القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

برج البراجنة وجواره

برج البراجنة وجواره
 

الإثنين، 01 تشرين الأول، 2012

«إذا ولدين تخانقوا، واحد من المخيم وواحد من المناطق المجاورة، ممكن تبلّش حرب مخيمات جديدة»، هكذا يعرّف أحد سكّان «مخيم البرج» العلاقة بين مخيّمه واللبنانيين.

وقع بين يديّ منذ فترة كتاب لم أعد أجد اسمه ولا اسم كاتبته. والكتاب عبارة عن يوميات ممرضة أجنبية، تطوّعت للخدمة في مستشفى حيفا في مخيم «البرج» خلال فترة حرب المخيمات. وبين ما كتبته وما صوّرته وما نسمعه يُقال همساً وفي الغرف المغلقة، الكثير من العذاب وجروح لا يدملها الزمن. جنوبيّ بيروت، يقع مخيم برج البراجنة، خارج الحدود العقارية للمدينة، وفي جوار كان له يوماً عدواً. أسأل أبو رامي عن «الأحداث»، فيرفض الكلام، ويقول لي: «هنالك قرار غير رسمي يمنع الكلام على هذه الحقبة». لا أحد يريد تذكّر الحرب اللبنانية على المخيمات، ولكن ما يختبئ في القلوب والذاكرة ينزلق سهواً من الأفواه أحياناً.

ومع ذلك، نجد هذه الحرب في العلاقات مع الجوار والخوف الدائم من اشتعالها مجدداً. وقد دفعت المشاكل على الأرض والتهديد الذي يمكن أن تحمله أي مشكلة صغيرة، أهالي المخيم إلى إنشاء لجنة أمنية تنسيقية مع كل من حركة أمل وحزب الله.

جغرافياً، يحدّ المخيم في الشمال أوتوستراد، وفي جنوبه «حي البعلبكية» وتجمّع أكراد، ومن الغرب طريق المطار القديم، ومن الشرق سوق يفصله عن الأحياء اللبنانية لمنطقة برج البراجنة.

يبدأ محدّثي كلامه على «حي البعلبكية». يعرّفه بأنه «خط تماس من أيام حرب المخيمات». وقد نشأت مشاكل بين الحي والمخيم عند كل محاولة بناء على حدود المخيم، هكذا يقول أحد سكان المخيم «كان بدّن يتعمّر بيتين للبنانيين مقابل كل بيت فلسطيني». وبعد حرب تمّوز، عادت المشكلة ذاتها بأن بدأ فلسطينيون بالبناء في منطقة الجورة، ولم تتوقّف المشاكل حتى رسّمت الدولة المنطقة تابعة للمخيم.

أمّا الأكراد، فهم «جيرة منيحة»، يتصاهرون والمخيم، ويزورونهم في المناسبات، ويصفهم محدّثي العلاقة بأنّ هناك «خلطة ونسيجاً بينهم وبيننا في المخيم».

بعيداً عن مشاكل المخيم مع جواره، للمخيم مشاكله الخاصة وجماليّته ونقاط جذبه من جهة أخرى. تشكو ربّة المنزل الهادئة «نموّ المخيم» كما تسمّيه. «ما في ضوّ بالغرف. نحن نسكن الطابق الثالث الذي كان من أعلى الطوابق في الحي. شوفي هلّق كلّن عم يعلوا، كإنو صرنا غرقانين». وتظهر المشكلة جلية عند المشي في الطرقات الضيقة للمخيم، والنور لا يكاد يصل الزواريب، وأشكال المباني الملتوية يقترب بعضها من بعض وتلغي أي إحساس بالخصوصية. وفي «عزّ» الأزمة السكنية في المخيم والنمو العمودي للمباني، تبقى مبان تُعرف بـ«بنايات صامد»، ممزّقة كمشربيات قديمة، عالية فارغة. هذه المباني كانت مؤسسات مهنية ومساكن ومشاغل خياطة ومعامل صغيرة وبيوت للفلسطينيين، دُمّرت خلال الحرب، ثم أغلقت مؤسسة صامد، وهي الآن تحت سيطرة فتح الانتفاضة، كما قال لنا سكّان من المخيم. وبسبب حجمه الذي ينمو بسرعة، استقطب المخيم الكثير من المؤسسات والجمعيات غير الحكومية. وبدورها، استقطبت هذه الجمعيات الكثير من... الأجانب.

وأعني بذلك الأميركيين خصوصاً. هناك العديد من «المشاريع» و«البرامج» و«صفوف تعليم الإنكليزية» التي تجذب طلّاباً أميركيين من الجامعة الأميركية في بيروت (خاصة) أو غيرها. أسأل إحدى موظّفات مؤسسة خيرية ناشطة في المخيم عن دور هؤلاء وعلاقتهم أو معرفتهم بالقضية الفلسطينية وربّما حتى التهديد الذي يشكّلونه... تضحك وهي تقول لي إن معظمهم يأتي وهو لا يملك أية معرفة بالقضية الفلسطينية أو التاريخ أو واقع اللاجئين. «يأتون للتطوّع، يعني ليعملوا شي منيح. يمكن لو تأمّن لهم تطوّع آخر في... تنظيف الشاطئ مثلاً، ما بيكون في فرق عندهم». فالتطوّع في مخيم فلسطيني مثقل بمعانٍ سياسية ومعاناة سنين وقهر، وحاجة حيّة نابضة للتحرّر، كل هذا لا وجود له عندهم. من جهة أخرى، تقول لي محدّثتي إن «جمع المعلومات عن المخيمات وساكنيها، وخاصة بعد النزوح السوري إلينا، جارٍ على قدم وساق». وهي تعترف بأن كلّ مشروع تقوم به في المخيم، يُلحق بـ«تقرير» مفصل للجهة المانحة (الأجنبية طبعاً) يحوي أساساً كميّات هائلة من الإحصاءات والمعلومات عن المخيم وأهله. وتغمز قائلة: «وما منعرف لمين بيوصلوا هول المعلومات». إنّه عصر جمع المعلومات!

فقد جرت أخيراً مثلاً، تعبئة ما سمّوه «استطلاع رأي» من قبل اللاجئين الفلسطينيين من سوريا. وقد شكت لي حاجة لاجئة، تعبة من قيظ النهار وهمّ اللجوء، همها، ثم أعطتني ما سمته «دفتراً» من ثماني صفحات، طلبت منها إحدى الجمعيات تعبئته! لم يكن شرطاً للإعانة، ولكنه لم تفهم لم عليها أن تملأ ذلك «الدفتر». وبسبب الأزمة السورية ودور السلفيين فيها خصوصاً، يمكن ربط محاولات معرفة هوية اللاجئين هذه، بجملة قالها أحد محدّثيَّ في المخيم عن الضغط الذي يتعرّض له أهالي المخيم من الجوار عبر «أخبار أو شائعات أو اتهامات» بوجود سلفيين في المخيم. فمن الخارج أو من الداخل، يعيش المخيم ضغط الأهل والجوار. ضغط الذاكرة والحروب والألم المكبوت، وضغط الحاضر الذي يحاول ألّا يكون منبّئاً بمصيبة. زواريب المخيم وبيوته ضيقة، وأهله ما زالوا يستقبلون نازحين من سوريا، لكن إلى متى يستطيع مخيم أن يحمل هذا العبء؟

المصدر: جنى نخال - جريدة الأخبار اللبنانية