هدم المخيمات الفلسطينية بين الملكية
الخاصة وإشراف الأونروا
حدود مخيم برج البراجنة.. كيف توسّعت
بين الأملاك الخاصّة والعامّة؟
الجمعة، 04 تموز، 2014
منذ ما قبل وضع حاجز الجيش عند مدخل
مخيم برج البراجنة حتى الآن، يقف شرطي لبناني واحد، يوقف الشاحنات التي تحمل مواد
البناء.. يسجّلها ويكتب الملاحظات، ويتحدث مع السائق لدقائق ثم يسمح لها بالدخول..
أحياناً!
معاييره في الغالب تتعلق بالأبنية
المحسوبة عقارياً داخل المخيم أو خارجه.
تدور أسئلةٌ حول المباني المشيّدة
عند الأطراف؛ هل هي ضمن عقارات المخيم أم خارجها؟ وهل تسري عليها معايير الأونروا
أم معايير البلدية المحيطة بالمخيم؟ وما هي أحوالها لو فتحت حدود المخيم وعدنا إلى
الأحوال التي سادت قبل اتفاق القاهرة (1969) أو بعد الاجتياح الإسرائيلي (1982)؟
هل سيكون مصيرها الهدم؟ ومن سيضع حدود المخيم؟
أسئلة كثيرة تدور اليوم في المخيم.
في التقرير التالي نبذة تاريخية عن
توسع مخيم برج البراجنة..
لم تعرف حدود مخيم برج البراجنة،
جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، ثباتاً طويلاً، فهي تتغير بتغير الظروف السياسية
وتقلباتها في لبنان، وتتمدد تبعاً للقوانين التي حاصرت الفلسطيني ضمن قلعته
(المخيم)، أو وفق عوامل شخصية ومحسوبيات. وتتوزع ملكية أرض المخيم بين أملاك خاصة
بلبنانيين أو عامة تابعة للدولة اللبنانية.
بدأت قصة مخيم برج البراجنة قبل
ولادته بسنوات. حينها كان مختار برج البراجنة حسن علي السبع يقيم علاقات تجارية،
ويُحيك صداقات متينة مع أهالي بلدة ترشيحا الفلسطينية. يزورهم في بيوتهم هناك،
يتاجر وإياهم في التبغ، ويتناقش معهم في أفكار قومية اعتنقها. وقعت النكبة عام
1948، تواصل السبع مع أصدقائه الذين قهرتهم الظروف، دعاهم ليقيموا في منزله، بعضهم
أقام في منزول (منزل للضيافة) آل العرب، وآخرون في المسجد.
طال بهم المُقام، ولم يطب. أيام
الغربة صارت أشهراً، والأشهر عاماً. رقّ قلب الشيخ محمد منيمنة، أحد وجهاء منطقة
برج البراجنة. أتى المختار السبع، عام 1949، بوجه بدا عليه التأثّر. تذاكرا حال
الفلسطينيين الذين أصبحوا عليه. فقال منيمنة: إن لي أرضاً تتسع لهم، وإني راجٍ أن
يقيموا فيها إلى حين عودتهم القريبة. وافق اللاجئون الجدد، وهي التسمية التي ظلوا
أعواماً يرفضونها، ويناضلون لمحوها، لكن شرطهم كان أن يقبل منيمنة إيجاراً لتلك
الأرض. رفض الشرط، وأنّى لهم الوفاء به!
كانت السنوات تمرّ، وحاجة الشيخ إلى
أرضه تكبر، وأمله بعودتهم القريبة يكاد يتلاشى. ذهب إلى مدير غرفة رئاسة
الجمهورية، جورج حيمري، وهي الغرفة المسؤولة عن شؤون اللاجئين. طلب منه أن يجد
أرضاً بديلة، وافقه حيمري بشرط أن يدلّه عليها. مرة يأتيه منيمنة بنبأ أرض للبيع
في منطقة الحدث، تبعد أقل من 5 كيلومترات عن موقع المخيم، وهي بعيدة بقياس تلك
الأيام، فيختلق حيمري الأعذار. ومرات في مناطق أبعد، لكن حيمري كان يرفض في كل
مرة، ويسرّ إلى بعض وجهاء ترشيحا أن حقيقة رفضه تعود إلى أنه لا يريد أن يبعدهم
كثيراً عن مدينة بيروت، لما وجد لديهم من إقبال شغوف على التعليم. وكانت الأخبار
تصله عن لاجئين شكلوا في اليوم الثاني، بعد نصبهم الخيام، لجنة ترعى التعليم،
وتهتم بالنظافة.
خيراً فعل حيمري، فالمعامل القريبة
سمحت بتوظيف كثير من الأهالي، هنا معمل جبر للنسيج، وهناك مصنع غندور، ومصنع
"تنك" آخر ليهودي يُدعى أصلان درزي بقي لآخر أيامه معادياً للصهيونية.
أطلقت بقية المخيمات على مخيم برج البراجنة "مخيم الليرات"، لقربه من
العاصمة.
بدأت هجرة كثير من الفلسطينيين من
المناطق اللبنانية الأخرى إلى المخيم. هذا ينصب خيمة ليلاً، فتأتي الأجهزة الأمنية
صباحاً فترفعها، ثم يُسجن أو يتم ترحيله من حيث أتى. وذاك يتغاضى مدير المخيم
المعيّن حديثاً من قبل الأنروا عن إقامته، ويتم تسجيله في سجلاّتها، فللقرابة
حظها، وللصداقة والمعرفة و"الواسطة" حظوظها. "جئت من الجنوب عام
1952، والتقيت كبار أهل قريتي (الشيخ داوود)، وطلبت منهم أن يضغطوا على مدير المخيم
حتى أستطيع الحصول على خيمة جرس، وهكذا كان"، هذا ما روته حسنية فهد. وغالبا
ما يكون التوسّع على حساب الأملاك العامة.
بين عامي 1950 و 1969 توسعت مساحة
المخيم قليلاً، وبعد أن كانت مساحة المخيم بمساحة جورة التراشحة المنخفضة، أخذت
تتوسع شيئاً فشيئاً نحو الأماكن العالية. هال هذا التوسع شفيق شاتيلا، مسؤول
الشؤون الاجتماعية، المسؤولة بدورها عن أوضاع اللاجئين، فجاء إلى المخيم عام 1959،
ووقف عند بيت محي الدين شحادة، وقال إلى هنا تنتهي حدود المخيم. بقي بيت شحادة،
لكنه اليوم يقع في منتصف المخيم تقريباً.
في عام 1969 وُقّع اتفاق القاهرة بين
الفلسطينيين والسلطات اللبنانية، وأصبحت السيطرة داخل المخيمات لقوى الثورة
الفلسطينية. توسّعت حدود المخيم، خصوصاً باتجاه الجنوب. بعض السكان رحّب بأن يسكن
أناسٌ في تلك المناطق العالية، ليمنعوا انجراف التربة نحوهم، على ما يقول أحمد
يوسف. توسّع كبير طرأ من الجهة الجنوبية مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1978، وهجرة
جزء كبير من سكان مخيم الرشيدية في الجنوب إلى مخيم برج البراجنة.
في عام 2001 صدر قانون منع تملك
الفلسطينيين في لبنان، فزادت مخالفات البناء في المخيم المذكور، كما باقي
المخيمات. وفي عام 2008، وقعت مخالفات البناء الواسعة في لبنان، استفاد جزء من
مخيم برج البراجنة، توسع المخيم جنوباً ليبلغ حدوده القصوى، ويتداخل مع بعض
المناطق اللبنانية.
إذا كانت حدود كثير من الدول في هذه
الفترة الزمنية، تسود شكوك كبيرة بإمكانية بقائها على حالها، فكيف بحدود مخيم، لم
تُرسم رسمياً في يوم من الأيام. لكن فيما يخص مخيم برج البراجنة، فقد بلغ حدوداً
يستحيل تجاوزها لأنها باتت تصطدم بالعمران اللبناني، ولهذا أضرار اجتماعية لا تخفى
في ظل منع التملّك.
المصدر: شبكة العودة الإخبارية -
أحمد الحاج علي