تحقيق عن شهداء مسيرة العودة
سمية مناصري- موقع عين الحلوة
فمع حلول الخامس عشر من أيار تختلط المشاعر وتزدحم الأحاسيس والتي اقل ما يقال عنها أنها صادقة، وبعد مرور عام تبقى ذكراهم طود شامخ وسفر خلود وعنوان تضحية، أوصاف ليست بعيدة عنهما لكنها لن تفي حقهما فاللسان يعجز والكلمات تخجل والأقلام ترتعش وتتلعثم المعاني. الشوق دفع بهما إلى التضحية بدمهم وحياتهم التي هي في عمر الزهور لعبور خط النار إنه الشوق لرؤية فلسطين، بدمهم الطاهر قلبوا كل المعايير والموازين التي وضعها العدو الصهيوني ليثبتوا للصهاينة والعالم أجمع بأن الكبار يموتون والصغار يتذكرون فلسطين. هؤلاء الشبان الذين لم تتجاوز أعمارهم التاسعة عشرة، اخترقوا شريطاً شائكاً من دون أن توقفهم رصاصات الحقد الصهيوني التي أدمتهم لم توقف عزيمتهم في المضي نحو أرض الوطن التي لطالما سمعوا وحلموا بأن يغرس علم فلسطين على ترابها الطاهر، تمنوا ان يكون علم فلسطين خلف الشريط هذا ما تمنوه وهذا كان آخر عهدهم. لذلك كان من الصعب علينا أن تمر الذكرى السنوية الأولى دون أن نستحضر صور الشهداء الستة لمسيرة العودة ودعوا الأم والأخت والصديق الذي شاركه مسيرة العودة، معلنين أنهم أول العائدين إلى فلسطين، هؤلاء الشبان هم "محمد الصالح، محمود سالم، عماد أبو شقرا، وعبد الرحمن صبحي ومحمد أبو شليح وخليل أحمد من بعلبك".
عماد أبو شقرا
|
|
الصورة الأولى للشهيد" كما سموه فارس الأسلاك النازفة، تقدم الفارس ناعياً خلفه علماً رفع رأساً، حمل حب الأرض عشقاً، امتطى خيلاً كومة الأسلاك دفع الدم الزاكي للوطن مهراً صرخ يا وطني فداك، إنه الشهيد عماد أبو شقرا من مخيم عين الحلوة.
كنا قد قصدنا مخيم عين الحلوة والتقينا والدته فأخبرتنا مالم نعرفه عن عماد فقالت: عمره 17 ربيعاً، منذ نعومة أظافره يكره الظلم، عشق فلسطين من خلال الحديث عنها، عنيد، لكنه حنون على والدته وإخوته تحمل المسؤولية وهو صغير السبب وفاة والده. هوايته عندما كان صغيراً العاب السلاح وأيضاً يحب أن يستكشف هذا السلاح فيعمل على فكه وإعادة تركيبه من جديد. عنده أمل في الحياة، كان دائماً يخطط لمستقبله كأي شاب يريد أن يستقل بحياته الخاصة. |
عماد أبو شقرا قبل 15 أيار 2011 بيوم ماذا فعل؟
كان عليه دين "مصاري" لأحد الجيران فعمل على تسديد هذا الدين فكان يقول لعلي أستشهد لا أريد أن ألقى ربي وأنا عليا دين لأحد. ليلة 15 أيار أمضى ليلته وهو ينظر إلي ويقبل رأسي ويقول" أنا مشتاق إلك يا أمي كثير". كان مصمم أثناء الليل أن يوصل إلى الصهاينة ويضع علم فلسطين على الشريط أمام أعينهم. لم ينام في تلك الليلة، ومع آذان الفجر توضأ وصلى وجهز نفسه باكراً فكان يتنقل من شارع لآخر ينتظر وصول الباصات بفارغ الصبر، بعد طول انتظار وصلت الباصات فأخذ الناس يتسابقون كلاً يريد أن يحتل مقعداً قبل الآخر، كان عماد كلما صعد باص أخبروه بانه لا يوجد مكان له، صعد جميع الباصات كلهم استقروا على كلمة لا يوجد لك مكان. فما كان عليه إلا أن استقل سيارة تاكسي هو وأصحابه، وكأن قدره يستعجله للذهاب إلى مارون الراس، قبل الوصول إلى قدره المكتوب فوق جبينه منذ ولادته أبى إلا أن تكون آخر وليمة إفطار مع أصدقاؤه. الجميع وصل إلى مارون الراس وترجل لأن المسافة كانت طويلة ما بين وقوف الباصات والشريط الشائك مع أرض الإسراء والمعراج، للوهلة الأولى ودون تفكير حمل العلم ذلك الفارس، حاول البعض إيقافه لكنه استطاع الوصول إلى الشريط أعطى عهداً سوف يرفع علم فلسطين فوق الشريط وأمام أعين الصهاينة فكانت عند كلمته فأطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه فأصيب بكتفه اليسار قريبة من القلب ولكن قدرة الله فوق كل شيء إذ لم يكن عماد إنساناً عادياً لأن قلبه كان على جهة اليمين من جسده وليس على اليسار كباقي البشر، أما الرصاص الثانية فكانت على جهة اليمين حيث القلب بالنسبة لعماد عندها لم ينطق بأي شيء سوى الشهادة وأسلم الروح لرب الكون. رفع العلم عالياً مقدماً دمه مهراً لأرض الإسراء والمعراج، فكان هو الشموخ والإباء.
محمد سمير الصالح
|
|
المشهد الثاني مع الشهيد محمد سمير الصالح تحدثنا والدته قائلة: محمد من مواليد سنة1994 من مخيم الشهداء البرج الشمالي، محمد كان هادئ الطبع، يحب جميع الناس مخلص لأصحابه. صدم محمد قبل عام من استشهاده بوفاة والده حزن عليه حزناً شديداً. كان عنده حب كبير لقراءة القرآن وحفظ بعض الآيات والأحاديث النبوية الشريفة. كان لديه حب الاستكشاف، يحب منذ صغره تركيب الألعاب. يحب المغامرة. عندما كان عمره سبع سنوات كان يسأل الكبار عن فلسطين ويحب الحديث عنها، عندما كان يشاهد على شاشات التلفزيون المجازر التي يقوم بها العدو الغاصب تجاه أهلنا في فلسطين يثور ويغضب. قبل استشهادها بخمسة عشرة يوماً كان يخطط لبناء منزل خاص به، كان يفكر كيف يؤمن مستقبله ومستقبل شقيقه جهاد. |
في الخامس عشر من أيار عام 2011 هو موعد لمسيرة العودة، اتفق محمد مع أصحابه أن يكونوا في نفس الباص، طلبت منه أن يرافقني في نفس الباص لكنه رفض، صباح الخامس عشر من أيار للعام 2011 استيقظ محمد باكراً وجهز نفسه وخرج كي يوقظ أصحابه، وعاد مرة أخرى للمنزل يدخل إلى جميع الغرف وينظر إليها وينظر إلى إخوته وهم نائمون، تفقد البيت بصمت شديد.
ممكن تحدثينا عن مواقف مؤثرة في حياة محمد؟
وفاة والده أثر فيه. حرب تموز عام 2006 إذا كان هناك قصف قريب من المخيم كان يذهب كي يسعف ويساعد الجرحى.
كيف تلقيتم نبأ استشهاد محمد؟
كنت أنظر إلى الجرحى وأقول هذا عدو غدار لا يرحم، وفجأة رأيت محمد وهم يحملونه عشت على أعصابي فقالوا لي هذا ليس ابنك إنه شخص آخر، حاولت أن أتحدث إليه بواسطة التلفون كي يطمئن قلبي فكان يعطيني الرقم خارج الخدمة، شعرت بحيرة لا أعرف ماذا أفعل وأين أبحث عنه، وصلت إلى مكان الباص ولكن قلبي يحدثني بأن محمد قد استشهد، وإذ بأحد الأشخاص يخبرني بأن محمد استشهد.
كلمة توجهينها لباقي أمهات الشهداء؟
بحب أوجه كلمة لأمهات الشهداء بأن لا يبكين ولا يحزن، وإن شاء الله دماؤهم لن تذهب هدراً، ففلسطين غالية وتستحق الغالي، صحيح أن ابني محمد قد استشهد لكن فلسطين ما بتموت وإن شاء الله سنعود إليها.
محمود محمد سالم
|
|
المشهد الأخير للشهيد محمود محمد سالم اللقاء تم مع والده ووالدته وصديقه محمود عكاوي: محمود من مواليد 1994 من مخيم البص، طالب مدرسة سنة استشهاده كان في الصف الحادي عشر، هو الكبير بين إخوته. طيب القلب، خجول، خدوم يساعد الجميع وخصوصاً المسنين. حنون على أسرته، علاقة جيدة مع جميع الجيران والجميع يحبه. وقت مسيرة العودة عام 2011 حاولنا منعه من الذهاب إلى مارون الراس لكنه بأسلوبه وطريقته الخاصة أقنعنا بأن نسمح له بالذهاب مع أصدقاؤه. كان مبسوط ويقول سوف أرى فلسطين التي لطالما سمعت عنها ولكن لم أراها ولكن اليوم سوف أراها. محمد أصيب برصاصة في ساقه اليمين ولكن هذه الإصابة لم توقفه من رمي الحجارة على جنود الاحتلال، الإصابة الثانية كانت في بطنه. تلقينا في البداية خبر بأنه مصاب برصاصة وأنه في المستشفى الإيطالي ذهبنا ولكن لم نجده عدنا إلى البيت وإذ بجميع الأقارب والجيران يبكون. |
ماذا تحبوا أن تقولوا لأهالي الشهداء الآخرين؟
الله يصبر الجميع وكلنا على طريق النضال والتضحية من أجل فلسطين. وبإذن الله سوف نعود إلى مدننا وقرانا في فلسطين أرض الإسراء والمعراج بفضل دماء الشهداء الأطهار.
أخيراً: عندما يرتقي الشهيد ويسير في زفاف ملكي إلى الفوز الأكيد وتختلط الدموع بالزغاريد عندها لا يبقى لدينا شيئاً لنفعله أو نقوله لأنه قد لخص كل قصتنا بابتسامة.