقتصر الأمر على بعض المؤسسات الأهلية التي قدمت لنا مساعدات عينية لا تكفي سوى لاطعامنا يوماً أو يومين كحد أقصى.
وأضاف: نحن بتنا أمام خيارين كلاهما مرّ:
- إما أن نعيش الحياة هنا بأمان لأولادنا لكنها ممزوجة بالذل والاهانة.
- وإما أن نعود إلى سوريا تحت أنين الرصاص، وفيها خطر على أولادنا، لكن فيها العيش بكرامة بعيداً عن سياسة التسوّل والإهانة؟
وختم: هل ستدفعوننا للعودة والعيش في خطر مُهددين بزهق أرواحنا وأرواح أطفالنا، أم ستقدمون لنا ولو الحد الأدنى من المساعدات للعيش مؤقتاً إلى حين عودتنا عند انتهاء الاحداث؟.. ذلك يرجع الى الجهات المسؤولة عن مساعدتنا.
ألم وحسرة!
عائلة الخطيب (من حمص), رفضت الكلام في البداية وقالت بألم وحسرة: لو كان هذا النزوح من لبنان إلى سوريا، هل كنا سنتخلى عنهم ونعاملهم كما يعاملوننا الآن؟
وأضافت: في العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، عندما حاولنا مساعدة النازحين اللبنانيين والفلسطينيين إلى سوريا، قالت الدولة السورية إن هذا واجبنا أن نقدم لهم كل ما يلزم، رغم ذلك كنا نقدم لهم كل شيء، وهذا واجبنا الأخلاقي والإنساني، لماذا الآن يتخلى عنا الجميع، وبتنا نشعر أن هذا التقصير من قبل «الأونروا» والدولة اللبنانية مقصود بحقنا، لدفعنا على العودة إلى سوريا، ونحن الآن فعلاً بصدد العودة للعيش في سوريا، على الرغم من الأحداث، ولكن نشعر بأننا لم ولن نتسوّل أو نكون مثل «الشحاتين» على أبواب البيوت أو أرصفة الشوارع، وهذا معيب، ليس فقط بحقنا، بل بحق «الأونروا» والدولة وكل المعنيين بمساعدتنا.
المصدر: ثريا حسن زعيتر - اللواء