القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

«النملة».. عائلة بنصف جسد

«النملة».. عائلة بنصف جسد


السبت، 25 نيسان، 2015

تعالت أوجاع الطفل شريف النملة، مسرعا احتضنه والده وائل، وأمسك ألبوم صور زواجه، وبدأ يقلب لطفله الصور التي مضى من عمرها سنوات ليحد من بكائه، وفعلا نجح في اسكاته.

الأم تجلس على مقعد متحرك، لا تصدر صوتًا فقط تنظر إلى زوجها وطفلها بوجه شاحب.

تلك العائلة دليل جديد على همجية الاحتلال (الإسرائيلي) خلال عدوانه الأخير على غزة، فشريف الذي أتم عامه الثالث حديثا بترت ساقه اليسرى كما والده الذي احتضنه، أما والدته التي كانت تراقبه وهي يبكي، ففاجعتها أعظم فكلتا ساقيها بترتا، وأصبح ذلك المقعد السبيل لحركتها.

بعد شهور سبعة على مجزرة (إسرائيل) في مدينة رفح _ الجمعة السوداء_، لم يتقبل وائل بعد أن عائلته أصبحت بنصف جسد. نعم طفله الشقي لن يركض أمامه، وزوجته لم يعد بمقدورها تحضير قهوة الصباح له، هذا عدا عن استشهاد العديد من أفراد عائلته.

عاد وائل بعجلة الزمن إلى الوراء وتذكر تفاصيل ما حدث لعائلته ففي صباح الجمعة التي اخترقت فيها (إسرائيل) التهدئة التي وُقعت بوساطة أمريكية مع فصائل المقاومة، خرج وائل برفقة زوجته وأبنائه الاثنين وكذلك باقي العائلة من اخوته وزوجاتهم، هربا من مئات القذائف التي لم ترحم حجرا ولا شجر.

ابتعدت العائلة مئات الأمتار عن مكان الصواريخ، ولكن يبدو أن شريف والأطفال الذين معه بأجسادهم الصغيرة، وسعوا من شهية طائرة حربية حين أطلقت صوبهم صاروخين.

فقدت العائلة في ذلك القصف ثلاثة من أفرادها، حيث استشهد شقيق وائل وهو يوسف 26 عاما مع زوجته، وكذلك شقيقته الطفلة أنغام (11عامًا)، أما المصابون بجانب وائل وزوجته وشريف، الرضيع "قصي" نجل الشهيد يوسف الذي أصيب بحروق وشظايا، فيما أصيبت الطفلة "عبير" سنتان بحروق وشظايا وهي ابنة وائل، وكذلك أصيبت شهد10 أعوام بالحروق وهي الشقيقة الأخرى له.

خلال سيرك في ذاك الشارع الذي كان له النصيب الأكبر من القذائف (الإسرائيلية)، تشعر كأنك في بقعة موت، صور لشهداء ودمار ومنازل لا تصلح للسكن.

"لاشيء يبعث بالأمل، نحن عائلة مدمرة، لا حياة في أرواحنا". يفتتح وائل حديثه بعدما جلس ورمى عكازه غضبا.

حزنه ليس على قدمه التي أكلتها الصواريخ، فقط هو حزين على زوجته التي أصبحت كشجرة، لا حياة فيها حين تكسرت أغصانها بعد ما ضربتها العاصفة، كما يضني قلبه طفله الذي سيبدأ حكايته مع الحياة بقدم واحدة، فيقول: "طفلي لم يفقد ساقه فقط بل جرى تمزق في الشبكية في عينه اليمنى وأصبح لا يرى فيها نهائيًا".

لازم الجميع الصمت، حين زحف شريف إلى والدته يسحبها من يدها، يطلب منها أن تأخذه إلى الحمام لقضاء حاجته، فما كان منها إلا أن تحتضنه وتبكي بشدة.

في اختتام رصدنا لأوجاع عائلة النملة، طالب وائل من الجهات المعنية النظر أكثر في حالتهم، وتوفير مسكن يلائمهم، كونه يعيش في الطابق العلوي في منزل والده ويجد صعوبة في الحركة والتنقل كما هو حال زوجته وطفله، ويتمنى أن يجد مشروعا صغيرًا يعيل به تلك العائلة.

عائلة النملة هي زاوية آلم من بين مئات القصص المعجونة بالدم، التي ما زالت مع صياغة هذه النص، لا تعرف النوم نتيجة الأوجاع الجسدية والنفسية التي خلفتها الحرب الأخيرة على المدينة المحاصرة.

المصدر: الرسالة نت