بالأرقام.. لماذا تراجعت شعبية السلطة وفتح بالضفة؟
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام
حالة من الاستياء المتراكم تسود الشارع الفلسطيني
في الضفة الغربية لأسباب عدة، أهمها: عدم صرف الرواتب لموظفي السلطة، وارتفاع نسبة
البطالة المتزامن مع ارتفاع الأسعار، إضافة إلى انغلاق الأفق السياسي والتهديد من قبل
عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيحها لنتنياهو.
إن هذه المعطيات المتعثرة التي تقف خلفها السلطة
في رام الله، خلقت حالة من الإرباك في صفوف قطاعات الموظفين على وجه الخصوص، وفي الشارع
الفلسطيني على وجه العموم، مما سجل تراجعا كبيرا لشعبية السلطة حتى على مستوى رجالاتها
ومؤيديها، إضافة إلى حالة من التراجع والإرباك واليأس التي تسود حركة الاقتصاد الفلسطيني
وذلك بسبب تأثيرات الاتفاقيات السياسية لا سيما اتفاقية باريس الاقتصادية.
الترهل الاقتصادي
أسباب كثيرة دفعت السلطة الفلسطينية إلى التعثر
الاقتصادي والتنموي، وذلك لأسباب عدة كان أهمها تبعية السلطة سياسيا واقتصاديا للدول
الغربية المانحة، التي ربطت دعمها لهذه السلطة بالمواقف السياسية وملحقاتها من تنسيق
أمني ومحاربة للإرهاب والمتمثل في ملاحقة المقاومة.
ولعل من الأسباب الأخرى التي أدت إلى حالة الانهيار
الاقتصادي التي تشهدها هذه السلطة اليوم، اسشراء الفساد في صفوفها، وهدر المال العام،
وانتشار المحسوبيات والوساطة والمحاباة، فقد أشارت تقارير صدرت عن (مركز الائتلاف من
أجل النزاهة) أن الاحكام التي صدرت من المحاكم الفلسطينية بحق المفسدين هي ثلاثة أحكام
!!، علما بأن ملفات الفساد التي هي بحوزة السلطة 57 ملفا، لم يحكم إلا على ثلاثة منها،
حيث يتمتع هؤلاء المفسدون بما قيمته 700 مليون دولار بحسب تصريحات للنائب العام السابق.
وذكر تقرير هيئة النزاهة أن النفقات الباهظة على
كبار موظفي السلطة أرهقت الميزانية وأدت إلى تراجعها، إضافة إلى أن عدد الموظفين المرتفع
البالغ 170 ألف موظف تقريبا، بما فيهم الموظفين الوهميين الذين يتقاضون رواتبهم وهم
خارج نطاق العمل والوظيفة وبعضهم في الشتات.
وفي وثيقة سرية تم الكشف عنها حول فاتورة الرواتب
لشهر كانون أول من هذا العام، نشرت صحيفة الحياة الفلسطينية بعضا منها، أن إجمالي الراتب
بلغ (727،287،824) شيقلا، ثلثها للأمن والباقي للموظفين في السلطة، وقد مثل قطاع غزة
أكثر من 55% من رواتب العسكريين والأننيين الذين لا يخدمون الوطن، وإنما هم جالسون
في بيتهم بحجة الانقسام.
وذكرت الوثيقة أن 2% من موازنة الرواتب تصرف على
شكل منح بقيمة 1000 شيكل شهريا، يستفيد منها نحو (12428) شخصا، بإجمالي بلغ (15،965،383)
شيقلا، أرسل 91% منها إلى قطاع غزة ؟!!، وطبعا أرسلت هذه إلى موظفي حركة فتح وفصائل
المنظمة الذين لا يمارسون دورهم الوظيفي منذ قيادة حماس لقطاع غزة، حيث تدفع هذه المقتطعات
خارج إطار سلم الرواتب، أي على هيئة منح لشراء الولاءات والمواقف السياسية.
وقد أكد الدكتور نصر عبد الكريم أستاذ الاقتصاد
في جامعة بيرزيت في إحدى تحليلاته، أن صافي التكلفة الشهرية للرواتب يتجاوز 200 مليون
دولار شهريا، حيث تستهلك 75% من الموازنة، 60 % منها تصرف إلى الضفة و40% تصرف إلى
قطاع غزة، وأن تأخر الرواتب يعني عدم قدرة 200 ألف أسرة فلسطينية في الضفة الغربية
من دفع مستلزماتها، إضافة إلى انعكاس ذلك على الحركة التجارية وواقع الاقتصاد الوطني.
الخلل في التوزيع
وتشير تقارير هيئة النزاهة أن 33،2% من الموازنة
تنفق على الأمن، حيث بلغت هذه النفقات 3،5 مليار شيقل، أي ما يعادل 807 مليون دولار،
فيما بلغت نفقات مكتب الرئيس محمود عباس نحو 300 مليون شيقل بما يعادل 76 مليون دولار
سنويا، وأضاف التقرير أن مصاريف وزارة الخارجية الفلسطينية التابعة لحكومة رام الله،
والتي يديرها رياض المالكي بلغت سنويا 223 مليون شيكلا بما يعادل 61 مليون دولار، فيما
ينفق على السفارات الخارجية 3،2% من الميزانية العامة.
كما أشار تقرير هيئة النزاهة الذي وزع على الصحفيين
والباحثين والمراقبين، إلى أن 22% من كبار موظفي السلطة يستهلكون 50% من حجم الرواتب،
فيما يستهللك 78% من الموظفين النصف الآخر.
وقد أدى ذلك إلى بعثرة ميزانية السلطة وتوزيعها
بغير إنصاف، إضافة إلى ارتفاع النفقات المطلوبة جراء قرارات سياسية مبرمجة كان على
رأسها إحالة عدد كبير من الموظفين على التقاعد المبكر، بنسب تقاعدية عالية، حيث قرر
سلام فياض أن تقاعد العسكريين والأمنيين يبقي رواتبهم كما هي 100%، وهذا دفع الكثيرين
من كبار ضباط الأجهزة الأمنية وقوات الأمن الوطني للتقاعد وعودة الكثير منهم للعمل
كمستشارين بمكافآت مقطوعة، الأمر الذي أرهق ميزانية السلطة.
كما أن هناك الآلاف من كوادر حركة فتح مفرغين على
وظائف تعمل لصالح التنظيم، وليس لصالح السلطة، وهؤلاء مصنفين ضمن سلم الرواتب العالية،
وهناك عملية خلط ومزج بين ميزانية حركة فتح ومخصصاتها وميزانية السلطة، إضافة إلى إن
موازنات الفصائل التي تدور في فلك السلطة هي مقتطعة أيضا من موازنة السلطة ؟؟ !! ،
وهذا بدوره أدى إلى إرهاق الموازنة العامة.
وفي قراءة مذهلة لسلم رواتب كوادر منظمة التحرير
وقيادات فتح، فإن المواطن المحروم من راتبه، يشعر بحجم الإفراط في ضياع الميزانيات
التي تخرج عن إطار الموازنة الرسمية التي ينبغي أن تكون مخصصة لنفقات الشعب ومشاريعه
التنموية والتي هي على النحو الآتي بحسب بعض الوثائق المهربة:
• ميزانية مكتب عضو
اللجنة التنفيذية التي تصرف شهريا 50 ألف دولار.
• ميزانية مكتب عضو
اللجنة المركزية لحركة فتح 37 ألف دولار.
• راتب المستشار الأجنبي
الشهري 15 ألف دولار.
• راتب مستشار عربي
12 ألف دولار.
• رواتب رؤساء المحاكم
يصل بعضها إلى عشرة آلاف دولار.
• راتب اللواء المتقاعد
خمسة آلاف دولار.
• راتب العميد المتقاعد
ثلاثة آلاف دولار.
• راتب العقيد المتقاعد
2.5 ألف دولار.
• رواتب الوكلاء
(وما أكثرهم) ألفي دولار.
• رواتب المدراء العامون
ألفي دولار (وهم بالمئات).
كما ساهم في إرهاق ميزانية السلطة، الفوائد الباهظة
التي تدفع للبنوك المحلية والخارجية، إضافة إلى الديون المتراكمة للقطاع الخاص كالمقاولين
وشركات الأدوية وغيرها من المتطلبات الأخرى.
أزمة الرواتب
وتشكل أزمة الرواتب حالة من الإرباك في صفوف الموظفين
التي تعتبر بالنسبة لهم شريان الحياة، وفي حال تأخرها أو توقفها يعني توقف الحياة عنهم،
خاصة وأن النسبة الكبرى من هؤلاء الموظفين ارتبطوا بقروض بنكية، إما لشراء شقق سكنية
أو سيارات خاصة، مما فرض عليهم التزاما شهريا لا مفر منه، وهذا بدوره جعلهم يعيشون
حالة نفسية صعبة للغاية يحمّلون أسبابها للسلطة.
وقد هددت نقابة العاملين في الوظيفة الحكومية التي
يرأسها الفتحاوي بسام زكارنة أكثر من مرة، البدء بإضراب مفتوح حتى يتم صرف الرواتب،
فيما نفذت إضرابات متقطعة للضغط على حكومة فياض، وقال زكارنة في حديث لوكالة وفا التابعة
للسلطة: إن الموظفين يقرضون الحكومة قرضا بقيمة 450 مليون ويدفعون فوائد تأخير رواتبهم،
مضيفا أن البنوك تحصل على فوائد من الحكومة على هذا القرض مرتين، الأولى من الحكومة
والثانية من الموظف، مبينا أن الفوائد ينبغي أن تتحملها الحكومة فقط.
وأضاف زكارنة "إن الموظفين العموميين يعيشون
حالة مآساوية مع أسرهم ومع ذويهم ومرضاهم وأبنائهم الطلاب في حال تأخر الرواتب الذي
بات حالة شهرية".
على صعيد آخر قالت دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية
في تقرير لها، إن نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني شهدت ارتفاعًا ملموسا عن مستوياته
في العام الماضي، ففي نهاية عام 2011م أعلنت الدائرة أن نسبة البطالة بلغت 23،6 %،
فيما ارتفعت هذه النسبة لهذا العام لتصل في قراءة أولية إلى 25،7 %، وذلك بسبب تردي
الأوضاع الاقتصادية وانخفاض الدخل العام.
غضب شعبي يتفاقم
لم تعد حالة الغضب على السلطة مرتبطة بحركة حماس
فحسب، التي تحتج دوما على ممارسات السلطة تجاه أبنائها ومؤسساتها بالضفة، وإنما طالت
موجة الغضب مستقلين وعناصر من فتح وآخرين من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
الأستاذ غسان عرايضة يعمل مديرا لمدرسة أساسية في
منطقة بيت لحم، وهو من أنصار حركة فتح، يرى أن عملية تأخير الرواتب مسألة سياسية أكثر
من كونها مسألة أزمة مالية، مشيرا أن من لا يستطيع إطعام الشعب فهذه مشكلته وليست مشكلة
الشعب وإن كان غير قادر على هذه المهمة فليتركها لغيره، وأضاف عرايضة: نحن نتقاضى رواتب
تعتبر فتاتا مع المسؤولين الكبار الذين يبلعون ميزانية السلطة فلماذا نحن ندفع الثمن
؟.
واعتبر أبو محمد غياظة الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا
على وظيفته، وهو ممرض في إحدى مستشفيات بيت لحم، أن تأخير الرواتب سيجر وبالا على السلطة،
وسيدفع إلى تراجعها في ظل ظروف سياسة صعبة، وتسائل: لماذا تصرف الرواتب بداية كل شهر
في حكومة هنية رغم أنه محاصر، ولا تصرف عندنا ونحن نتغنى بعمقنا الدولي وعلاقاتنا مع
أمريكا وأوروبا ؟ أليس هذا عار في جبيننا ؟ أين هي السلطة التي تريد أن تحقق لنا دولة
.. أي دولة هذه ونحن ننام على الجوع.
وطالب الموظف سالم جبران الذي يعمل مديرا في وزارة
الزراعة بمحافظة الخليل، بإقالة حكومة فياض ومحاسبة وزير المالية فيها، الذي حوّل الموظفين
الشرفاء إلى متسولين في زمن السلطة، وقال إن مسالة تأخير الرواتب ممنهجة ويبدو أنهم
يريدون من ورائها مواقف سياسية خطيرة.
وناشد جبران حركة فتح التي يعتبرها عمودا فقريا
للسلطة قائلا: أين أنتم .. ألا تخشون على مستقبلكم، إن تجويع الموظفين خطوة على طريق
الإفلاس الفكري والسياسي والتنظيمي.
واستهجن أبو شادي العدم الرائد في إحدى الأجهزة
الفلسطينية دعوات الرئيس عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيحها لنتنياهو متسائلا: هل نحن
رعايا عند نتنياهو، وهل مصيرنا ومستقبل حياتنا مرتبط به؟، وهل حل السلطة ينهي أزمتنا؟
، وإذا حلت السلطة أين نذهب نحن الكادحون، غيرنا من أصحاب المواقع والمسؤوليات لهم
قصور وأرصدة ومقدرات لا يهمهم حل السلطة، ولكن ماذا سيكون مصير أكثر من ثلاثين ألف
كادح تركوا عائلاتهم وتشتتوا وحضروا للوطن، أسئلة كثيرة تحتاج إلى مسؤول كبير راتبه
خمسة آلاف دولار شهريا ليجيب عليها؟!.
أما النساء فلا يملكن أمام تلك الأزمات إلا البكاء
.. إنها المربية هيفاء أم سليم مدرسة رياضيات في إحدى مدارس دورا، متزوجة ولها خمسة
من الأبناء والبنات: تقول أنا موظفة وزوجي عامل وقد قمت بشراء شقة سكنية عن طريق البنك،
وجراء ذلك التزمت بدفع شهرية لمدة سبع سنوات، وحال تأخر الراتب وعدم نزوله في البنك،
يأتيني إشعار تهديد ببيع الشقة بسبب عدم الالتزام بالدفع.
وأضافت أم سليم: زوجي غير دائم العمل بسبب الظروف
الاقتصادية الصعبة، فهو غير قادر على تغطية نفقات البيت، ونحن نتعاون في هذه التغطية
بما تبقى من راتبي وما يستطيع هو من تحصيله جراء العمل .. لكن تأخر الراتب يصنع إرباكا
مزدوجا في البيت.
هكذا يبدو مشهد الشارع الفلسطيني الذي يعيش واقعا
مؤلما أشبه بالفلم التراجيدي، جراء سياسات عباس وفياض التي نقلت عشرات الآلاف من الموظفين
إلى أجواء من القلق النفسي والتوتر اليومي، وحالة من الضجر وهم يتسائلون: إلى أين نحن
ذاهبون، ما هو مصير أبنائنا، ما هي آفاق المستقبل؟.بالأرقام.. لماذا تراجعت شعبية السلطة وفتح بالضفة؟
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام
حالة من الاستياء المتراكم تسود الشارع الفلسطيني
في الضفة الغربية لأسباب عدة، أهمها: عدم صرف الرواتب لموظفي السلطة، وارتفاع نسبة
البطالة المتزامن مع ارتفاع الأسعار، إضافة إلى انغلاق الأفق السياسي والتهديد من قبل
عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيحها لنتنياهو.
إن هذه المعطيات المتعثرة التي تقف خلفها السلطة
في رام الله، خلقت حالة من الإرباك في صفوف قطاعات الموظفين على وجه الخصوص، وفي الشارع
الفلسطيني على وجه العموم، مما سجل تراجعا كبيرا لشعبية السلطة حتى على مستوى رجالاتها
ومؤيديها، إضافة إلى حالة من التراجع والإرباك واليأس التي تسود حركة الاقتصاد الفلسطيني
وذلك بسبب تأثيرات الاتفاقيات السياسية لا سيما اتفاقية باريس الاقتصادية.
الترهل الاقتصادي
أسباب كثيرة دفعت السلطة الفلسطينية إلى التعثر
الاقتصادي والتنموي، وذلك لأسباب عدة كان أهمها تبعية السلطة سياسيا واقتصاديا للدول
الغربية المانحة، التي ربطت دعمها لهذه السلطة بالمواقف السياسية وملحقاتها من تنسيق
أمني ومحاربة للإرهاب والمتمثل في ملاحقة المقاومة.
ولعل من الأسباب الأخرى التي أدت إلى حالة الانهيار
الاقتصادي التي تشهدها هذه السلطة اليوم، اسشراء الفساد في صفوفها، وهدر المال العام،
وانتشار المحسوبيات والوساطة والمحاباة، فقد أشارت تقارير صدرت عن (مركز الائتلاف من
أجل النزاهة) أن الاحكام التي صدرت من المحاكم الفلسطينية بحق المفسدين هي ثلاثة أحكام
!!، علما بأن ملفات الفساد التي هي بحوزة السلطة 57 ملفا، لم يحكم إلا على ثلاثة منها،
حيث يتمتع هؤلاء المفسدون بما قيمته 700 مليون دولار بحسب تصريحات للنائب العام السابق.
وذكر تقرير هيئة النزاهة أن النفقات الباهظة على
كبار موظفي السلطة أرهقت الميزانية وأدت إلى تراجعها، إضافة إلى أن عدد الموظفين المرتفع
البالغ 170 ألف موظف تقريبا، بما فيهم الموظفين الوهميين الذين يتقاضون رواتبهم وهم
خارج نطاق العمل والوظيفة وبعضهم في الشتات.
وفي وثيقة سرية تم الكشف عنها حول فاتورة الرواتب
لشهر كانون أول من هذا العام، نشرت صحيفة الحياة الفلسطينية بعضا منها، أن إجمالي الراتب
بلغ (727،287،824) شيقلا، ثلثها للأمن والباقي للموظفين في السلطة، وقد مثل قطاع غزة
أكثر من 55% من رواتب العسكريين والأننيين الذين لا يخدمون الوطن، وإنما هم جالسون
في بيتهم بحجة الانقسام.
وذكرت الوثيقة أن 2% من موازنة الرواتب تصرف على
شكل منح بقيمة 1000 شيكل شهريا، يستفيد منها نحو (12428) شخصا، بإجمالي بلغ (15،965،383)
شيقلا، أرسل 91% منها إلى قطاع غزة ؟!!، وطبعا أرسلت هذه إلى موظفي حركة فتح وفصائل
المنظمة الذين لا يمارسون دورهم الوظيفي منذ قيادة حماس لقطاع غزة، حيث تدفع هذه المقتطعات
خارج إطار سلم الرواتب، أي على هيئة منح لشراء الولاءات والمواقف السياسية.
وقد أكد الدكتور نصر عبد الكريم أستاذ الاقتصاد
في جامعة بيرزيت في إحدى تحليلاته، أن صافي التكلفة الشهرية للرواتب يتجاوز 200 مليون
دولار شهريا، حيث تستهلك 75% من الموازنة، 60 % منها تصرف إلى الضفة و40% تصرف إلى
قطاع غزة، وأن تأخر الرواتب يعني عدم قدرة 200 ألف أسرة فلسطينية في الضفة الغربية
من دفع مستلزماتها، إضافة إلى انعكاس ذلك على الحركة التجارية وواقع الاقتصاد الوطني.
الخلل في التوزيع
وتشير تقارير هيئة النزاهة أن 33،2% من الموازنة
تنفق على الأمن، حيث بلغت هذه النفقات 3،5 مليار شيقل، أي ما يعادل 807 مليون دولار،
فيما بلغت نفقات مكتب الرئيس محمود عباس نحو 300 مليون شيقل بما يعادل 76 مليون دولار
سنويا، وأضاف التقرير أن مصاريف وزارة الخارجية الفلسطينية التابعة لحكومة رام الله،
والتي يديرها رياض المالكي بلغت سنويا 223 مليون شيكلا بما يعادل 61 مليون دولار، فيما
ينفق على السفارات الخارجية 3،2% من الميزانية العامة.
كما أشار تقرير هيئة النزاهة الذي وزع على الصحفيين
والباحثين والمراقبين، إلى أن 22% من كبار موظفي السلطة يستهلكون 50% من حجم الرواتب،
فيما يستهللك 78% من الموظفين النصف الآخر.
وقد أدى ذلك إلى بعثرة ميزانية السلطة وتوزيعها
بغير إنصاف، إضافة إلى ارتفاع النفقات المطلوبة جراء قرارات سياسية مبرمجة كان على
رأسها إحالة عدد كبير من الموظفين على التقاعد المبكر، بنسب تقاعدية عالية، حيث قرر
سلام فياض أن تقاعد العسكريين والأمنيين يبقي رواتبهم كما هي 100%، وهذا دفع الكثيرين
من كبار ضباط الأجهزة الأمنية وقوات الأمن الوطني للتقاعد وعودة الكثير منهم للعمل
كمستشارين بمكافآت مقطوعة، الأمر الذي أرهق ميزانية السلطة.
كما أن هناك الآلاف من كوادر حركة فتح مفرغين على
وظائف تعمل لصالح التنظيم، وليس لصالح السلطة، وهؤلاء مصنفين ضمن سلم الرواتب العالية،
وهناك عملية خلط ومزج بين ميزانية حركة فتح ومخصصاتها وميزانية السلطة، إضافة إلى إن
موازنات الفصائل التي تدور في فلك السلطة هي مقتطعة أيضا من موازنة السلطة ؟؟ !! ،
وهذا بدوره أدى إلى إرهاق الموازنة العامة.
وفي قراءة مذهلة لسلم رواتب كوادر منظمة التحرير
وقيادات فتح، فإن المواطن المحروم من راتبه، يشعر بحجم الإفراط في ضياع الميزانيات
التي تخرج عن إطار الموازنة الرسمية التي ينبغي أن تكون مخصصة لنفقات الشعب ومشاريعه
التنموية والتي هي على النحو الآتي بحسب بعض الوثائق المهربة:
• ميزانية مكتب عضو
اللجنة التنفيذية التي تصرف شهريا 50 ألف دولار.
• ميزانية مكتب عضو
اللجنة المركزية لحركة فتح 37 ألف دولار.
• راتب المستشار الأجنبي
الشهري 15 ألف دولار.
• راتب مستشار عربي
12 ألف دولار.
• رواتب رؤساء المحاكم
يصل بعضها إلى عشرة آلاف دولار.
• راتب اللواء المتقاعد
خمسة آلاف دولار.
• راتب العميد المتقاعد
ثلاثة آلاف دولار.
• راتب العقيد المتقاعد
2.5 ألف دولار.
• رواتب الوكلاء
(وما أكثرهم) ألفي دولار.
• رواتب المدراء العامون
ألفي دولار (وهم بالمئات).
كما ساهم في إرهاق ميزانية السلطة، الفوائد الباهظة
التي تدفع للبنوك المحلية والخارجية، إضافة إلى الديون المتراكمة للقطاع الخاص كالمقاولين
وشركات الأدوية وغيرها من المتطلبات الأخرى.
أزمة الرواتب
وتشكل أزمة الرواتب حالة من الإرباك في صفوف الموظفين
التي تعتبر بالنسبة لهم شريان الحياة، وفي حال تأخرها أو توقفها يعني توقف الحياة عنهم،
خاصة وأن النسبة الكبرى من هؤلاء الموظفين ارتبطوا بقروض بنكية، إما لشراء شقق سكنية
أو سيارات خاصة، مما فرض عليهم التزاما شهريا لا مفر منه، وهذا بدوره جعلهم يعيشون
حالة نفسية صعبة للغاية يحمّلون أسبابها للسلطة.
وقد هددت نقابة العاملين في الوظيفة الحكومية التي
يرأسها الفتحاوي بسام زكارنة أكثر من مرة، البدء بإضراب مفتوح حتى يتم صرف الرواتب،
فيما نفذت إضرابات متقطعة للضغط على حكومة فياض، وقال زكارنة في حديث لوكالة وفا التابعة
للسلطة: إن الموظفين يقرضون الحكومة قرضا بقيمة 450 مليون ويدفعون فوائد تأخير رواتبهم،
مضيفا أن البنوك تحصل على فوائد من الحكومة على هذا القرض مرتين، الأولى من الحكومة
والثانية من الموظف، مبينا أن الفوائد ينبغي أن تتحملها الحكومة فقط.
وأضاف زكارنة "إن الموظفين العموميين يعيشون
حالة مآساوية مع أسرهم ومع ذويهم ومرضاهم وأبنائهم الطلاب في حال تأخر الرواتب الذي
بات حالة شهرية".
على صعيد آخر قالت دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية
في تقرير لها، إن نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني شهدت ارتفاعًا ملموسا عن مستوياته
في العام الماضي، ففي نهاية عام 2011م أعلنت الدائرة أن نسبة البطالة بلغت 23،6 %،
فيما ارتفعت هذه النسبة لهذا العام لتصل في قراءة أولية إلى 25،7 %، وذلك بسبب تردي
الأوضاع الاقتصادية وانخفاض الدخل العام.
غضب شعبي يتفاقم
لم تعد حالة الغضب على السلطة مرتبطة بحركة حماس
فحسب، التي تحتج دوما على ممارسات السلطة تجاه أبنائها ومؤسساتها بالضفة، وإنما طالت
موجة الغضب مستقلين وعناصر من فتح وآخرين من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
الأستاذ غسان عرايضة يعمل مديرا لمدرسة أساسية في
منطقة بيت لحم، وهو من أنصار حركة فتح، يرى أن عملية تأخير الرواتب مسألة سياسية أكثر
من كونها مسألة أزمة مالية، مشيرا أن من لا يستطيع إطعام الشعب فهذه مشكلته وليست مشكلة
الشعب وإن كان غير قادر على هذه المهمة فليتركها لغيره، وأضاف عرايضة: نحن نتقاضى رواتب
تعتبر فتاتا مع المسؤولين الكبار الذين يبلعون ميزانية السلطة فلماذا نحن ندفع الثمن
؟.
واعتبر أبو محمد غياظة الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا
على وظيفته، وهو ممرض في إحدى مستشفيات بيت لحم، أن تأخير الرواتب سيجر وبالا على السلطة،
وسيدفع إلى تراجعها في ظل ظروف سياسة صعبة، وتسائل: لماذا تصرف الرواتب بداية كل شهر
في حكومة هنية رغم أنه محاصر، ولا تصرف عندنا ونحن نتغنى بعمقنا الدولي وعلاقاتنا مع
أمريكا وأوروبا ؟ أليس هذا عار في جبيننا ؟ أين هي السلطة التي تريد أن تحقق لنا دولة
.. أي دولة هذه ونحن ننام على الجوع.
وطالب الموظف سالم جبران الذي يعمل مديرا في وزارة
الزراعة بمحافظة الخليل، بإقالة حكومة فياض ومحاسبة وزير المالية فيها، الذي حوّل الموظفين
الشرفاء إلى متسولين في زمن السلطة، وقال إن مسالة تأخير الرواتب ممنهجة ويبدو أنهم
يريدون من ورائها مواقف سياسية خطيرة.
وناشد جبران حركة فتح التي يعتبرها عمودا فقريا
للسلطة قائلا: أين أنتم .. ألا تخشون على مستقبلكم، إن تجويع الموظفين خطوة على طريق
الإفلاس الفكري والسياسي والتنظيمي.
واستهجن أبو شادي العدم الرائد في إحدى الأجهزة
الفلسطينية دعوات الرئيس عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيحها لنتنياهو متسائلا: هل نحن
رعايا عند نتنياهو، وهل مصيرنا ومستقبل حياتنا مرتبط به؟، وهل حل السلطة ينهي أزمتنا؟
، وإذا حلت السلطة أين نذهب نحن الكادحون، غيرنا من أصحاب المواقع والمسؤوليات لهم
قصور وأرصدة ومقدرات لا يهمهم حل السلطة، ولكن ماذا سيكون مصير أكثر من ثلاثين ألف
كادح تركوا عائلاتهم وتشتتوا وحضروا للوطن، أسئلة كثيرة تحتاج إلى مسؤول كبير راتبه
خمسة آلاف دولار شهريا ليجيب عليها؟!.
أما النساء فلا يملكن أمام تلك الأزمات إلا البكاء
.. إنها المربية هيفاء أم سليم مدرسة رياضيات في إحدى مدارس دورا، متزوجة ولها خمسة
من الأبناء والبنات: تقول أنا موظفة وزوجي عامل وقد قمت بشراء شقة سكنية عن طريق البنك،
وجراء ذلك التزمت بدفع شهرية لمدة سبع سنوات، وحال تأخر الراتب وعدم نزوله في البنك،
يأتيني إشعار تهديد ببيع الشقة بسبب عدم الالتزام بالدفع.
وأضافت أم سليم: زوجي غير دائم العمل بسبب الظروف
الاقتصادية الصعبة، فهو غير قادر على تغطية نفقات البيت، ونحن نتعاون في هذه التغطية
بما تبقى من راتبي وما يستطيع هو من تحصيله جراء العمل .. لكن تأخر الراتب يصنع إرباكا
مزدوجا في البيت.
هكذا يبدو مشهد الشارع الفلسطيني الذي يعيش واقعا
مؤلما أشبه بالفلم التراجيدي، جراء سياسات عباس وفياض التي نقلت عشرات الآلاف من الموظفين
إلى أجواء من القلق النفسي والتوتر اليومي، وحالة من الضجر وهم يتسائلون: إلى أين نحن
ذاهبون، ما هو مصير أبنائنا، ما هي آفاق المستقبل؟.