تجمع "محبة".. أملٌ بالتغيير يطلّ من مخيمات الفلسطينيين بلبنان
الأحد، 24 تموز، 2011
أكثر من 90 شابًا كانوا يطْلون جدران مداخل مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، حوالي ستين من سكان المخيم، ويشاركهم ثلاثون شابًا فلسطينيًّا من أبناء اللاجئين الفلسطينيين الذي قدموا من أوروبا. شبان المخيم هم ممن ينتسبون إلى "التجمع الشبابي لتطوير المخيم (محبة)"، ليس حزبًا أو تنظيمًا جديدًا يُضاف إلى الفصائل الفلسطينية القائمة، بل تجمع أهلي اجتماعي للنفع العام.
أن يفكّر شبان بعمل جماعي يتجاوز الحساسيات السياسية، وسط مجتمع بأكثريته (حوالي 70%) يعاني من البطالة، وارتفاع بمستوى الأميّة إلى درجة مرعبة (6% فقط هم المتخرّجون الجامعيون)، فذلك التفكير يُعدّ ثورة حقيقية في إدراك المشاكل الاجتماعية وسبل حلّها.
طلاء الجدران، في جوّ من الألفة والبهجة، لا تمييز في المكانة الاجتماعية، فالكلّ يعمل، هذا رئيس تحرير مجلة، وذاك أستاذ رياضيات، وآخر عامل بناء، الكلّ سواء.
إزالة الملصقات تطلّبت جهدًا كبيرًا؛ فالملصق يغطي ملصقًا يعلو آخر، حتى إن بعض الملصقات تعود لفصائل غادرت المخيم منذ حوالي العقدين، فيمازح أحدهم زميله "أعتقد أننا سنجد ملصقًا للشهيد محمد اليماني"، وهو أول شهيد ارتقى من أهالي المخيم عام 1966.
هدف الطلاء، إضافة إلى البعد الجمالي، كان تشكيل حالة تضامنية بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واللاجئين الفلسطينيين في أوروبا، وهو ما انعكس بتعهّد الأخيرين أن يقوموا بدراسة بعض المشاريع الخاصة بتطوير المخيم، تمهيدًا لتمويلها، أو تمويل بعضها على الأقل.
"التجمّع الشبابي لتطوير المخيم"، انطلق في آذار/ مارس من العام الجاري. وسبقت انطلاقته لقاءات عديدة بين مؤسسيه لدراسة المشاكل التي يعاني منها المخيم، وخلصوا إلى أن الحروب التي شهدها المخيم، لم تتبعها خطط إنقاذية، بل إن هجرة النخب من أهالي المخيم ساهمت في مضاعفة التداعيات السلبية لتلك الحروب. وجرى الاتفاق على إنشاء تجمع "لخدمة المجتمع، وتطوير المخيم في مختلف المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية والعامة". كما يقول أحمد علي، أحد مؤسسي التجمع.
ويوجز الأهداف بالقول "إنها تتلخص بتحسين مستوى الخدمات، وتطوير الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة الفساد الأخلاقي، ومنع الاعتداء على الأملاك العامة، ومكافحة الفساد في المؤسسات الفلسطينية العامة، والعمل على تحسين عملها لخدمة الصالح العام، ومساعدة المحتاجين، وحفظ الأمن والاستقرار داخل المخيم ومع الجوار اللبناني، والعمل على إيجاد بيئة فلسطينية اجتماعية جيدة، لإيجاد جيل فلسطيني يساهم في مشروع التحرير والعودة، وأخيرًا المحافظة على عادات المجتمع الفلسطيني وروابطه الاجتماعية".
يفاجئ المتابعين لعمل التجمع ذلك التجانس بين أعضائه، رغم أنهم ينتمون إلى فصائل سياسية متعددة، بالإضافة إلى وجود مستقلين، وهذا الأمر لم يعتده العمل الاجتماعي، ولا الأطر المجتمعية في المخيم؛ فلأول مرة يجتمع أكثر من 150 شابًا من مشارب مختلفة ليعلنوا اتفاقهم على برنامج عمل موحّد للصالح العام، وإن كان هذا الأمر لم يرق لبعض الفصائل التي مارست ضغوطًا على عناصرها المشاركة لمنعها عن ذلك، لكن كانت لتلك العناصر مواقف حاسمة من أنهم لن يتركوا التجمع تحت أي ظرف، خاصة وأن ميثاق التجمع ينص على "تقديم المساعدة لجميع الناس دون استثناء أو تمييز"، وكذلك فإن "العضوية في التجمع تكون على أساس شخصي لا فصائلي".
إنهم يخدمون سكان المخيم الـ 23 ألفًا دون منّة أو تمييز، كما يقولون، ولهذا فإن المشاريع التي يقومون بها لم تستهدف حيًّا دون غيره، بل شملت كل أحياء المخيم الرئيسة، ومن هذه المشاريع مشروع رفع أسلاك الكهرباء وأنابيب المياه. هذه الأسلاك التي أخذت، في السنوات الأخيرة، تشكّل خطرًا حقيقيًّا على السلامة العامة؛ إذ أنها تتدلّى في زواريب المخيم لتصطدم برؤوس المارّة، وهو ما أدّى إلى وفاة عدد من الأشخاص. أما رفعها فدونه تكلفة مادّية هائلة.
التجمّع أخذ على عاتقه مهمة القيام برفع الأسلاك الكهربائية وأنابيب المياه، من خلال العشرات من المتطوّعين وبينهم العديد من المتخصصين، ونجح التجمّع في إتمام مهمته خلال شهرين ونصف، العمل كان يتم في أيام العطل الأسبوعية. ثمّ قام بعد ذلك بحملة رشّ المبيدات. واليوم بعد أن انتخب التجمع لجانه الصحية والتعليمية والبيئية من المقرّر أن تنطلق ورش العمل إلى آفاق أوسع، كما يقول مؤسسوه.
إضافة إلى العمل الذي يقوم به التجمع في خدمة وتطوير مخيم برج البراجنة، فإنه ترك تأثيرًا قويًّا في نفوس السكان حيث عادت الروح التطوّعية إلى الوعي والمجتمع، وانطلق كثيرون في أعمال تطوّعية، بل إن مخيمات أخرى، كمخيم شاتيلا القريب، أخذت تطالب التجمع بنقل التجربة إليها.
المصدر: دائرة شؤون اللاجئين – وكالات أنباء