تدفق متزايد لفلسطينيي سوريا ينذر بكارثة إنسانية.. نازحو اليرموك يتوزعون على المخيمات.. ولا مساعدات
الجمعة، 21 كانون الأول، 2012
تستمر معاناة أهالي مخيم اليرموك، ويستمر توافدهم المطرد نحو المخيمات اللبنانية، وذلك لليوم الرابع على التوالي «هرباً من الموت المحتم»، في مخيمهم، الذي تركوا فيه جنى العمر وفروا من شتات إلى شتات، نحو المناطق اللبنانية وتجمعات الفلسطينيين فيها. أزمة إنسانية حادة تطل برأسها وتبشر بكارثة. ويزيد من حدتها طقس عاصف وانخفاض في درجات الحرارة، وغياب التدفئة، وتزايد الأمراض المعدية ونزلات البرد بين أطفال النازحين.
وقد زاد الطقس الماطر من معاناة النازحين، الذين يعانون من النقص الكبير في المسكن والمازوت، في ظل استمرار التدفق الفلسطيني، حيث وصل عدد الفلسطينين الذين عبروا الحدود من سوريا إلى لبنان عبر نقطة المصنع، منذ 17 كانون الأول الجاري، لغاية مساء أمس 2874 نازحاً. واستمرت اللجان الشعبية الفلسطينية في تسجيل العائلات الفلسطينية التي تعاني من استنفاد كل المساكن، الأمر الذي تضطر معه تلك الفصائل إلى فتح مراكزها الحزبية والثقافية أمام النازحين الذين يفترشون الأرض لتأمين مبيتهم.
مخيم الجليل
في بعلبك (عبد الرحيم شلحة)، تسعون عائلة فلسطينية نزحت خلال الأيام الماضية إلى مخيم الجليل، لتنضم إلى 460 عائلة، كانت قد نزحت خلال الأشهر الماضية من عدة مخيمات في سوريا. مخيم الجليل، لا يتسع لساكنيه الأساسيين، لكن للتهجير نمط خاص من الحياة، حيث باتت تضطر أن تقطن في الشقة الواحدة أكثر من ثلاث عائلات مؤلفة من غرفتين لا تتعدى مساحتهما 20 متراً مربعاً، يتم توزيع الرجال على غرفة والنساء على غرفة ثانية. ليس جديداً على الفلسطينيين ذلك النوع من السكن، إذ أن معظم العائلات الفلسطينية قد شردت أكثر من ثلاث مرات منذ نكبة 1948، لكن المستجد أن التشريد الحالي يتم على أيد عربية وبشعارات عربية وفي مقدمتها فلسطين. العائلات المشردة حديثاً، تم إيواؤها من قبل «اللجان الشعبية» في المخيم، لدى أقرباء لها، أو عند العائلات التي استأجرت منازل منذ فترة، لكن تبقى مشكلة كبيرة تواجه النازحين، وهي فقدان الشقق السكينة وارتفاع إيجاراتها إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
مسؤول «اللجنة الشعبية» في مخيم الجليل عمر قاسم، قال إن كل ما قدم لا يكفي لسد النقص في حاجيات العائلات التي نزحت بالملابس التي على أجسادها. وقد خصصت المؤسسات الدولية و«الأونروا» لكل فرد فلسطيني نازح من سوريا مبلغاً قدره 50 دولاراً لشراء ألبسة وأحذية من إحدى المؤسسات التي تفرض على النازحين أسعاراً لا تتناسب وقدراتهم. كما انه تم تخصيص مبلغ 150 ألف ليرة لكل عائلة بدل مازوت موزعة على 5 بونات. وتم تحديد محطة واحدة لصرفها، ما جعل العاملين فيها يتحكمون بأسعار المازوت وكميته. كما اشتكت بعض العائلات أنه تم حسم 85 في المئة من قيمة المبلغ. كما يضطر النازحون للسير مسافة اكثر من 7 كيلومترات للحصول على المازوت، فيكون جواب العاملين في المحطة بعدم توفر تلك المادة مرة والتوقف عن التسليم مرة أخرى، ما يرتب عليهم مصاريف إضافية هم بغنى عنها.
كما وصلت إلى عدد من قرى حاصبيا والعرقوب (طارق أبو حمدان) أمس، 21 عائلة نازحة من الشام ومخيم اليرموك، توزعت على عجل في بعض الأماكن العامة وفي ضيافة أصحاب وأقارب وفي خيم أقيمت على عجل. وزادت الأحوال الجوية العاصفة، من بؤسهم ورفعت من حالة يأسهم، بعد عدة ايام من الخوف والرعب، امضوها داخل مخيم اليرموك وفي طريق هروبهم من المخيم الى لبنان عبر نقطة المصنع الحدودية.
الشيخ مجدي عواد مدير صندوق الزكاة في حاصبيا، وصف حالتهم بالمأساوية، «لقد تركوا كل شيء، وهربوا بما عليهم من لباس خلال ساعات محدودة. وقد أشار بعضهم إلى أن العديد من العائلات ما زالت محاصرة في مخيم اليرموك أو مختبئة في أماكن قريبة منه. وهي في وضع حرج جداً تتحين الفرص للنجاة من تبادل القصف».
وشدد مالك غادر، الناشط في الإغاثة، على ضرورة الإسراع في تأمين المازوت ووسائل التدفئة للنازحين وبسرعة، لأن الوضع الصحي لمعظمهم بات حرجاً». وقالت النازحة من اليرموك ام محمود الجعيدي شو بدي خبرك تركنا كل إشي وهربنا». منذ 3 أيام وأم محمود خارج «يرموكها». نامت على قارعة طريق قرب ساحة السبع بحرات في دمشق، قبل أن تصعد حافلة مع جيرانها إلى حدود لبنان، فالمصنع ومن ثم قالوا لنا وجهتكم العرقوب. «خرجت مع جارتي منى سيراً على الأقدام تحت وابل من القصف المدفعي»، قالت عليا، «لم نحمل بإيدنا شي». أكثر من 440 فلسطينياً من مخيم اليرموك في دمشق، وصلوا أمس، الى الحدود اللبنانية، في محلة المصنع البرد والمطر كان شبيها بالرصاص. قال ابو محمد الخويري «لقد كتب علينا العذاب ليعذبهم الله من أوصل بلدنا إلى هذا الوضع». يعتب الحاج أبو علي ج. (69 عاماً) على كل من استهدف المخيم من داخله وخارجه «ما عرفنا كيف طلعنا، أصيب منزلي بقذيفة هاون، والله نجانا وها نحن في تجربة عذاب جديدة نأمل ألا تطول».
البارد والبداوي
أطلق النازحون الفلسطينيون من سوريا إلى مخيمات الشمال (عمر إبراهيم) أمس، صرخة تحذيرية لكل من يعنيه الأمر بضرورة تحسين ظروف إقامتهم ومعيشتهم، مهددين بالتصعيد التدريجي وصولاً لحقوقهم أسوة بالنازحين السوريين في لبنان، «وإلا سنضطر لاحتلال مكاتب ومؤسسات الاونروا للإقامة فيها». النازحون الذين تجمعوا أمام مراكز «الأونروا» في مخيمي البداوي والبارد ونفذوا اعتصامين حملوا معاناتهم المتمثلة في عدم وجود أماكن للإقامة وشح المساعدات الغذائية، مطالبين الاونروا والحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية بتحمل مسؤولياتهم تجاه مئات العائلات التي يعيش قسم كبير منها في ظروف إنسانية ومعيشية صعبة.
وأشارت مصادر فلسطينية إلى وصول دفعة جديدة من العائلات الفلسطينية من مخيم اليرموك خلال الساعات الماضية، لافتة النظر الى صعوبات بدأت تواجه العائلات المضيفة في مخيمي البداوي والبارد لجهة وجود أكثر من عائلة في منزل واحد وعدم قدرتها على تأمين مستلزمات النازحين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لغالبيتها.
عين الحلوة
ويستمر تدفق النازحين من فلسطينيي سوريا إلى صيدا ومخيماتها (محمد صالح)، بعد استقبال أكثر من 200 عائلة أمس، حيث بلغ عدد النازحين لغاية تاريخه نحو 900. لم تملك الجمعيات الأهلية وهيئات المجتمع المدني في صيدا وعين الحلوة سوى عقد الاجتماعات وإطلاق صرخة ونداء إلى «الأونروا»، والهيئات الدولية والمحلية، لمد يد العون وإيصال المساعدات للنازحين نظراً لما يترتب على ذلك من أوضاع إنسانية مأساوية يعيشها هؤلاء النازحون، وأمام تقصير الجهات الرسمية والدولية المعنية في رعايتهم وتقديم المساعدات اللازمة لهم.
وبعد تفاقم مشكلة النازحين عقد أمس اجتماع لممثلي 25 جمعية إغاثية ناشطة في خدمة النازحين السوريين في المدينة، بدعوة من مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان.
استهل اللقاء بكلمة رئيس «اتحاد المؤسسات الإغاثية» في صيدا كامل كزبر الذي أشار إلى أن اللجان الشعبية الفلسطينية هددت بفتح مدارس «الأونروا» لإيواء النازحين. ولفت كزبر إلى وجود ثلاث حالات كبد وبائي «تمت معالجتها ولا شيء يدعو إلى القلق».
وكشفت النائبة بهية الحريري خلال ترؤسها في مجدليون اجتماع اللجنة اللبنانية الفلسطينية للحوار والتنمية في صيدا ومخيماتها «ان عدد النازحين من سوريا الى مخيم عين الحلوة وحده بات يوازي 15 في المئة من عدد سكان المخيم». وقالت: «نسمع عن مساعدات من هنا ومساعدات من هناك لكن لم يصل شيء الى منطقتنا».
إلى ذلك دعا رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري بلدية صيدا، و«تجمع المؤسسات الأهلية»، للقيام بتحرك سريع والمبادرة واتخاذ موقف متقدم وريادي للتنسيق فيما بينهما ومع مختلف الجهات السياسية والأهلية والاجتماعية والاقتصادية القادرة على تقديم المساعدة للفلسطينيين الوافدين إلى صيدا، من أجل مساعدة العشرات من العائلات الفلسطينية النازحة من مخيم اليرموك باتجاه مدينة صيدا ومخيم عين الحلوة المبادرة. كما التقى البزري كلا من رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، وأمين سر «التجمع» ماجد حمتو للتشاور في الموضوع.
وكان وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور التقى أمس، وفداً من «منظمة التحرير الفلسطينية» في لبنان برئاسة فتحي أبو العردات. وعرض معهم أوضاع الفلسطينيين النازحين من مخيم اليرموك في سوريا. وبعد اللقاء، قال ابو العردات: «طلبنا اليوم من وزارة الشؤون الاجتماعية ان تتحمل «الأونروا» مسؤولياتها لأنها هي المسؤولة المباشرة عن الفلسطينيين سواء أكانوا في سوريا او تهجروا منها، او الفلسطينيين الموجودين في لبنان وخصوصا ان المخيمات التي تؤوي هؤلاء النازحين قد ضاقت بمن فيها».
المصدر: السفير