القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 27 كانون الأول 2024

تقارير إخبارية

حذر والتقاط للأنفاس.. هكذا استقبل الغزيون في رفح أنباء الهدنة


الخميس، 23 تشرين الثاني، 2023

غزة- بفرحة ممزوجة بالترقب والقلق، استقبل سكان قطاع غزة اتفاق هدنة مؤقتة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و"إسرائيل"، أعلنت عنه دولة قطر في ساعة مبكرة من صباح لـ4 أيام قابلة للتمديد، ويتضمن وقفا لإطلاق النار وإطلاق سراح نساء وأطفال أسرى من الجانبين.

مضت نحو 7 أسابيع منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأكثر ضراوة على هذا الشريط الساحلي الصغير، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تتوقف خلالها أصوات الانفجارات نتيجة غارات جوية وبرية وبحرية، وقد آن للغزيين أن يلتقطوا أنفاسهم ويلملموا جراحاتهم.

في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، وكغيرها من مدن القطاع في جنوبه وشماله، كان لهذا الاتفاق وقعه على سكان المدينة، والنازحين إليها الذين يقدر عددهم بأكثر من 300 ألف، أجبروا على هجر منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع، فضلاً عن آلاف آخرين أجبروا على النزوح الداخلي من منازلهم في المناطق الشرقية المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، نحو مراكز الإيواء في المدارس والمرافق العامة، وفي منازل الأقارب والأصدقاء.

عودة مؤقتة

تقول أم محمد الصوفي للجزيرة نت إن أيام الهدنة ستساعدها وزوجها للوصول إلى منزلهما في منطقة "الشوكة" القريبة من السياج الأمني، شرق مدينة رفح، وجلب بعض الاحتياجات الضرورية من ملابس وأغطية شتوية، بعدما اضطرا إلى النزوح بأطفالهما الستة، من دون أمتعة، في اليوم الأول للحرب الإسرائيلية.

وتقيم هذه النازحة الأربعينية مع أسرتها في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في وسط المدينة، ولا تعتزم العودة إلى منزلها للإقامة فيه قبل توقف الحرب كليا، وتستحضر تجربة أليمة مرت بها في الحرب الثالثة على غزة عام 2014، عندما انهار اتفاق هدنة مؤقتة، وانهمرت الصواريخ والقذائف على المنطقة، ونجت وأسرتها بأعجوبة.

وبالنسبة لأم محمد فإنه "لا أمان للاحتلال"، وتقول "رغم أنهم يستهدفون كل شيء حتى المدارس، فإن بقاءنا مع الناس (النازحين) في المدرسة، أكثر أمنا من بيتنا بالشوكة".

وتتلهف أم محمد لبدء سريان الهدنة، لتفقد منزلها الذي لا تعلم ما حل به خلال الأسابيع الماضية، وتمنّي نفسها أن تتطور الهدنة إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، وألا يطول بهم المقام في المدرسة.

وضاعفت أجواء الشتاء القاسية من معاناة أم محمد ومئات آلاف النازحين في المدارس والمرافق العامة، التي تفتقر لأبسط المقومات لمجابهة البرد والأمطار، ووفقا لها فإن ما تقدمه أونروا للنازحين من طعام وأغطية غير كاف، وتقول "الحياة هنا مأساوية، والناس بيناموا (ينامون) على البلاط، والأطفال يرتجفون من البرد".

حركة باتجاه واحد

وإذا كانت أم محمد أكثر حظا لأن أيام الهدنة ستمكّنها من العودة -ولو مؤقتا- إلى منزلها وجلب مستلزمات تحسّن من حياتها وأسرتها في مركز الإيواء، فإنه لن يكون بمقدور إيمان تايه (41 عاما) التحرك من مركز الإيواء ذاته إلى منزلها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

ويتيح اتفاق الهدنة لسكان شمال القطاع بالتحرك جنوبا مع ضمان عدم تعرض الاحتلال لهم، بينما لن يتمكن آلاف النازحين من العودة إلى منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع، ومنهم إيمان، التي اضطرت وأسرتها وعدد من أقاربها، إلى النزوح مرتين خلال الحرب، الأولى من منازلهم في حي الشجاعية، والثانية من مركز إيواء في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، نحو مدينة رفح.

وتساءلت إيمان بصوت يملؤه الحزن والقهر "ما فائدة الهدنة لنا كنازحين من غزة؟"، مستدركة "الحمد لله على كل حال، يكفي أنها ستوقف نزيف الدم والقتل والدمار".

وتداخلت نازحة تشاركها الغرفة ذاتها بالحوار، وقالت وكأنها تذكرها بفائدة أخرى للهدنة "وكمان (وكذلك) ستحرر نساء وأطفالا من سجون الاحتلال".

وبموجب الاتفاق، تطلق حماس سراح 50 امرأة وطفل من أسرى مستوطنات غلاف غزة، في مقابل تحرير الاحتلال 150 امرأة وطفل، من بين نحو 300 طفل، و33 أسيرة، تعتقلهم في سجونها، وقالت إيمان "ربنا يفرجها على كل أسرانا، ويفرجها علينا في غزة، ويعيدنا سالمين إلى بيوتنا".

وإلى حين هذه العودة، تأمل إيمان أن تحسن أونروا والمؤسسات المعنية من حياة النازحين في مراكز الإيواء، وتمدهم بمقومات الحياة الأساسية. وقالت وهي تنظر نحو ابنتها هديل (20 عاما)، التي ولدت قبل 14 ساعة فقط من النزوح مشيا على الأقدام "لا نجد لها الطعام المناسب، وبصعوبة بالغة أعددت لها شوربة العدس على نار الحطب".

احتياجات حياتية

وينتظر محمد عودة سريان الهدنة، وتدفق المساعدات من أجل التزود بكميات وافية من الوقود ومستلزمات المنزل الأخرى كغاز الطهي والأغذية المعلبة، ويقول للجزيرة نت "لا نعلم حتى اللحظة ما المساعدات التي ستدخل عبر معبر رفح مع مصر؟ ونتمنى أن تلبي احتياجاتنا".

وبحسب بيان أصدرته حماس فإن اتفاق الهدنة ينص على تدفق مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، بما في ذلك الوقود، الذي ظلت إسرائيل متمسكة برفض دخوله للقطاع، ولم يشمله الاتفاق الثلاثي المصري الأميركي الإسرائيلي، الذي سمح بتدفق كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية، شملت عبوات من مياه الشرب، وأغذية معلبة، ومستلزمات طبية بسيطة.

وواجه محمد خلال الأسابيع الماضية، كالغالبية من الغزيين، صعوبة في توفير كمية قليلة من السولار لتشغيل مولد صغير، يستخدمه لرفع المياه إلى خزانات أعلى سطح منزله في مخيم الشابورة للاجئين وسط مدينة غزة، ويقول للجزيرة نت إنه اضطر إلى شراء لتر واحد بنحو 7 أضعاف سعره الحقيقي.

ودفعت أزمة الوقود، بما فيها غاز الطهي، بمحمد -حاله حال الكثيرين- للعودة إلى الوسائل البديلة، كالحطب، الذي ارتفعت أسعاره لأكثر من الضعف، وهو ما ينطبق على كل السلع التي نفدت من الأسواق، ولم يعد لها بديل، جراء استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، منذ بداية الحرب، وشهدت أسعار الكميات الشحيحة المتبقية من بعض هذه السلع ارتفاعا كبيرا.

هدنة لتسكين الألم

أما محمد أيوب، فلا يشغل باله من الهدنة سوى تمكنه من زيارة قبر ابنته الشهيدة ولاء التي ارتقت في غارة جوية إسرائيلية استهدفت بناية لعائلة زوجها، تضم شقتها السكنية، وحوّلتها إلى كومة من الركام.

وبعد نحو شهر على هذه الغارة، لا يزال أيوب تحت تأثير الصدمة، ويقول للجزيرة نت "الحجر والشجر معوض، لكن مين (من) يعوضني عن ابنتي ولاء؟".

ومنذ أن دفنها بمشاركة عدد محدود من عائلته وعائلة زوجها، التي فقدت ثلة من أفرادها جلهم من النساء والأطفال، يتلهف أيوب لزيارة قبرها في المقبرة الغربية بمدينة رفح، والمكوث مطمئنا إلى جوارها يقرأ القرآن، ويحدثها بهدوء لا تعكره أصوات الانفجارات.

هذه الهدنة ستتيح لأيوب تحقيق رغبته بزيارة قبر ابنته، وستتيح للآخرين دفن ذويهم، ممن لم تسنح لهم الفرصة لانتشالهم من الشوارع والطرقات، ومن تحت أنقاض المباني والمنازل السكنية المدمرة.

المصدر : الجزيرة