جمهورية ومخيم
الجمعة، 23 آذار، 2012
كم يشبه مخيم عين الحلوة الشرق الاوسط، بل كم يشبه الشرق الاوسط مخيم عين الحلوة؟
لنكن اكثر دقة ونقول ان المخيم، وبغض النظر عن تأثير الليدي غاغا في يومياتنا السياسية، هو صورة طبق الاصل عن الجمهورية عندنا. مخيمات داخل المخيم، دول داخل الدولة. وكما انك تجد كل الدنيا في عين الحلوة، ولا تجد فلسطين، كذلك تجد كل الدنيا في الجمهورية ولا تجد لبنان!
مثلنا، متى ينفجر المخيم وكيف؟ انه دائماً على حافة الانفجار مثلما هو على حافة الهاوية. بدل المذاهب، فصائل، لا تقل جنوناً عن المذاهب. لا، لا، اننا اكثر جنونا بكثير حين نلاحظ كيف ان مفكرين كباراً في لبنان الذي قلما تجد فيه ساسة كبار، كشفوا عن اقنعتهم (أهي جاذبية المال ام جاذبية التاريخ؟)، وراحوا يرقصون- بالسيكار- على ضفاف المستنقع، بل وفي قلب المستنقع...
أيضاً صراع استراتيجي في المخيم بين زقاق وزقاق، بل بين منزل ومنزل، بل بين غرفة وغرفة، فهل كان ياسر عرفات يصنع ثورة ام يصنع غابة؟
داخل عين الحلوة تعلم كيف ان جهات خارجية بدأت تلعب، مذهبياً، وبالدم الفلسطيني، من اجل استخدام المخيم في تغيير خريطة القوى في جنوب لبنان، ربما وصولاً الى الجمهورية كلها. هذا عندما نكون على بينّة من ان ظروف اليوم أسوأ بكثير من ظروف عام 1975، ومن ان هناك في المنطقة العربية، كما في الاقليم، من لا يدرك عاقبة ما يجري، وما يمكن ان يجري، مع تحلل الدولة، وتحلل المجتمع، في سوريا...
لعلك تعلم ايضاً ان هناك من يزيّن لبعض القادة في عين الحلوة كما في رام الله بأن المخيم سيتوسع، ويظل يتوسع، حتى يتحول الى جمهورية. من يستطيع ان يمنع ذلك؟ تلك البقية الباقية من الدولة اللبنانية التي تأكلها اللحوم الفاسدة، والادوية الفاسدة، بل والضمائر الفاسدة...
تابعوا المسلسل التركي في المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين. الملهاة انتهت، ومن تابع ما قيل في المؤتمر الاخير للايباك، وحيث خطب باراك اوباما بلهجة يوشع بن نون لا بلهجة توماس جيفرسون، يدرك ان «شائعة» الدولتين انتهت. لا دولة فلسطينية في فلسطين.ألم يصف هنري كيسنجر لبنان بالفائض الجغرافي؟ وألم يقل وليم سافاير، القريب جداً من اللوبي إياه، ان الاردن تم اختراعه هكذا لتكون الضفة الشرقية بديلاً من الضفة الغربية؟
اما «فتح» و«حماس» فغارقتان في لجّة المصالحة. هل ترتدي الدولة الجلباب ام سروال الجينز؟ وهل يكون رئيس الدولة بلحية ام من غير لحية؟ وهل توضع عبارة «الله اكبر» على علم فلسطين ام لا؟
ولكن بادىء ذي بدء ينبغي ان يدمر الفلسطينيون بعضهم البعض، وان يدمر اللبنانيون (والاردنيون والسوريون) بعضهم البعض لكي تصل صرخة راحيل الى من تصل. صرخة راحيل في كل الارجاء العربية الآن. كل الامتنان لوزير الخارجية الفرنسي الاسبق هوبير فيدرين الذي يسأل العرب ما اذا كانت «هذه الرقصة مع الحطام» لم تنته بعد. لا، لم تنته، ولن تنتهي حتى نتحول جميعاً الى حطام..
مخيم عين الحلوة هو نحن، من المحيط الى الخليج. من تابع اجتماع الفصائل لدى البحث في مسألة تسليم توفيق طه الى الجيش اللبناني لاحظ ان ثمة وجوهاً وراء الوجوه، وان ثمة من يحمي كل مشتقات القاعدة في المخيم، وبتغطية من خارج الحدود ولأن هذه المشتقات ضرورية جداً حين تدق ساعة المواجهة...
ومن تابع لقاءات عزام الاحمد في المخيم، وقد جاء لاعادة هيكلية الخارطة القيادية في حركة «فتح»،لاحظ كم ان الهوة كبيرة بين محمود عبد الحميد عيسى (اللينو) وكل من منير المقدح وخالد الشايب، حتى ان بعض من سمع صوت اللينو وهو يجلجل، وكذلك وهو يحرك قبضته، ظن انه قد يأمر بالقاء القبض على مبعوث محمود عباس الذي لا يدري احد لماذا هو باق في مكانه، وهل صحيح انه قال «اذا ذهبت فسيضع الاسرائيليون محمد دحلان مكاني»؟
قيل لعزام الاحمد ان المخيم بحاجة الى يد غليظة لا الى قفاز حريري على غرار صبحي ابو عرب الذي عهد إليه بترؤس لجنة قيادية طارت قبل ان يطير الاحمد من مطار بيروت. ولكن هل ان الحل يكون بابقاء الحال على حاله، وبعدما تردد ان هناك من يعمل على اعادة «فتح» الى اصولها العرفاتية اي الى احضان «الاخوان المسلمين» الذين هذا الزمن زمنهم؟
اكثر من ذلك، يقال ان الاسلاميين المتشددين اخترقوا الحركة التي شاخت، وترهلت، وضاعت بين اللينو والمقدح، وبينهما ظل كئيب ومتداع يدعى محمود عباس...
لكن الذي يجعلنا ندق ناقوس الخطر هو ان هناك، فعلاً، جهات خارجية بدأت تلعب بالروؤس في عين الحلوة، وليس فقط من اجل تصفية من تبقى من الفلسطينيين، فحسب، وانما ايضا من اجل تصفية من تبقى من اللبنانيين. هل هناك من تبقى من....العرب؟
توأمة بين جمهورية ومخيم!
المصدر: الديار