تحرّكات سياسية لحماس في لبنان: لحماية الوجود الفلسطيني
ومنع الفتنة المذهبية
بيروت - رافت مرة
توتَّر الجو السياسي في لبنان في الأسابيع الأخيرة، وانعكس
هذا الأمر تصعيداً في الخطاب السياسي، وفي المواقف الإعلامية وفي التحركات الشعبية
الميدانية.
ولم يكن توتر الأجواء السياسية في لبنان مسألة جديدة،
بل هي مسألة قديمة ومتكررة. لكن هناك عدة عوامل أسهمت في هذا التصعيد والتحريض والتحريض
المضاد، أهمّها:
●
انعكاسات الأزمة السورية، وتأثر لبنان بها، وخاصة أن سورية محيطة بلبنان من الشرق والشمال،
وهناك انقسام سياسي لبناني تجاه ما يجري في سورية، يترافق مع اتهامات واتهامات مضادة
بالتدخل العسكري في سورية، لمصلحة النظام أو لمصلحة المعارضة.
●
احتمال تأجيل الانتخابات في لبنان، وعجز النظام السياسي اللبناني إلى الآن عن الاتفاق
على قانون انتخابات مقبول من الجميع، ويرافق ذلك مخاوف من التمديد للمجلس النيابي.
●
تراجع الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وبروز أزمات اقتصادية كبيرة، بسبب تراجع السياحة،
وانسداد التجارة الخارجية بسبب الأزمة في سورية.
●
ارتفاع وتيرة التصعيد المذهبي في المنطقة وتأثر لبنان بها، وامتداد آثار الصراع بين
إيران ودول الخليج والعراق على المنحى المذهبي، وبروز مجموعات إسلامية لبنانية معارضة
لحزب الله.
نتائج سلبية
تصاعُد الأزمة في لبنان والمنطقة انعكس توتراً في الأداء
السياسي والشعبي والإعلامي؛ إذ نزل مئات من الناس إلى الشوارع، وهددوا بقطع طرقات عامة،
وصدرت مواقف إعلامية متشددة، وتعرضت جهات سياسية وحزبية لهجمات كلامية، ما زاد من التوتر
السياسي والإعلامي.
أمام هذا التصعيد، اضطرت الحكومة اللبنانية إلى أخذ إجراءات
مثل نشر الجيش اللبناني في بعض المناطق، وتشديد الإجراءات الأمنية حول عدد من الساحات
والمراكز، بعدما ارتفعت المخاوف من مواجهات عنفية أو مسلحة.
وتسارعت وتيرة الاتصالات السياسية لتطويق ذيول الأحداث،
ونجحت هذه الإجراءات في التخفيف من حدة الأعمال، لكن لم تنجح في وقفها، بسبب الانقسام
السياسي الحاصل، وضعف الدولة، وتوقف جلسات الحوار التي كان يقودها رئيس الجمهورية.
العامل الفلسطيني
أُدخل العامل الفلسطيني على مسرح الأزمة في لبنان، وضُخّت
كميات كبيرة من المعلومات عن دور العنصر الفلسطيني في الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية.
وحفلت مواقف بعض السياسيين ووسائل الإعلام بأخبار واتهامات ومعلومات مفبركة عن دورٍ
فلسطينيٍّ ما في الأزمة.
ومن ذلك على سبيل المثال: انتقال عناصر فلسطينيين للقتال
في سوريا، وهذا حصل للأسف، لكن ضُخّمت الأعداد، وتحول بعض المخيمات إلى مركز إيواء
لعناصر من تنظيم النصرة، واستعانة مجموعات لبنانية بعناصر فلسطينية من مخيمي البداوي
وعين الحلوة، وبروز مخاوف من تغلغل المعارضة السورية في بعض المخيمات الفلسطينية واتخاذها
مقراً للهجوم على أهداف لبنانية.
وللأسف، ترافقت هذه الشائعات مع وقائع ميدانية حصلت في
عدد من المخيمات. فقد هزّت سبعة انفجارات في ليلة واحدة مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين،
بدءاً من التاسعة والنصف ليلاً وحتى الرابعة والنصف فجراً، وقد أعقبها توتر أمني ملحوظ
وإطلاق نار في أرجاء المخيم. وتبين أنّ الانفجارات ناتجة من إلقاء قنابل يدوية أدت
إلى سقوط جريح وأضرار مادية. وأكّدت مصادر أمنية فلسطينية أن «الانفجارات السبعة تصبّ
في خانة توتير الوضع الأمني في المخيم، وقد استهدف أحدها منزلاً لأحد الإسلاميين بعدما
استهدفت القنابل في مرّات سابقة مقرّ ?نظمة الصاعقة، علماً بأنّ إحدى القنابل التي
أُلقيت فجراً استهدفت مقرّ الصاعقة أيضاً».
وذكرت المصادر عينها أنّ «مسلسل الانفجارات بدأ بإلقاء
قنبلة انفجرت في محيط منزل إحدى الشخصيات الإسلامية في المخيم، ويدعى محمود منصور في
حيّ المنشية، أعقبها إطلاق نار كثيف سُمع بعده دويّ ستة انفجارات لقنابل ألقيت في الشارع
الفوقاني، حي المنشية، الشارع التحتاني، موقف للسيارات، سوق الخضار ومحيط مقر الصاعقة».
وأدت الانفجارات إلى إصابة الفلسطيني صالح عويد بجروح،
ما استدعى نقله إلى المستشفى للمعالجة، إضافة إلى وقوع أضرار في السيارات والأبنية
والممتلكات.
وقُتل عدد من الفلسطينيين في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا
في أعمال فردية أسهمت في توتير الأوضاع، وتصاعَد الخلاف داخل حركة فتح حول قيادة لبنان
وإدارة جهات الأمن الوطني.
واشتعل الخلاف بين قيادات فتح حول هذه الأمور، وأدى ذلك
إلى توتر أمني عبر إلقاء قنابل ومحاولات اغتيال.
وأدى ارتفاع الخطاب المذهبي في لبنان بين السنّة والشيعة،
إلى تحوّل النظرة باتجاه الفلسطينيين، ذلك أن جميع القوى السياسية في لبنان تحاول جذب
الفلسطينيين إليها، وكل ذلك تحت عناوين سياسية أو مذهبية. وأيضاً لأن هناك انقساماً
سياسياً فلسطينياً ووجود روابط بين عدد من القوى السياسية اللبنانية ومجموعات فلسطينية
إسلامية وغير إسلامية موجودة في المخيمات.
تحرك سياسي
بعد قراءة معمّقة للواقع السياسي اللبناني، ولانعكاسه
على الأوضاع الفلسطينية، تحرّكت حركة حماس في أكثر من اتجاه، وهي ترى أن لها
"دالة" على القوى والمنظمات والشخصيات الإسلامية الفلسطينية في المخيمات،
ولها أيضاً علاقة تاريخية وثقى لا تنكرها مع "حزب الله"، فضلاً عن أنها رقم
صعب في المعادلة الفلسطينية، إضافة إلى صلتها بقوى وتنظيمات إسلامية لبنانية وازنة
في الساحة.
بناءً عليه، ومن موقع "جسر التقاطع والتلاقي"
هذا، قررت قيادة الحركة في لبنان أن تشرع بمهمتها، وهي تضع نصب عينيها ضرورة النجاح
مهما كلف الأمر؛ لأن ترك حبل الأمور على غاربه يعني أزمة ومأزقاً للجميع، وفي المقدمة
قضية المقاومة. هذا الحراك المستجد أتى بعد تلمّس قيادة الحركة خطورة ما يجري، فثمة
تصاعد للخطاب المذهبي، وثمة توتر داخلي على وقع الأزمة في سورية، فضلاً عن أن هناك
مخاوف ومخاطر على مشروع المقاومة في المنطقة وعلى مفردات هذا المشروع وأركانه، ولا
سيما أن ثمة من ينفخ في نار الفتنة المذهبية على نحو غير مسبوق.
بناءً على كل هذه الاعتبارات، بادرت قيادة "حماس"
إلى التحرك ووضعت نصب عينيها بلوغ الآتي:
●
تأكيد استقرار العلاقة الفلسطينية اللبنانية على كل الصعد.
●
رفض جرّ المخيمات الفلسطينية إلى الانقسام اللبناني.
●
الإصرار على بقاء الفلسطيني في موقع الحياد الإيجابي.
●
وأولاً وأخيراً الحرص على مسيرة السلم الأهلي في لبنان، وسدّ المنافذ لدخول الفلسطيني
عاملاً أو عنصراً في أي فتنة مذهبية.
●
وقبل ذلك كله رفض استقواء أي جهة لبنانية بأي جهة فلسطينية.
●
وفي خاتمة المطاف السعي مع الساعين بدأب إلى منع حصول فتنة مذهبية.
ويقول مصدر في الحركة: "خلال أيام قليلة قمنا بجولة
لقاءات مكثفة ومثمرة شملت حركة "أمل"، النائب علي عمار، الجماعة الإسلامية،
المدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي
العقيد عماد عثمان، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الأمين العام لتيار
المستقبل أحمد الحريري، النائبة بهية الحريري، ومفتي صيدا الشيخ سليم سوسان. وعلى جدول
اللقاءات، لقاء قيادة "حزب الله" وقيادة الجيش لكي نستكمل الاتصالات".
ويضيف: "وفي السياق ذاته، كان لنا لقاء لافت مع
الجماعات والحركات الإسلامية على اختلاف مسمياتها في عين الحلوة، حيث كان حوار معمَّق
في أهمية عدم جرّ المخيمات إلى أيّ فتن وصراعات لبنانية، وضرورة الانضباط، والحرص على
مسيرة السلم والاستقرار في الساحة اللبنانية".
ويؤكد المصدر أن هذا التحرك "لقي تجاوباً وترحيباً
من كل الأطراف السياسية اللبنانية، وقد أبلغنا المعنيين أنّ تحركنا يندرج في إطار إظهار
موقف فلسطيني موحد، ولا سيما أن ثمة تنسيقاً مع كل الفصائل الفلسطينية، وهي توافق عليه
وتباركه ومستعدة لالتزام نتائجه ومترتباته".
وأوضح المصدر أن ما تقوم به حركته "ليس إلا تحركاً
سياسياً بهدف تثبيت مبادئ، وفي ضوئه سنقرر ما هي الخطوات المقبلة بغية رأب الصدع".
ويشدد على "ضرورة أن يبادر الأطراف اللبنانيون إلى
المساعدة عبر خطوات معينة، أولها التوقف عن الاستعانة بالعناصر الفلسطينية في أعمال
سياسية وفي نشاطات معينة حتى لا يكون ذلك مادة استغلال سياسي".
هل ينجح التحرك؟!
يقول مصدر متابع في حركة حماس إن الحركة تدرك أنها تتحرك
في واقع صعب للغاية، يبدأ في لبنان ويمتد إلى كل المنطقة، وتدرك قيادة الحركة في لبنان
أن الخطاب المذهبي يتصاعد، وأن الانقسام في لبنان كبير جداً، وأن له جذوره، وتحركه
جهات إقليمية ودولية وأجهزة استخبارية ومؤسسات مالية.
لكن حركة حماس – كما يقول المصدر – تعمل وفق ثلاثة خطوط:
حماية الفلسطينيين في لبنان، منع إدخال الفلسطينيين في التجاذبات السياسية اللبنانية،
ومساعدة اللبنانيين على تجنب هذه الفتنة.
وتتواصل حماس مع القيادات الفلسطينية لتحقيق ذلك، وهم
يحملون الأفكار نفسها. أما إذا رفض المسؤولون اللبنانيون هذا التحرك، فهم أدرى بنتائج
أعمالهم، ويبقى المهم لحماس إبعاد الفتنة عن الفلسطينيين.
المصدر: مجلة العودة، العدد الـ67