ثلاثون عاما على المجزرة والسياسيون اللبنانيون ما زالوا يعرقلون حقوق الفلسطينيين
الأربعاء، 01 شباط، 2012
ما من أحد إلا ويعرف أن السياسيين الأميركيين واللبنانيين ليسوا الوحيدين الذين يجعلون من اللاجئين الفلسطينيين كرات يلعبون بها خلال حملاتهم الإنتخابية. إلا أن هذين الفريقين هما الأكثر افتضاحا بغض النظر عن السياسيين الصهاينة في فلسطين المحتلة مؤقتا.
أما في الولايات المتحدة فلا يكون من الصعب إيجاد "أنصاف الرجال" الأكثر تمردا وتذللا فكريا من "ميت رومني" و "نيوت غنغريتش" اللذين اقترضا إحدى العبارات من الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد خلال "مناظرتهم" الأخيرة في جاكسونفيل بولاية فلوريدا.
وفي الوقت الذي سيتجه عدد كبير من الناخبين اليهود الديمقراطيين للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات التي يحصل فيها الفائز على كامل الأولوية، فإن "ميت ونيوت" يظنّان أن الشبكات الوطنية لتمويل حملاتهم الإنتخابية قد حرّفت التاريخ وخانت معتقداتهما الدينية والأخلاقية المزعومة من دون مبرّر لذلك.
وقد كرّر رومني في خطبته الطويلة أن الرئيس باراك أوباما "قد ضحّى بإسرائيل" من خلال التزامه بالقانون الدولي، وبسبعة من قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة والرأي العام العالمي التي عيّنت حدود ما قبل العام 1967 كنقطة البداية في محادثات السلام. وقد شكا أيضا من أن الرئيس الأميركي "لم يحترم" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما تحدّث أوباما مؤخرا في مقر الأمم المتحدة عن تمرير بناء المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في حين تجاهل الخوض في مناقشة موضوع الصواريخ الإنتقامية التي تطلق من غزة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكالراكع بتذلل للّوبي الصهيوني، شدّد "غنغريتش" للناخبين في ولاية فلوريدا مجددا على أن "الفلسطينيين هم شعب مخترع وقد كانوا على مر التاريخ من الأردنيين والسوريين". ولم يتواقح أي من الحضور ليصحّح لطالب التاريخ المزعوم أن الأردن لم تكن موجودة أصلا إلى أن اخترعها المحتلون البريطانيون لفلسطين الذين يؤيدون الصهاينة، وكان ذلك في القرن العشرين، في حين كان الفلسطينيون يعيشون على أرضهم منذ ثلاثة آلاف سنة. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 95% من المستعمرين الصهاينة ليس لديهم أدنى جذور تاريخية في ما يخص فلسطين، فضلا عن أن نسبهم الأصلي يرجع إلى أوروبا وروسيا وأماكن أخرى بالرغم من حقيقة غزو الملايين منهم أرض فلسطين سعيا وراء الأرض الحرة، وقد موّلتهم حكومة الولايات المتحدة وأمنت لهم مساكن. أما أخلاقيا وقانونيا فلا يحق لهؤلاء المستعمرين الحصول ولو على حبة واحدة من تراب فلسطين.
وقد جدّد "نيوت" وعد جمهوره بأنه وفي يومه الأول كرئيس للبلاد، سيصدر حتما أمرا تنفيذيا يقضي بنقل السفارة الأميركية من تلّ أبيب إلى القدس، الأمر الذي يشكل اختراقا آخر للقانون الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن يهود ولاية فلوريدا الذين يبلغ عددهم قرابة 640000 يهودي لا يتعدّون 3.4 % من إجمالي سكان الولاية. إلا أن كونهم يصوتون بكثافة عالية يجعلهم يشكلون 6 إلى 8% من المقبلين على الإنتخابات العامة في فلوريدا باستثناء عندما يكون الديمقراطيون في الصدارة. ولكن إحدى التقييمات الحديثة تقدّر أن 52% من الناخبين اليهود المسجلين لدى الدولة يمكن أن يدعموا بطاقة الرئاسة الديمقراطية نظرا لعدم ثقتهم بما يمكن أن يقوم به أوباما بشأن فلسطين المحتلة في حال ترؤسه لولاية ثانية.
وكما هي الحال بالنسبة لمنافسه "ميت"، ستكون أول زيارة خارجية للرئيس "نيوت" إلى إسرائيل. وبهذين الوعدين الأخيرين، ينضم "نيوت" إلى قافلة أسلافه الرؤساء التسعة عشر الذين قطعوا وعودا مماثلة منذ عام 1967. ولحسن الحظ، ونظرا لما تبقى من القيم الإنسانية لدى الأميركيين، فإن أحدا من هؤلاء لم ينتخب رئيسا.
أما لبنانيا، فإن نبرة الخطاب السياسي المناهض للفلسطينيين تبدو أكثر تعقيدا ومهارة كاللبنانيين أنفسهم، وسرعان ما تنقلب إلى تحذير موجع قاسي النبرة بأننا "إذا منحنا اللاجئين الفلسطينيين الحق في العمل وامتلاك المنازل (كما هو مقرر في القانون الدولي ومطبق على اللاجئين الفلسطينيين في 192 دولة أخرى)، فإن ذلك يمكن أن يحط من عزيمتهم ويجعملهم يرتاحون في لبنان الأمر الذي، عافانا الله جميعا، يمكن أن يدفعهم للسعي إلى التطبيع. ومن شأن ذلك أن يتعارض مع منح اللاجئين الفلسطينيين حول العالم الحق في العودة إلى منازلهم في فلسطين المحتلة الذي يدعمه لبنان بقوة بمؤازرة إخوانهم وإخواتهم الضيوف".
ويستغل السياسيون اللبنانيون، بمجمل الأحزاب والمجموعات الدينية، وباستثناء الدروز والحزب السوري القومي الإجتماعي، خوف الناخبين من مسألة التطبيع (وهي الهجرة من منظار أميركي) للتخفيف من وطأة الضغط على لبنان بشأن حقوق الإنسان لمنح اللاجئين الفلسطينيين الحقوق الأساسية للإنسان.
ومن الإستثناءات النادرة للسياسيين اللبنانيين التي تصدم الكثيرين هنا هو ما قام به في أوائل هذا الشهر، وزير الشؤون الاجتماعية المحترم ذو السمعة الحسنة وائل أبو فاعور الذي أصبح أول وزير لبناني يقوم بزيارة رسمية إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين خلال ست سنوات، إذ قام بجولة في مخيم برج البراجنة جنوبي بيروت قبل توقيعه مذكرة تفاهم مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا). وبموجب الإتفاقية ستمنح وكالة (الأونروا) وبالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية لأول مرة حق تأمين بعض الخدمات لأكثر اللاجئين فقرا داخل المخيم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن انعدام فرص العمل يزيد من صعوبة حياة اللاجئين الفلسطينيين ويفاقم فقرهم. وفي المخيمات الخمسة جنوب لبنان، بحسب دراسة حديثة قامت بها الوكالة السويسرية للتطور والتعاون ومنظمة العمل الدولية في الأمم المتحدة، فإن أكثر من 81% من اللاجئين يعيشون في فقر مدقع. والأكثر تأثرا هم الشباب، بحيث يصل معدّل البطالة بين الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما إلى 60%. وليست الحال في مخيمات الشمال بأفضل مما هي عليه في الجنوب.
وخلال المناسبة، وفي حديث للوزير أبو فاعور، دعا زملاءه السياسيين إلى السير على خطاه واختبار الظروف مباشرة في مخيمات اللاجئين الإثنا عشر في لبنان. كما وقال الوزير أبو فاعور في البرلمان: "من أراد أن يكتشف إنسانيته من جديد يجب أن يرى ظروف العيش داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، إننا معتادون على دعوة الفلسطينيين لنناقشهم في فنادق فخمة ثم نعود لنرسلهم إلى العيش في البؤس داخل المخيمات. لقد قررنا قلب هذه العادات بالعودة إلى المخيمات".
ولسوء الحظ فقد قلّل الوزير أبو فاعور من بعض المساهمات الإيجابية لزيارته من خلال التشديد للإعلام على "صعوبة العلاقات بين لبنان والشعب الفلسطيني. فالحكومة اللبنانية لطالما رفضت منح اللاجئين الفلسطينيين الحقوق تخوفا من أن يمهّد ذلك الطريق للتطبيع، الذي يشعر اللبنانيون بأن من شأنه إبعاد اللاجئين عن المطالبة بحق العودة إلى فلسطين".
إنه لمن الصعب بمكان أن تجد فلسطينيا في لبنان، أو أي مناضل من أجل حقوق الإنسان، من الذين يؤمنون حقا بمفهوم السياسيين اللبنانيين المزعوم بأنهم مهتمون بقداسة حق الفلسطينيين في العودة الأمر الذي يفسر بقاء ربع مليون بشري في قذارة مذلة مع حرمانهم حتى من حق العمل وحق ملكية المنازل في سياق اهتمام غيري، بالإضافة إلى إبقاء مجموعة أخرى من حقوق اللاجئين الدولية في موضع القداسة. ويرفض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أكثر من أي سياسي هنا كل أشكال التوطين والتطبيع. فبلدهم يقع بمحاذاة الحدود الجنوبية اللبنانية وهدفهم، الذي بات عمره الآن 64 عاما، هو العودة من دون أي تأخير.
ويتحدث الكثير من الفلسطينيين في المخيمات عن طاقة جديدة بين اللاجئين أمثالهم، وذلك كنتيجة للصحوة العربية والإسلامية المستمرة والمتوسعة والمتزايدة التي انطلقت في تونس منذ سنة مضت ولا تزال مستمرة في الانتشار.
وكذلك هي الحال بالنسبة لبرعم الإنتفاضة المتفتح الذي يلحظه الأجانب هنا. وإذ دعا سكان المخيمات الفلسطينية البابا بينيديكتوس لزيارة مخيماتهم في الربيع خلال زيارته المرتقبة إلى لبنان، خطر لأطفال مدرسة رام الله في مخيم شاتيلا أن يعقدوا قداسا لنائب المسيح بعشرات الآلاف منهم في "موقع الرياضة" الجديد على أطراف المخيم. وقد كان هذا الموقع مركزا رياضيا منذ 30 عاما وقد نظّم الإسرائيليون وقوات الكتائب جزءا من مجزرتي صبرا وشاتيلا على أرضه في 18 أيلول/ سبتمبر بحيث لم يكن ثمة من فرد مسؤول عما حصل عقب 43 ساعة من المذابح المتواصلة.
لا بد أن ذلك الحدث كان تاريخيا بامتياز الأمر الذي يجب أن يحمل البابا بينيديكتوس على ملء "موقع الرياضة" هذا بأصحاب النوايا الحسنة، وثمة الكثيرون أمثال الوزير وائل أبو فاعور ومن مختلف المعتقدات والأحزاب السياسية التي ينضم إليها مختلف القادة الدينيين وقادة المجتمع المدني في لبنان، ومع تبريكات البابا ونصائحه للجميع للسير على خطى النبي محمد (ص) والسيد المسيح (ع) وأتباعهما، يمكن أن يحصل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على أدنى حد من الحقوق الأساسية للإنسان.
المصدر: د. فرنكلين لامب/ قناة المنار
ترجمة: زينب عبدالله
فرنكلين لامب متطوع في مؤسسة صبرا وشاتيلا الخيرية وفي حملة الحقوق المدنية للفلسطينيين