«الأونروا» تنتظر دعم الدول المانحة.. والأهالي عاجزون عن تأمين البديل
الناس في مخيم البرج ينامون بعيون مفتوحة في منازل «آيلة للسقوط»
شاء القدر إنقاذ حياة أطفال عائلة ياسين من كارثة كادت تقضي على أرواحهم، وهم لا يزالون دون السادسة من العمر. يعيش الأطفال الأربعة، بتول وسهى وملاك وعلي، مع والديهم في منزلهم المتواضع الذي يقع في أحد أزقة مخيم برج البراجنة. في ليلة من ليالي العاصفة التي شهدها لبنان مؤخراً، دفع إحساس اعترى الوالدة بها الى الطلب من أطفالها الذين ينامون في غرفة الجلوس، الانتقال والنوم معها في غرفة النوم. كان همّها الوحيد أن تدفئهم من البرد القارس، وهم محرومون من امتلاك غرفة نوم خاصة بهم، لضيق الأمكنة المتاحة للفلسطينيين في لبنان. أما الكارثة التي نجا منها الأطفال وحلّت على المنزل فهي انهيار سقف غرفة نومهم، بإسمنته وحديده، على أرضها، ما تسبّب بدمار الغرفة!
في ذلك المنزل، تجلس الوالدة إلى كرسيها، محدّقةً بسقف غرف منزلها الصغير. تروي عن سماعها دويّ الصوت في تلك الليلة. للوهلة الأولى، اعتقدت أنه انفجار وقع في المخيّم. لم يستوعب الوالدان حجم الصدمة حينها، اكتفوا بتصديق أن حيوات أولادهم لا تزال مصانة. سدوا باب الغرفة المنكوبة بالركام، بانتظار من يحلّ لهما مشكلة انهيار جزء من بيت لا يتسع أساساً لناسه.
800 بيت مهدد بالانهيار
هي مشكلة جديدة وفريدة من نوعها تقع اليوم على كاهل أهالي مخيّم برج البراجنة، وهو المخيم الذي يؤوي حوالى عشرين ألف نسمة. ووفق مصادر في «الاونروا»، هناك حوالى 800 وحدة سكنية آيلة للسقوط، وتحتاج الى الترميم الهندسي. كــــذلك، هناك قائمة بأسماء الأشخاص الذي طلبت منهـــم «الاونروا» مغادرة منازلهم كونها غير صالحة للسكن. ما هـــو الســــبب في ذلك؟ العاصفة؟ تأثير صواريخ حرب تموز الأخـــــيرة التي اجتاحت الضاحية الجنوبية، نظراً لقرب مخيم البـــرج منها؟ أم طريقة بناء الوحدات السكنية، أصلاً؟
أسئلة تدفع القاطنين في المخيم، وخصوصا أهالي المنازل غير الصالحة للسكن، إلى الحيرة، لتجسّد حالتهم مقولة: «رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا».
في بداية رحلة البحث عن الأسباب، لا يبدو أن مشكلة تشقق جدران المنازل مستجدة على المنازل، لكن، لم يسبق أن سقط سقف أحد المنازل، حتى خلال حرب تموز. وبعد جولة في أزقة المخيم، وسماع أحاديث أصحاب المنازل المتضررة، اتضج أن الأكثرية تجمع على أن سبب تضعضع المنازل يعود الى مشروع البنى التحتية الذي أطلقته «الاونروا» في العام الماضي، وما زالت حتى الساعة أعمال الحفريات قائمة فيه. يقولون إن المنازل لا تتحمّل عمليات الحفر، بسبب اكتظاظ المنازل التي تفتقد الأساسات المتينة.
ماذا تقول «الأونروا»؟
تشير إحدى ساكنات المخيّم إلى أنها وجّهت رسالة الى «الاونروا» تبلغهم فيها بأن سقف منزلها قد هوى. تعيش المرأة برفقة طفلها المعوّق، الذي كان ينام أيضاً في الغرفة التي هوى سقفها. تؤكد أن «الاونروا» كشفت على منزلها عدة مرات، حتى وصلتها رسالة مؤخرًا من الوكالة الدولية تبلغها بأن منزلها غير صالح للسكن. لكن، في المقابل، هــي عاجـــزة تماماً عن تأمين مسكن بديل.
ويؤكد مدير منطقة بيروت الوسطى في «الاونروا» محمد خالد على وجود وحدات سكنية غير قابلة للسكن داخل المخيم، لافتاً إلى أن «المشكلة ليست موجودة فقط في برج البراجنة، بل هناك أكثر من ثلاثة آلاف وحدة سكنية تحتاج الى التدعيم الهندسي في كل المخيمات الفلسطينية». ويضيف خالد: «نحن لا نتهرّب من المسؤولية إلا أن حلّ هذه المشكلة يتطلّب ميزانية كبيرة من الدول المانحة لمعالجتها في كل المخيمات. ونحن بانتظار الردّ على المشروع الذي رفعناه لها».
ولفت إلى أن مكتب الهندسة في «الأونروا» نصح بعض العائلات بمغادرة منازلها الآيلة للسقوط، «في الوقت الذي تجد تلك العائلات نفسها غير قادرة على تأمين مكان بديل لهم». ونفى خالد ان يكون مشروع البنى التحتية قد تسبّب بهذه المشكلة، مؤكدّا أن «كل منزل تضرر من الحفريات تمتّ معالجة مشكلته على الفور». إذاً، ما هو السبب؟ يجيب خالد: «قد يكون هناك مليون سبب، ومن بينها حرب تموز، والتأثيرات المناخية، وسواهما.. نحن ننتظر إشارة الدول المانحة لنباشر عملية الإصلاح».
«أخشى من وقوع انفجار للصوت»
منزل آخر يعاني المشكلة ذاتها. يلفت ربّه الى أنّه تمّ تسجيل معظم المنازل المتضررة في «الأونروا» لتتم معالجتها، إلا أنه يقول إن الترميم شمل أشخاصاً معينين فقط. ويؤكد أن «بعض الأسر الفلسطينية المغتربة قد تمّ إصلاح منازلها التي لا تعيش فيها، بينما نحن لا ينظر إلينا أحد، وليس هناك من يدعمنا». يضحك وهو يشير الى سقوف منزله المهددة بالانهيار، ثم يقول: «أخشى من اختـــراق لجدار الصــــوت يقضي على المنزل بالكامل». ويتابع: «نحن لسنا مهندسين، ولكنــــنا ندرك جيدا خطورة الوضع، وما زلنا بانتظــار حلّ «الاونروا» التي كشفت أكثر من مرة على المكان».
وفي المشهد نفسه، انتقل نضال للسكن مع والدته، بعدما رمم منزله بنفسه، علماً أنه مصاب بإعاقة في يده اليمنى، وهو عاطل بسببها من العمل. ينام في السرير مع زوجته ورضيعهما الذي يبلغ من العمر سبعة أشهر، حافظاً لهما مساحة من السرير تقع تحت المساحة الآمنة من السقف. ويسجّل نضال عتبه على «مدير المخيم الذي لا يجد للمشكلة حلاً».
«من القرن الحادي والعشرين»
تعيش فاتن النكبة ذاتها. وفاتن هي ناشطة في عدد من مؤسسات المجتمع المدني. تعيش مع أولادها وزوجها في منزل هو عبارة عن غرفة ومطبخ «من القرن الحادي والعشرين». والمطبخ هو بقعة ضيقة لا تتّسع لأكثر من شخص. تؤكد أنها تعمل حوالى 18 ساعة يوميًا كي تعيل المنزل، وزوجها كذلك يعمل. على الرغم من ذلك، تراكمت علــيهما الديون بسبـــب أعمال ترمـــيم جزئي، و«لا من معين يعــيننا». لا تقــوى فاتن على النوم ليلاً، إذ تخشى وقوع السقف على العائلة. وبرأيهــا، «نعيش ونحن أموات وعيوننا مفــتوحة إلى الأعلى».
زينة برجاوي، السفير