القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

ثلاثون عاماً لمجازر مخيم برج الشمالي 1982.. أكثر من 130 شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ

ثلاثون عاماً لمجازر مخيم برج الشمالي 1982
أكثر من 130 شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ
 

محمد السعيد/ مخيم برج الشمالي

مجزرة إثر مجزرة، ومذبحة تتبعها مذبحة، وحقد متواصل وكراهية متأصلة، هذا هو ديدن العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني خاصة وللأمة العربية بشكل عام.. مجازر ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها منذ أن جاؤوا ليدنّسوا تراب أرضنا الطاهرة.

من دير ياسين إلى كفر قاسم، من عيون قارة إلى الحرم الإبراهيمي الشريف، من صبرا وشاتيلا إلى مجزرة ملجأ الحولة. المجزرة هي ذاتها والقتلة يبدلون أسماءهم ومواقعهم، ولكنك أنت أيها الفلسطيني القتيل والشهيد دائماً، لأنك قطعة من هذه الأرض المقدسة التي ترتل آيات الجهاد، لا تبدل انتماءك والذاكرة لا تقتل.. شلال دم متدفق لم يرتوِ منه بنو صهيون وما زالوا يتبعون هذه الحلقات المتواصلة فقصف وتدمير وهدم بيوت وتشريد أهل وقتل عزّل وأبرياء.. ديدنهم أجبن من أن يواجهوا المقاتلين كجنود حقيقيين.

المجزرة

أهالي مخيم برج الشمالي المهجرين من أرضهم ووطنهم فلسطين عام 1948، لم يسلموا من العدوان الصهيوني حتى وهم خارج فلسطين. هذا المخيم الذي لحقه الدمار والقتل والاعتقال حصل فيه عدة مجازر في اليوم نفسه والساعة نفسها، وهذه المجازر هي:

- مجزرة مغارة حي المغاربة التي راح ضحيتها ثلاثة أشخاص.

- مجزرة ملجأ روضة النجدة الاجتماعية التي راح ضحيتها 12 شخصاً بقي خمسة منهم مجهولي الهوية.

- مجزرة مغارة علي رميض (أبو خنجر) التي راح ضحيتها 21 شخصاً.

- مجزرة ملجأ نادي الحولة التي راح ضحيتها أكثر من 93 شخصاً.

وبهذا يصل عدد الشهداء في ذلك اليوم إلى أكثر من 130 شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ولتكون أكبر شاهد على العدوان الإسرائيلي على المخيم.

الوقائع

وقعت المجازر في الأيام الأولى للاجتياح الصهيوني للبنان، وتحديداً في 7/6/1982 بين الساعة الخامسة عصراً والثامنة مساءً، وذلك عندما بدأ الصهاينة بقصف عشوائي للمخيم، واستهدف على وجه الخصوص الملاجئ والمغاور بقصف مركّز. ففي ذلك الوقت كان نصيب نادي الحولة أن يُدَّمر بالكامل بمن فيه من أطفال ونساء وشيوخ بواسطة الصواريخ والقنابل الفوسفورية الحارقة التي ظهرت أثارها على الجثث المدنيين المحترقة، ولم ينج يومها سوى ثلاث نساء (أم العز وسعاد ولمعة). أما الباقون فباتوا جثثاً محترقة ومتفحمة.

في الذاكرة

ففي هذا المخيم، ثمة مساحة صغيرة للذاكرة الجماعية، ففي الطرف الشرقي للمخيم توجد بقايا نادي الحولة الذي تحول إلى مقبرة جماعية وامتدت البيوت لاحقاً لتحتل جزءاً من مساحة أرضه، ما عدا عدة أمتار مربعة أقيم فوقها نصب تذكاري متواضع يتألف من عدة طبقات من الحجارة الإسمنتية.

لم أتمكن من إجراء مقابلات مع جميع ذوي الضحايا أو الناجين منها. فسعاد نجت من مجزرة الملجأ لتقتل في مجزرة صبرا وشاتيلا، وحاولت أيضاً إجراء مقابلات مع ذوي أحد الضحايا فلم يستطع الكلام خوفاً من تذكر المآسي والمواجع مرة أخرى. قابلنا «لمعة كليب» التي كانت تبلغ من العمر 13 عاماً وقت حدوث المجزرة نجت من المجزرة بأعجوبة، روت قصتها قائلة:

«كنت في زيارة لجدتي وحصل هناك قصف عنيف للمخيم، فتوجهنا إلى الملجأ للاختباء، وهناك حصل القصف على الملجأ حيث تعرض للقصف عدة مرات، وبعدها لم أعرف شيئاً، كل ما أتذكره أنني مشيت على جثث الموتى والجرحى الذين كانوا يصدرون أنيناً خافتاً، عندما خرجت من الملجأ لم أميّز شيئاً، بقيت ماشية متوجهة إلى المؤسسة بجانب المخيم، وهناك أسعفني شابان وتم تسليمي إلى الصليب الأحمر ليتم إرسالى إلى فلسطين المحتلة عام 1948 للعلاج، وبقيت هناك مدة شهرين ولكن لم يكتمل العلاج ورجعت إلى لبنان وأكملت علاجي هنا، ولكن ما زال هناك آثار الحروق في جسدي، فقد كان كل جسدي محترقاً»..

وسألتها عن العدد الحقيقي لضحايا المجزرة فقالت إن «العدد الحقيقي أكبر من العدد الذي يوضع على النصب التذكاري لأن هناك شهداء مجهولي الهوية دخلوا إلى الملجأ للاختباء وحصل القصف».

توجهنا إلى ناجٍ آخر، ولكن ليس من مجزرة الملجأ بل إلى ناجٍ من مجرزة مغارة أبو خنجر التي نجا منها شخصان فقط هما غسان رميض ووالدته.

في عام الحرب كان غسان فتى في ربيعه الثالث عشر وكان هو ووالدته الناجيَيْن الوحيديْن من قصف مغارة علي رميض (أبو خنجر) التي سميت باسمه. وهذه المغارة تحولت إلى قبر جماعي يسكنه 21 من الضحايا. تحدث غسان واصفاً الأحداث غائصاً في التفصيلات، كأنما ذاكرته الغضة ما زالت منذ ذلك اليوم فقال:

«بداية اختبأنا في ملجأ قرب دكان أبو رياض، وعندما سمعنا أن الملاجئ عرضة للقصف انتقلنا إلى المغارة، وما إن شاهدت الطائرات الإسرائيلية شخصاً يدخل المغارة حتى قصفتها فوراً، وهو ما أدى إلى انهيارها وإغلاق مدخلها بصخرة كبيرة. طُمرت بالتراب وبدأت اصرخ وأستغيث، حفرت وأخرجت ساقي من الردم بصعوبة ثم أخرجت ساقي اليسرى، وحينها رأيت فتحة بين الصخور ينفذ منها ضوء خافت، فتصورت أن هناك دنيا أخرى تحت الأرض غير الدنيا التي نعيشها. حاولت أن أمشي وكانت أمي أمامي مغطاة بالتراب فحاولت إبعاد التراب عن صدرها قدر المستطاع، وعندما خرجت إلى ما فوق الأرض رأيت القصف والدمار والهلع كأنها يوم القيامة، وكان أول مشهد وقعت عيني عليه امرأة ضريرة ممدّدة على الشارع اسمها (منوة أبو خروب)، كانت هذه المرأة بعين واحدة فاجأها القصف في الشارع وكان يقودها رجل ضرير يدعى (سويد) فتركها ونجا بنفسه، وقد أصيبت بشظية أفقدتها البصر تماماً، ضرير يقود نصف ضريرة في زمن الحرب؛ مشهد سريالي لكنه إنساني وحميم للغاية».

أضاف غسان «بحثت عمن يساعدني في رفع الأنقاض، ولكن لا أحد يجرؤ في تلك اللحظة على الخروج من الملجأ بسبب القصف. وعندما توقف القصف لحظات رأيت الناس يتركون الملاجئ والمنازل ويتجهون نحو البساتين المجاورة، وفي هذه اللحظة شاهدت والدي قادماً يمشي متهالكاً بعد أن سقط عليه حائط من جراء القصف، وسألني عن مصير أسرته فلم أخبره بشيء في البداية وأخذته إلى ملجأ قرب مسجد المخيم، ثم جاء عدد من الشبان يحملون المعاول والرفوش وبدأوا برفع الأنقاض، أخرجوا أولاً أبو شهاب الذي توفي فيما بعد ثم أخرجوا زوجة أخي الأكبر سالم (عيدة) وحملوها إلى المستوصف، طلبت (عيدة) الماء فبللوا شفتيها فقط، ثم ما لبثت أن فارقت الحياة، ومن بعدها أخرجوا أمي ونقلناها إلى استراحة صور حيث كان مركز الصليب الأحمر هناك، وهي لا تزال تعاني من جراء الإصابة حتى هذا اليوم».

أصبحت المغارة الآن داخل حوش بيت آل رميض، وبقي الضحايا يسكنون البيت بأجسادهم وأرواحهم التي ستبقى شاهداً أبدياً على جريمة «أبطالها» معروفون ولكن من يستطيع محاسبتهم أو حتى إدانتهم أو شجبهم.