القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

تل الزعتر بين الماضي وذاكرة الحاضر..مصطفى دحويش وصالح الديراوي الهدف اضعاف المقاومة الفلسطينيّة

تل الزعتر بين الماضي وذاكرة الحاضر

مصطفى دحويش وصالح الديراوي الهدف اضعاف المقاومة الفلسطينيّة

بقلم: عبير نوف

12 أب 1979 كانت نهاية اسطورة تاريخيّة لن يسقطها التاريخ من ملفاته , لأنّه تلوّن بالدم والجوع وشهد عليه براءة أطفال لم تدنّسهم مؤامرات واحقاد وقّع عليها ابليس لكي يخلق فتنة طائفية ودينيّة حصدت ما حصدت من ابناء شعب واحد وأمّة عربية واحدة, استمرّت بعدها أعواما لا نستطيع الاّ وصفها بالحرب السوداء لما صبّت من حقد صهيوني اميركي بأسلوب فاشي على شعب جريمته الوحيدة اصله الفلسطينّي , ومَن كان المنفّذ؟ وهنا بداية النهاية......

الهدف الصهيوني: القضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان...

الأستراتيجيّة : خلق فتنة دينيّة وطائفيّة ..

التكتيك: تزويد بعض الأطراف بالسلاح والذخيرة.

تزويد بعض الأطراف بالمال والمساعدات.

قنص – قطع طريق- ذبح – ضرب مدفعي متقطّع – خطف – حرب شوارع......

خطة وضعت لأنهاء عرقي في تل الزعتر لأسباب مباشرة وغير مباشرة والتي كان من أبرزها:

إتفاق القاهرة الذي لن يتناسب مع المشروع الصهيوني من جهة و العديد من الميليشيات اللّبنانيّة من جهة ثانية , وهذا ما خلق تربة طريّة للصهاينة لنشب مخالبها وتغلغل فتنتها السرطانية في الشارع اللبناني.

أتفاق القاهرة الّذي عزّز وجود الكيان الفلسطيني " منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ", ففي يوم الأثنين 3 تشرين الثاني نوفمبر 1969 أجتمع في القاهرة الوفد اللبناني برئاسة عماد الجيش أميل البستاني ووفد منظّمة التحرير الفلسطينيّة برئاسة رئيس المنظمة ياسر عرفات, وبحضور وزير الخارجية من الجمهوريّة العربية المتحدة محمود رياض ووزير الحربية محمد فوزي وذلك لتامين جو هادئ للعيش المشترك بين الشعبين اللبناني والفلسطيني, وقد جاء في هذه الأتفاقية :

تنظيم الوجود الفلسطيني على الأراضي اللّبنانية بداية من حق العمل الى الأقامة والتنقل للفلسطينيين المقيميين في لبنان , الى انشاء لجان محلية من فلسطيني المخيّمات وذلك بالتعاون مع السلطات المحلّية بالاضافة الى وجود نقاط الكفاح المسلّح داخل المخيّمات لتنظيم وجود الأسلحة وتحديدها في المخيّمات والسماح لفلسطيني لبنان بالمشاركة في الثورة الفلسطينيّة من خلال الكفاح المسلّح ضمن مبادئ سيادة لبنان وسلامته .

واهم ما جاء فيها ايضا هو تسهيل العمل الفدائي عن طريق تأمين المرور للفدائيين وتحديد نقاط مرور واستطلاع في المناطق الحدوديّة وتأمين الطريق الى منطقة العرقوب , وتعيين ممثلين من الكفاح المسلّح في الأركان اللّبنانيّة المشاركة في كل طارئ , هذا بالأضافة الى بنود اخرى والتي وقّع عليها كلٌ من عرفات والبستاني.

وهنا مثل هذه الأتفاقية كان لا بد من ضربها بشكل يسابق الرّيح , فكيف لمقاومة مسلّحة فلسطينيّة وغير فلسطينيّة أن يسمح لها ان تكون ويصبح لها كيان قوي تشكّل تهديدا على الكيان الصهيوني , وبالفعل في ذلك الوقت استطاع الصهاينة كما اعتدنا أن يحوّل صورة وجود الفلسطيني على الأرض اللّبنانيّة بأنّهم غزاة يريدون أن يحتلوا لبنان فعملوا على تغذية هذه الفكرة في رؤوس الأنعزاليين فبدات المناوشات وعمليّات القنص والعمليّات المتقطّعة كما حدث في عين الرّمانة عام 1975 – إعترف الكتائبي سعيد نعيم الأسمر بتاريخ 18 تموز 1975 م عن اسباب مجزرة عين الرمانة وكيف خُطط لها محمّلا مسؤوليتها للكتائب اللّبنانيّة, قال "كنت قنّاصا في منطقة الشيّاح ولي اصدقاء كُلّفوا بالتجسس على المخيّمات الفلسطينيّة وانّ الكتائب كلّفته بنسف محلات يملكها مسيحيون ومسلمون لتعميق الفتنة بين المسلمين والمسيحيين , بالأضافة الى توريط الفلسطينيين بأنهم وراء الأحداث التخريبية وتفجير الحرب ضدهم بذريعة انهم وراء الصراع القائم- بعد ذلك أتت سلسلة من الأحداث المتقطّعة الى بداية حصار تل الزعتر التي سأخوض الحديث عنها حسب ما سجّلّته بعض الكتب, بالأضافة الى ما جاء على لسان بعض الشهود حين رووا لي ما رأوا من احداث يفقدها النسيان.

مخيّم تل الزعتر:

56646مترا مربّعا مساحة مخيّم تل الزعتر الذي أُنشأ عام 1949 بعد اتفاق بين الدولة اللبنانية مع الصليب الأحمر الدولي لأقامة المخيّم على بقعة ارض قريبة من حرش ثابت , وهي ضمن اوقاف تعود للمارونيين , وبالفعل تم نقل المقيميين في بقعة الدكوانة والفردان اليها. بلغ عدد السكان عام 1976 حوالي 17000 من اللاّجئين الفلسطينيين , 13000 نسمة من اللبنانيين الفقراء الباحثين عن لقمة عيشهم, والقلائل من السوريين والمصريين, وبذلك بلغ عدد سكان تل الزعتر حوالي 30000 نسمة عام 1976, وذلك لتوفير لقمة عيشهم في ضواحي تل الزعتر إذ حوالي 22%من المصانع في لبنان كانت في المكلّس والمناطق المحيطة أو القريبة من المخيم, ورغم ذلك كان الفلسطينيون يعانون من فقر فاحش بسبب تدني أجور اليد العاملة والقوانين الّلبنانيّة الغير منصفة .

ذكريات واقعية تتحدث وشهود من تل الزعتر

قبل الخوض في غمار الأحداث وذكريات المقاتل صالح الديراوي والأداري مصطفى دحويش الملقّب "بالملك" , لا بدّ أن اعرّف ببعض الفرق المحاربة:

القوى الأنعزالية: هي القوى اليمينيّة المتمثّلة حينها بحزب الكتائب اللبنانيّة , وحزب الوطنيين الأحرار , وحزب حرّاس الأرز , وجيش بركات وجيش التحرير الزغرتاوي والرابطة المارونيّة والمرتزقة من بعض البلدان العربية والأوروبيّة.

القوات المشتركة: هم فصائل المقاومة المتمثلة باللّجنة الشعبيّة , حركة فتح , الجبهة العربيّة , الديمقراطيّة , والصاعقة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, والكفاح المسلّح بالأضافة الى باقي الفصائل الفلسطينية.

مصطفى دحويش

مصطفى دحويش مواليد 1951 من سكان مخيّم البرج الشمالي , والأداري حين ذاك في حركة فتح ,حدّثنا قائلا " لقد أصبح الهدف الوحيد هو التخلّص من منظمة التحرير ووجود الفلسطينيين على هذه البقعة من الأرض وتعززت الفتنة بفكرة يجب على كل مسيحي أن يقتل مسلما ,كانت الأحزاب جميعها ضعيفة الأمكانيات ما عدا منظمة التحرير التي كان لديها السلاح الوفير ومجموعات مدرّبة ومجهّزه بتلقّيها دورات تدريبيّة في الأردن خلال تلك السنوات".

واضاف "كان هناك تنسيق مباشر مع أمين الجميّل الذي كان بمثابة محامي منظمة التحرير وهذا بالأضافة الى العلاقة الطيبة بين منظمة التحرير والزعيم اللبناني كمال جنبلاط بيك ونظرا لهذه العلاقة لم يكن احد يصدّق بأّن يكون هناك هجوم, وقد تريّث الفلسطينيون كثيرا قبل هذه الأحداث الأليمة , لكن ضاقت الحياة في وجوه اهالي تل الزعتر حيث كان العمال يسلكون الطريق للذهاب الى العمل وحين الرجوع الى منازلهم يجدون مصاعب عديدة للعودة , بالأضافة الى حواجز التيار وعمليات الخطف التي كانت تحدث والقمع وغيرها".... كل هذا الأضطهاد دفع قيادة المنطقة الشرقيّة لتل الزعتر أن تسّرع في الأجتماع ووضع حد للتجاوزات والأضطهاد المتكرر ووضع خطة دفاعيّة عسكريّة تتمكّن من خلالها الأستمرار والصمود فتوزّعت المحاورعلى الفصائل الفلسطينيّة:

فتح: توزعت محاورها داخل المخيم وفي محيطه – جسر الباشا والقلعة والمكلّس والمصانع ورأس الدكوانة والتلال المحيطة.

جيش التحرير الفلسطيني : كان محوره في دير الراعي الصالح المواجه لسلاف شمالاوحرش ثابت جنوبي غربي, وسن الفيل غربا .

الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ومحاورها بقرب دير الراعي , حي كنيسة السيدة , ودوار المكلّس ومعمل سلك والكسارة .

القيادة العامة وجبهة التحريرالفلسطينيّة محورها في تلة مار الياس, والتي عرفت لاحقا بتلة القيادة العامة.

جبهة التحرير العربيّة تمركزت جنوبي غربي معمل دباس, ومحور في الدكوانة.

الصاعقة: تمركزت في تلة المير والمصانع في المكلّس والقلعة وجسر باشا.

الجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين ومحاورها القلعة جسر الباشا, ومحور الخرّوبي , ومحور الكنيسة.

أمّا الحزب الشيوعي اللّبناني ومنظمة العمل الشيوعي اللبناني فكانت تشارك حسب ما جاء في كتاب حسين فارس"تل الزعتر" الديمقراطيّة في محاورها ومقاتلو حزب البعث العربي الأشتراكي قاتلوا ضمن محاور جبهة التحرير العربيّة.

وقد شهد "دحويش" فترة قنص وقصف مدفعي متقطع وهاونات , كان الأندفاع قويا من الشباب وبعض الشابات للمقاومة وذلك اعتبارها معركة حاسمة . ويقول "كوني مكلّف بمتابعة الحدث , ومن خلال ذهابنا الى الهلال الأحمر الفلسطيني ,كنت ارى الجرحى الشيوخ والنساء, وفي مرة كنت بجولة ورأيت طفلا يبلغ من العمر حوالي الأربعة سنوات كان يلعب بجانب جامع وعندما سمع صوت القصف هرع الى اقرب خندق كان قد حفره المقاومون كي يختبئ به لكن الشهادة كانت من نصيبه."

صالح الديراوي

بدأ الهجوم في 20 حزيران 1976وقد فرض الأنعزاليّون حصارا تموينيّا على مخيّم تل الزعتر وقد وصف المقاتل صالح الديراوي من سكان تل الزعتر يعمل مدرسا حين ذاك وطالب بالجامعة اللّبنانية كان من يحمل السلاح في الجبهة الديمقراطيّة بان العدس هو اكلنا الوحيد, امّا عن الحصار العسكري قال" دخلت المخيّم في 5 أذار 1976ثمّ طوّق الحصارالذي دام حوالي سنة , بدأت الأشتباكات بين تل الزعتر والدكوانة ومن ثم كان الحصار الشديد خرجنا من المخيّم وكانت في البداية النتائج لصالحنا لأنّ القوات المشتركة كانت اقوى ومسلّحة ومدرّبة بالأردن تدريبا عاليا حيث توسعنا كي يصبح القتال خارج المخيّم فبدأ الهجوم من جهة الجنوبيّة الشرقيّة لمنطقة المكلّس وذلك بمساعدة دول عربيّة مجاورة تدخّلت وقلبت موازين القتال الى أن سقط تل الزعتر .

الحصار دام من 5 أذار 1976 الى 12 أب 1976 . راح ضحيّة الحرب العديد من الشعب وكان من ضمنهم حوالي 500 في قصف ملجأ حيث ماتوا خنقا , وهنا حوالي 40 شخصا من عائلة واحدة – عائلة حمزة – المخيّم لم يستسلم لكن انسحب المقاتلون بعد ان فتحوا ثغرة وانسحبوا وكان أبي في ذلك الوقت برفقتي واتجهنا نحو الجبل وقرب الجامعة اليسوعيّة فوقعنا في كمين واشتبكنا وقتل منا ما قتل ثمّ استمرّينا الى عين سعادة حيث فقدتَ ابي بعد أن تركت برفقته طفلا جريحا لم يرد تركه , لن اتأكّد من استشهاده لكن توقعت ذلك لأنه كان هناك تصفيات بسبب الدم. تلك الليلة في الساعة 11:15 يوم الأربعاء انطلقت مجموعتنا المؤلفة من 14 شابا الى اليسوعيّة, عين السعادة مونتيفيردي الى عاريّا ثمّ الى عاليه. وصلنا الى مزرعة الخنازير الى العبّادية , حيث لا مأكل ولا مشرب سوى اوراق الأشجار وبعض الأشخاص اصيب بالعمى من العطش.

أمّا عن النساء والأطفال والشيوخ كان الأعلام صرّح بعد اعلان الرئيس أمين الجميّل على امكانيّة التوجه عبر بعض المعابر الأمنة ,لكن المليشيات لم ترحم طفولتهم وقتلتهم جميعا وكان من ضمنهم أخي يوسف الذي لم يبلغ السادسة عشر حيث نزل عن طريق الدكوانة لكنّهم ذبحوه.

كان حصيلة حرب تل الزعتر حوالي 3000 شهيدا امّا أخي محمد البالغ 23 عاما , صدّق ما أذيع بأنّ من يستسلم سوف نعفو عنه وينال السلام لكن للأسف خطفوه وقتلوه من بين طفلته وطفله .وفي تحقيق جاء في جريدة السفير في 12 أب 1976 يوم الجمعة – ضحايا مؤسفة سقطت أثناء الأجلاء. 57 شاحنة نقلت 12 الف مواطن والّذي جاء فيه " ذكر حسن صبري الخولي المستشار السياسي للجامعة العربية أنّ عملية أخلاء المدنيين من مخيّم تل الزعتر تمت وفق إتفاق سابق بين المقاومة وحزب الكتائب وقال أنّ قوّة الأمن العربيّة والصليب الأحمر ساهما في الأخلاء.

نحن نعلم جيدا من يسلّم لن يسلم لأنها كانت حرب ابادة , فالقتال ام الموت, فنحن رفضنا الأستسلام وهناك احد المقاتلين "علي تهامة بعد أن وقع جريحا قَتل نفسه بعد أن صوّب الرصاص على رأسه وذلك خوفا من التنكيل به أذ سقط بيد المليشيا. كما تمت المواجهة بين الجيش اللّبناني التابع لبركات في عين سعادة وقواتنا.

صالح ابو النعاج المسؤول العسكري استشهد في هجوم معاكس بالأضافة الى علي تيوان استشهد على الجبل واخرين جرحوا وتركتهم بعد اصابتهم في الجبل ولم استطع مساعدتهم, وأخر يدعى جعفر كان بحوزته مبلغ لخزينة فتح يقدر بحوالي 40000الف " اربعين الف" دولار وبعد اصابته طلب مني ان اخذ المال وانقذه لكن لم استطع وتركته للمجهول". وفي كلمة اخيرة له وصف الديراوي هذه الحرب بالحرب العبثيّة التي لن تخدم الاّ الصهاينة , والفلسطينييون واللبنانييون هم أخوة وأهل ونحن لا نريد وطن بديل ومصلحة الشعبين مصلحة واحدة, ويجب أن يكون هناك وعي سياسي وأن الحرب الأهليّة يجب ان تكون قد علّمت الشعب اللبناني الكثير الكثير , كي لا تعاد الفتنة مرّة أخرى التي يحاول الكثيرون خلقها في ايامنا هذه , لذا اقول الوطن للجميع حافظوا عليه كي يحفظكم.

لا نريد بأن نقول بأنّنا نستطيع أن ننسى أحداث تل الزعتر التي تنام باكية في قلب بيروت الشعبين خسر الكثير ,لكن ما نريد قوله بأننا لا نريد أن نخدم من هم أعداء الأمة ولا إنجاح أي من مخططاتهم ولن نكون احجار شطرنج بين أصابعهم الدمويّه فعلينا بالوعي وان نكون ابناء وطن وامة واحدة مصلحتها واحدة وعدونا واحد حتى تحرير القدس.