النزوح الفلسطيني إلى مخيمات الشمال: تراكم المأساة
الأربعاء، 26 حزيران، 2013
لعلّ أكثر ما يؤرق اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي البداوي والبارد في الشمال هو الهم المعيشي الناتج من الحرمان والإهمال المزمنين والمترافقين مع انعكاسات الأزمات السياسية والأمنية على الحياة في المخيمين.
الأحداث الأمنية التي كان قد شهدها المخيمان منذ عقود تفوق قدرة تحمل سكانهما البالغ تعدادهما نحو 65 ألفاً، تتجاوز نسبة الفقر في صفوفهما وفق الإحصاءات 30 في المئة، وسط ارتفاع مطرد في معدل البطالة بلغ ذروته بعيد المواجهات المسلحة التي شهدها مخيم البارد في العام 2007 بين الجيش اللبناني و«تنظيم فتح الإسلام»، وأدت إلى دمار عمراني واقتصادي، وإلى نزوح نحو 35 ألفاً ما يزال القسم الأكبر منهم ينتظر مشروع إعادة الإعمار للعودة إلى منازلهم في المخيم القديم.
وعلى مساحة لا تتجاوز كيلومترين يقع المخيمان المنفصلان إداريا بين قضاء المنية ـ الضنية حيث يقع مخيم البداوي في محيط المثلث الأمني المتمثل في جبل محسن والمنكوبين والريفا، وبين محافظة عكار حيث يوجد مخيم البارد على شاطئ البحر، ما جعل منه سابقاً سوقاً مفتوحاً لكل البضائع، ومصدر رزق لأبنائه وأقرانهم في البداوي، قبل أن يقفل بوجه الجميع.
لكل من المخيمين اليوم وضعه الأمني وظروفه التي تجعل منهما قنابل موقوتة، إن كان لجهة الكثافة السكانية، أو بسبب الشح في مصادر التمويل بالنسبة لـ«وكالة الأونروا»، ما ينعكس سلباً على حياة القاطنين فيهما الذين يعيشون على المدخول اليومي أو على المعونات التي تصل إليهم من المغتربين، خصوصاً في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية أخيراً، وتوافد نحو 2000 عائلة من مخيمات سوريا إلى المخيمين.
وربما تكون قضية النزوح عبئاً ثقيلا على المخيمين، خصوصاً البارد، لا سيما بالنسبة إلى العائلات المضيفة التي تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة في ظل استضافتها أكثر من عائلة داخل المنزل الواحد. فضلا عن وجود عائلات فلسطينية سورية تحل ضيفة على نازحين من المخيم القديم في البارد يقيمون منذ سنوات في شقق مستأجرة أو محلات تجارية لحين عودتهم إلى منازلهم بعد الانتهاء من عملية إعادة الاعمار.
ولا يختلف الوضع بالنسبة إلى أبناء البداوي الذين وجدوا أنفسهم أمام معضلة نزوح جديدة قد تكون الأصعب، نظراً إلى سوء أوضاع القادمين من مخيمات سوريا، وعدم وجود مساعدات تلبي كل الاحتياجات، فضلاً عن الاختلاف بين البيئات، خصوصاً أنّ البيئة التي قدم منها النازحون هي بيئة شبه منغلقة، وهو ما يترجم من خلال انكفاء غالبيتهم عن المشاركة في النشاطات والمهرجانات، ما يترك انعكاسات سلبية بفعل تواجد مجتمعين وبيئتين مختلفتين في مساحة ضيقة. وأكثر ما يرفع من نسبة القلق بالنسبة للمعنيين في المخيمين، هو عدم وجود أي أفق لعودة النازحين في المدى القريب، وغياب الاهتمام الرسمي اللبناني والدولي عن توفير المساعدات لهم، فضلا عن مسائل أخرى لها علاقة بتركيبة المخيمين، وتحديدا البداوي حيث يضم فصائل من مختلف الولاءات السياسية.
البداوي: قلقٌ اقتصادي وأمني
حركة النزوح التي كانت بدأت مطلع العام الحالي بدت للوهلة الاولى بالنسبة لأبناء المخيمين أشبه بزيارة اضطرارية لحين استتباب الأمن في سوريا، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام مأزق كبير، نتيجة طول أمد الإقامة وارتفاع عدد النازحين، ما دفع نحو 80 عائلة نازحة إلى اقتحام مجمع البيوت المؤقتة في البارد والإقامة في الغرف التي كان أصحابها تركوها بعد عودتهم إلى منازلهم في المخيم القديم.
وعلى الرغم من كل الدعوات والتحركات التي يقوم بها النازحون للضغط على «الأونروا» أولا، والمؤسسات الدولية ثانياً، إلا أنهم لم يحصلوا على المساعدات المطلوبة من مأوى وغذاء، باستثناء القليل من التقديمات.
ولا تخفي الجهات الفلسطينية خشيتها من تفاقم أزمة النازحين وتداعياتها مستقبلاً على الوضع داخل المخيمين، إن كان على الصعيد الاقتصادي بسبب التنافس الحاصل على فرص العمل المعدومة أصلا، او بسبب ارتفاع أسعار إيجارات الشقق، أو على الصعيد الأمني، ما دفع بالفصائل إلى اتخاذ خطوات استباقية من خلال سلسلة إجراءات احترازية، منها منع تأجير الشقق إلا للعائلات والتأكد من بيانات المقيمين.
ويعيش في مخيم البداوي نحو 700 عائلة تتوزع على منازل الأقارب او داخل شقق مستأجرة.
في شوارع المخيم الضيقة لا يمكن التمييز بين اللاجئ والنازح، فالهم واحد وظروف الحياة متشابهة، وهذا ما خفف عن النازحين من مخيمات سوريا عناء ترك منازلهم.
«الأزقة هنا متل الأزقة عنا»، «والأولاد ما عندهم محل يلعبوا فيه غير الشارع»، تقول أم أحمد النازحة من مخيم اليرموك. تضيف: «أنا نزحت مع زوجي وأولادي الأربعة. بداية أقمت عند شقيقتي في منزلها الصغير، ولكن بعد شهر بدأنا نشعر أننا بتنا نشكل حرجاً لعائلتها، فقررنا استئجار منزل. دفعنا شهرين مسبقاً واشترينا بعض الأغراض واللوازم ولم يبق معنا شيء».
تتابع: «كنا نعتقد أنّ فترة شهرين كافية لكي نعود، ولكن اليوم الوضع اختلف كلياً، ونحن عاجزون عن دفع إيجار المنزل، وتأمين المصاريف، وزوجي يعمل، إلا أن ما يتقاضاه من أجر لا يكفينا للطعام».
لدى أم خالد في مخيم البداوي صورة شبه كاملة عن معاناة النازحين، بعدما تحول منزلها المؤلف من ثلاث غرف وصالون إلى معسكر لإيواء نحو 20 شخصاً يضاف إليهم أولادها الخمسة وزوجها.
تقول: «استضيف أقاربي، لأن لا قدرة لديهم على استئجار منزل، ونحاول قدر المستطاع أن نتعاون على ظروف الحياة، ونعيش على المساعدات».
ويوضح مسؤول لجنة النازحين الفلسطينيين السوريين في المخيم ربيع دامس أنّ معظم العائلات هنا لا تملك أموالاً، وهي تقيم عند أقاربها أو معارفها، لافتاً إلى صعوبات ستواجه النازحين ومن يستضيفهم في حال عدم وضع خطة عملانية من جانب «الاونروا» والمنظمات الدولية، تراعي كل متطلباتهم بدءا من تأمين أموال لاستئجار الشقق وصولا إلى المساعدات الغذائية وغيرها.
البارد: مأساة نزوحيْن
في البارد حيث تبدو التحديات كبيرة على المستويين المعيشي والاجتماعي نتيجة النزوح بشقيه الداخلي والمتمثل بأبناء المخيم القديم الذين لم يعودوا بمجملهم إلى منازلهم بانتظار انتهاء ورش الاعمار، والخارجي مع وجود نحو 2500 شخص يقيمون مع أقرانهم في شقق أو مخازن، ومنهم من توجه للإقامة مؤخرا داخل البيوت المؤقتة التي كانت «الاونروا» شيدتها لإيواء نازحي البارد قبل عودة البعض منهم إلى منازلهم في المخيم القديم.
يصعب وصف حال النازحين في البارد، وكيفية تأقلمهم مع الواقع الذي يفرضه الوضع الاقتصادي المزري والظروف الحياتية الصعبة لسكانه الذين ما يزال نصفهم تقريبا نازحين من منازلهم، وقسم كبير منهم عاطلاً عن العمل بعدما خسر تجارته أو فرصة العمل التي كان حاصلاً عليها قبل دمار المخيم.
في مجمع «البراكسات» أو البيوت المؤقتة، وجد بعض النازحين من مخيمات سوريا ضالتهم، بعدما اتخذوا قرارهم بالدخول إليه والإقامة فيه نظراً لعدم وجود أماكن بديلة.
إلا أنّ مشاكل قد تواجه هؤلاء مع أبناء المخيم، بسبب التنافس على فرص العمل في مشروع إعادة الإعمار في المخيم القديم، ما يشكل امتعاضا لدى البعض لم يخرج إلى العلن حتى الآن، ربما استشعاراً أو رأفة بظروف الضيوف.
لدى المواطن عارف (من مخيم اليرموك)، قصة تحكي ظروف نازح فقد كل ما يملك بعد خسارته منزله وتجارته، وبات اليوم ينتظر المحسنين بعدما كان من فاعلي الخير.
يقول عارف (55 عاما): «لقد نزحت من سوريا مع أولادي الخمسة، وكنت هناك أعيش في بحبوحة، وعندما كنت أزور لبنان، كنت أستأجر شقة مفروشة».
يضيف: «اليوم تبدّل الحال كثيراً، فأنا شخص مفلس ولا يوجد من أستعين به، والكل هنا عنده ما يكفيه من هموم، وعندما أقمت لفترة ضيفا كنت أشعر بالأسى، فقررت أن أنتقل لأقيم في هذه الغرفة، وبدأت أبحث عن فرصة عمل ولكن كمن يبحث عن إبرة في كومة قش».
بدورها لم تعجز أم خالد عن إيجاد البديل لمساعدة عائلتها المؤلفة من ستة أولاد، فهي تركت في مخيم اليرموك متجر حياكة، وتحاول اليوم قدر المستطاع في مكان إقامتها في أحد المخازن أن تعمل لكي تساعد زوجها على تأمين ايجار المخزن البالغ 200 دولار أميركي شهرياً. وتستغرب أم خالد عدم الاهتمام بالنازح الفلسطيني وكأنه من كوكب آخر، فيما الاهتمام ينصب على النازح السوري.
وتقول: «حجم معاناة النازحين الفلسطينيين، وعدم اكتراث معظم الجميعات بهمومهم، تقابله إيجابية واحدة يعترف بها هؤلاء، وهي وجود مستشفى يستقبلنا ومدرسة يتعلم فيها أولادنا».
تضحك ام خالد، وتقول: «بس ما بنعرف إذا بكرا بيلغوا هيدا الموضوع لأنو يبدو أنو المانحين صار عندهم اهتمامات في مكان اخر».
المصدر: عمر ابراهيم - السفير