هدم المخيمات
الفلسطينية بين الملكية الخاصة وإشراف الأونروا
تجمع جلّ البحر
للاجئين الفلسطينيين في عين العاصفة البحرية والبشرية
محمد السعيد/
شبكة العودة الإخبارية
يتوزع اللاجئون الفلسطينيون
في لبنان على اثني عشر مخيماً مسجلاً لدى الأونروا، عدداً من التجمعات غير المسجلة
في الأونروا. ومن هذه التجمعات وأبرزها تجمع جل البحر الواقع عند المدخل الشمالي
الملاصق لمدينة صور الجنوبية، وتم إنشاؤه في العام 1954، ويبلغ عدد سكانه نحو 2500
نسمة، معظمهم من البدو الذين هاجروا من قرى قضاء عكا في فلسطين، يعيشون في بيوت
تكاد الجدران تقع فوق رؤوسهم، ويعتبر هذا التجمع من أكثر التجمعات الفلسطينية
فقراً، بيوتهم عبارة عن أكواخ ممتدة من الشارع إلى البحر يفصل بين منازله طرقات
ضيقة تكفي لمرور شخص واحد، ولا يحق لهم الترميم ولا البناء.
ثمة شارع رئيسي يفصل بين
صورة للثراء الفاحش تتمظهر في مبان جديدة وصورة تجمع جل البحر بأكواخه المهترئة
وبيئته الملوثة ومجاريه الممتدة إلى البحر.
ويُعتبر تجمع جل البحر من
أكثر التجمعات الفلسطينية في لبنان معاناة بسبب موقعه الجغرافي، وكونه تجمعاً لا
يحظى بالخدمات الرسمية المقدمة من البلدية أو من الأونروا التي تقدم خدماتها
الرئيسية فقط في المخيمات. كما أن موقعه على طريق رئيسي مؤدٍ إلى مدينة صور من
جهة، وعلى شاطئ البحر من جهة أخرى، جعله عرضة لخطر البحر وعوامل الطبيعة وسرعة
السيارات العابرة المميتة.
وبسبب التهميش الذي يعانيه
هذا التجمع فإن الجهات المسؤولة لم تستجب لنداءات كثيرة بضرورة وضع مطب صناعي يحول
دون سرعة السيارات. وقد تعددت حالات الوفاة الناتجة عن ذلك. بل لمس أهل التجمع
رفضاً مقصوداً من الجهات المعنية بوضع هذا المطب.
يفتقر جل البحر إلى جميع
أنواع الخدمات ويمتلئ بالنفايات التي لا مكان مخصصاً لها وليس في التجمع عمال
نظافة ولا حتى بنى تحتية، وأهله غير مرغوب بهم من قبل الدولة اللبنانية يتعرضون
لكل انواع التضييق الانساني، من منازلهم المتهاوية إلى منع الجمعيات الأهلية من
إتمام مشاريع ترميم داخل المخيم.
ويقع تجمّع جل البحر على
أرض عقارية تساوي الملايين وتتحول إلى المليارات إذا ما أقيم عليها منتجعات
سياحية، وهذا هو السبب الرئيسي في تعمد الإهمال والتضييق، من أجل أن يرحل السكان
إلى شتات جديد.
دعوى مرفوعة
لإزالة التجمّع
تلقّى عدد من العائلات
إنذاراً بهدم منازلهم بموجب حكم قضائي صدر عام 2009، وعلى إثره قطع أهالي مخيم جل
البحر للاجئين الفلسطينيين طريق عام صور بمحاذاة المخيم، حسبما ذكرت جريدة
المستقبل بعددها الـ3469 الصفحة 9 بتاريخ 31-10-2009، وذلك احتجاجاً على تلقّي عدد
من العائلات إنذاراً بهدم منازلهم بموجب حكم قضائي. وقام الأهالي، نساءً وأطفالاً،
بقطع الطريق في الاتجاهين تحت المطر، ورددوا هتافات مندّدة بما آلت إليه أوضاع
الفلسطينيين في لبنان، وقالوا إن هذا القرار مقدمة لاقتلاع المخيم من مكانه.
وناشد أهالي التجمع الرؤساء
الثلاثة وقف ما يتعرضون له من مآسٍ ومعاناة وطالبوا «الأونروا» بالتدخل الفوري
لوضع حدٍّ لما يتعرض له اللاجئون. وقالوا «لن نسمح بأن نكون نهرَ بارد آخر»،
وأكدوا البقاء في منازلهم «مهما كانت النتائج، ولو هدمت على رؤوسنا لأن أي هدم
لجدار في المخيم سيتسبب بانهيار جميع المنازل».
ويُعتبر جلّ البحر من أكثر
الأمكنة تضرراً بالعواصف الشتائية، فهو معرضٌ من جهة الغرب لغضب العواصف البحرية،
فيما تهدّده مياه الشارع وخطر انزلاق السيارات التي اجتاحت عدداً كبيراً من
المنازل القريبة من الطريق من شرقه. ومع كل عاصفة، تكون المنازل عرضة لمزيد من
الأضرار، في الجدران المتهالكة وسقوف «الزينكو» التي تدلف منها المياه إلى فرش
الأطفال. وتحتاج منازل التجمع إلى تأهيل فوري تفادياً لسقوطها فوق رؤوس ساكنيها
بسبب فقر العائلات وعدم توافر الإمكانات المادية لبناء مساكن بمواصفات آمنة، إضافة
إلى منع الحكومة اللبنانية والقوى الأمنية سكان تجمع البحر من ترميم منازلهم منذ
سنوات طويلة، وعدم وجود موانع طبيعية ومكاسر للأمواج مقابل هذه المنازل لحمايتها
من الأمواج العاتية. كما تفرض الدولة اللبنانية قيوداً شديدةً على دخول مواد البناء
إلى مخيمات منطقة صور، وبالتالي صعوبة بناء سدود وحواجز أمام المساكن المهددة
بالأمواج.
وهنا يبقى السؤال، إلى متى ستستمر معاناة الأهالي في تجمع جل البحر، وهل من
منقذٍ لهم من تداعيات التهميش، وإلى متى سيظل اللاجئون الفلسطينيون رهائن دعاوى
قضائية من أثرياء ومتنفذين يهدفون إلى إزالة التجمع من مكانه؟ وإلى متى يُمنعون من
حماية مساكنهم المهددّة بالهدم والجرف في مواجهة العواصف؟ إلى متى يبقى اللاجئون
الفلسطينيون في تجمع جل البحر يفتقدون الحماية الكافية، والحقوق التي تحميهم من
تغوّل المتنفذين على بيوتهم الفقيرة.