حركات
التضامن الشعبية مع غزة: آلاف في أوروبا.. ومئات في عواصم العرب!
الثلاثاء،
15 تموز، 2014
الفارق
واضح جداً بين حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في الدول العربية والأوروبية. ومع
تصاعد العدوان الصهيوني على غزة وظهور آثار القصف في صور تداولتها وسائل الإعلام،
خرجت التظاهرات الحاشدة في المدن الأوروبية الكبرى: لندن، ومارسيليا، وباريس،
وميونخ، وغيرها. تظاهرات ضمّت الآلاف لإدانة جرائم الصهيونية والمطالبة بوقف العدوان،
والضغط على الحكومات الأوروبية لاتخاذ مواقف وممارسة ضغط على إسرائيل.
أما
في الوطن العربي، الذي يجري العدوان الإسرائيلي على أرضه الفلسطينية، فلم يكن رد
الفعل الشعبي بذات القوة. إذ ضمت التحركات في أفضل الحالات المئات، وذلك في عدد
محدود من العواصم العربية، ولم تظهر التحركات الشعبية في الدول العربية قادرة على
إحراز أي تأثير، لا على إسرائيل ولا على الأنظمة العربية.
كانت
التظاهرة، التي شهدتها لندن مساء الجمعة الماضية، نموذجاً للاهتمام بالقضية
الفلسطينية في أوروبا. التظاهرة التي دعت إليها حركة «أوقفوا الحرب» و«حملة
التضامن مع الشعب الفلسطيني» في بريطانيا، حشدت أكثر من عشرة آلاف متظاهر في «هاي
ستريت كينزنتون» أمام سفارة إسرائيل. وتزايدت أعداد المشاركين سريعاً، حتى توقف
المرور تماماً في أحد أرقى أحياء لندن. واعتلى المتظاهرون الحافلات ذات الطابقين
التي توقفت في الشارع، ورفعوا عليها أعلام فلسطين وصور شهداء القصف الإسرائيلي.
وبرغم
توقف الحركة تماماً لأكثر من ثلاث ساعات، إلا أن المحال والمنازل المحيطة
بالتظاهرة أبدت تعاطفاً واضحاً مع المتظاهرين، بوضع أعلام فلسطين وصور الشهداء
والكوفيات العربية على واجهات المحال وشرفات ونوافذ المنازل.
بدا
وجود الجاليات العربية والإسلامية ضخماً في التظاهرة، إلى جانب مشاركة
البريطانيين، لكن الملفت للنظر كان مشاركة أعضاء من طائفة «ناطوري كارتا» وهي إحدى
الطوائف اليهودية الأرثوذوكسية الرافضة للصهيونية. ووضع هؤلاء الكوفية والعلم
الفلسطينيين مع القبعة اليهودية التي يتميزون بها. وتحدث عنهم الكاهن يعقوب
قائلاً: «عار على (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو الجرائم على يرتكبها
في حق الشعب الفلسطيني. إنهم لا ينتمون الى اليهودية. اليهودية ترفض الصهيونية
وجرائمها. فلسطين يجب أن تتسع للمسلمين والمسيحيين واليهود على السواء، نتنياهو
وأمثاله عار على اليهودية».
بدوره
ابدى النائب السابق في مجلس العموم البريطاني جورج غالوي، في الكلمة التي ألقاها،
دهشته من ضعف ردود الأفعال الآتية من المنطقة التي يتم العدوان على جزء منها،
وفسّر ذلك بالطابع الاستبدادي للأنظمة الحاكمة في المنطقة، والتي تحرم الشعوب من
حقها في التعبير والاحتجاج، معتبراً ذلك أكبر خدمة تقدمها تلك الأنظمة لإسرائيل.
من
ضاقت بهم القاهرة، حيث لاحقتهم قوات الأمن في كل تظاهرة تضامنية مع غزة، وجدوا
فسحة للتظاهر في لندن. وأعربت الأديبة المصرية أهداف سويف، التي تصادف وجودها في
تظاهرة العاصمة البريطانية، في حديثها إلى «السفير»، عن تفاؤلها بحركة التضامن مع
الشعب الفلسطيني في بريطانيا، وقالت «في كل مرة يستدعي الأمر تحركاً تبادر حركة
التضامن إلى موقف قوي ومؤثر. لقد نجحت الحركة في تغيير الرأي العام البريطاني تجاه
القضية الفلسطينية».
التظاهرة،
التي كان مقرراً أن تُفضّ بعد ساعتين من بدايتها، لم تنته بسهولة. إذ تحركت بعدها
مسيرة أخرى ضمت الآلاف لعدة كيلومترات في شوارع لندن. ولم تشهد لا التظاهرة ولا
المسيرة أي مشاحنات مع المارة أو الأمن، الذي اكتفى بعمل حاجز على مسافة من
السفارة الإسرائيلية لمنع تقدم المتظاهرين تجاهها.
من
ناحيتها، تحدثت الباحثة في شؤون الشرق الأوسط في جامعة كامبريدج، عضو «حملة
التضامن مع الشعب الفلسطيني» في بريطانيا آن ألكسندر، الى «السفير»، قائلة إن
«الحملة نجحت في التأثير في الرأي العام البريطاني بشكل ملحوظ، خاصة في النقابات
العمالية. نقابات رئيسية اتخذت مواقف حاسمة ضد إسرائيل تضامناً مع الشعب
الفلسطيني، وبعض النقابات اتخذت قراراً بمقاطعة إسرائيل.
الجامعات
أيضاً شهدت تحولاً ملحوظاً في هذا الصدد، سواء على مستوى الحركة الطلابية، أو على
المستوى الأكاديمي، حيث قررت مجموعة كبيرة من الأكاديميين من نقابة أساتذة
الجامعة، المقاطعة الأكاديمية للدولة العبرية، والضغط على الجامعات لتقاطع بدورها
أكاديمياً وثقافياً. كما نجحت الحملة في دفع الكثير من المحال التجارية والشركات
الى أن تعلن أنها لا تتعامل مع إسرائيل.
«حملة
التضامن مع الشعب الفلسطيني» كان لها وجود يمتد إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما
أسسها نقابيون ويساريون بريطانيون، ولكن مع انتفاضة الأقصى في العام 2000 تزايد
تأثيرها بقوة ونجحت في خلق تصور مختلف عن القضية الفلسطينية في بريطانيا. حتى أن
شركة الأمن البريطانية الشهيرة «جي فور إس» اضطرت للانسحاب من تعاقداتها مع
السلطات الفلسطينية، التي شملت إشرافاً على السجون ونقاط التفتيش بعد تزايد الضغط
الشعبي عليها في بريطانيا.
الصورة
مختلفة تماماً في القاهرة. لقد نجحت الدعوة التي وجهتها «جبهة ثوار المعارضة»
للإفطار الجماعي تضامناً مع الشعب الفلسطيني في نقابة الصحافيين، في حشد بضع مئات،
ما دفعهم إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام النقابة، وسرعان ما تحولت الوقفة إلى مسيرة
توجهت نحو وسط المدينة وتزايد عددها حتى اقترب من الألف.
ويبدو
المشهد مغايراً لذاك الذي عرفته القاهرة في العام 2011، عندما نجحت الثورة
المصرية، ولو مرحلياً، في كسر الاستبداد وإطلاق الحريات. وقتها قام المتظاهرون
بتحطيم الجدران الخرسانية حول مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ولم يمنع
الارتفاع الشاهق لمقر السفارة التي كانت في الطابق السادس عشر في إحدى البنايات، الثوار
من تسلق المبنى واقتحامها، وتمزيق العلم الإسرائيلي عليها.
التظاهرات
لم تتوقف على لندن، بل سار الالاف في العاصمة الفرنسية باريس أمس الأول، كذلك في
مدينة ليل شمال فرنسا، تضامناً مع الفلسطينيين واحتجاجاً على العدوان الاسرائيلي
على غزة.
كما
سارت تظاهرات في كل من العاصمة التركية أنقرة، بدعوة من «حزب العدالة والتنمية»
الحاكم، وفي العاصمة الهندية نيودلهي حيث احتشد عدد من المحتجين أمام السفارة
الإسرائيلية وحاولوا ازالة الحاجز الأمني فتصدت لهم قوى الأمن واعتقلت بعضهم.
كذلك
سارت تظاهرات في كشمير الهندية، وفي لاهور الباكستانية بدعوة من «الحركة الشعبية
الباكستانية» وأخرى في العاصمة اسلام أباد بدعوة من «منظمة الطلاب المسلمين». وفي
العاصمة البنغالية دكا.
ويبدو
أنه في مواجهة الشعب الفلسطيني تتسلح الصهيونية بأحدث ما في الترسانة الأميركية،
وتنفق المليارات على أنظمة الدفاع المضادة لصواريخ المقاومة. ولكن يبقى خط دفاعها
الأول هو أنظمة الاستبداد التي تتكفل بمواجهة غضب الشعوب وتمنع احتجاجاتهم.
المصدر:
مصطفى بسيوني - السفير