حملة «انتماء» .. نحو تعزيز الوطنية
الجمعة، 01 حزيران، 2012
لم ينفك العدو الصهيوني منذ ما قبل احتلاله لفلسطين، بالعمل على تزوير التاريخ لإيجاد أي إثبات لوجودهم في أرض فلسطين وبأحقيتهم بها.. محاولاتهم هذه غالباً ما كانت تبوء بالفشل، لكنهم لم يألوا جهداً في السعي إلى طمس الهوية الفلسطينية.
وقد ضمت محاولات طمس الهوية، كل ما يستطيع العدو العمل عليه: سرقة الآثار، والتراث بكل أشكاله: الفني والاجتماعي وغيره، الاعتداء على أراضي الفلسطينيين، هدم البيوت والتوسع في الحفريات لا سيّما في القدس المحتلة وتحت المسجد الأقصى.. والعديد من الخطوات الممنهجة في هذا المخطط الشرس.
طموحات في طريق التطوير والتنفيذ
من هنا، كانت الحملة الوطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية «انتمـاء»، مشروع فاعل من مشاريع التصدي للحرب التي يشنها الصهاينة على هوية الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. ثلاث سنوات متواصلة كانت تتطور فيها أنشطة الحملة.
في هذا الصدد يحدثنا منسق الحملة الأستاذ ياسر قدورة عن أهداف حملة «انتمـاء»، فيقول: نحن وضعنا عنواناً عريضاً لحملتنا هو تعزيز الانتماء والشعور الوطني لدى كل الفلسطينيين في الداخل والخارج تجاه وطننا المسلوب. أما في العناوين التفصيلية فأحد هذه الأهداف هو الحفاظ على الهوية الفلسطينية بكل مكوناتها: فلسطين الأرض والهوية والوطن كاملاً، وقد أشرنا لذلك بالخارطة في لوغو الحملة وبألوان العلم الفلسطيني.
حملة «انتمـاء» لم تكن يوماً مجرد فكرة تنبع من حب للوطن فحسب، بل هي عبارة عن مشروع مدروس له تطلعاته المنهجية، فحملة «انتمـاء» تعتبر هذا العمل جزءاً من مقاومة العدو الصهيوني، الذي لم يهدف لاحتلال الأرض فقط، بل لطمس الهوية والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية. ويذكر قدورة أن الحملة حاولت التطرق لكل هذه التفاصيل، فيقول: «قسمنا الحملة إلى عدة أقسام أو أبعاد، منها البعد السياسي، والاجتماعي، والفني والتراث..».
تطوّر الحملة سنةً بعد سنة
تأتي هذه الحملة في سنتها الثالثة بحُلّة جديدة ومتطورة عن السنوات السابقة، فقد بدأت بالتعاون مع ثلاثة مؤسسات ولمدة أسبوع واحد فقط، أما في السنة الماضية 2011، فقد أقيمت الحملة بالتعاون مع خمسين مؤسسة ولمدة شهر كامل. وفي هذه السنة شارك في الحمل بشكل رسمي 160 مؤسسة وطنية وأهلية واجتماعية فلسطينية أو تدعم القضية الفلسطينية، عدا عن المؤسسات الأخرى التي انضمت لاحقاً خلال أيام الحملة التي أقيمت على مدى شهر كامل، وامتدت لكل المناطق في لبنان، وحتى خارجها».
اتساع كمّي وكيفي
«انتمـاء»، تلك الحملة المتواضعة التي بدأت بثلاث مؤسسات وانتقلت إلى مرحلة العمل الجبار بمشاركة ما يزيد عن مئة وستين مؤسسة، تتوزع أعمالها اليوم على قرابة عشرين دولة كما يذكر منسق الحملة، «منها هولندا، السويد، لندن، الدنمارك حيث كان للحملة مشاركة في مؤتمر فلسطينيي أوروبا العاشر، وغيرها من الدول. ويتركز عمل الحملة بشكل رئيس في الدول التي يتواجد فيها ثقل فلسطيني مثل لبنان، سوريا، والأردن».
فضلاً عن اتساع انتشار فعاليات الحملة، فقد لفت قدورة إلى أن «من يدقق في طبيعة المؤسسات المشاركة، يلاحظ التنوع في التخصصات بين كشفية وتربوية ورياضية ورياض أطفال وطبية... وغيرها من المؤسسات التي قد لا تقوم بفعاليات ميدانية مباشرة، ولكنها تضم صوتها ودعمها للحملة».
ما يميز الحملة؟
تميزت الحملة هذا العام بمحاولة القائمين عليها الوصول لشريحة الأطفال الفلسطينيين بشكل خاص، فقامت بتوزيع العلم الفلسطيني على الحضانات في المخيمات وخارجها، لا سيما تلك المؤسسات المشاركة بالحملة. وبفضل وضوح الرسالة، وتخصيص الشرائح، والعمل التدريجي، ترى الحملة أنها حققت حضوراً أقوى وأكثف من السنوات السابقة، وكما يحدثنا الأستاذ ياسر: «وجهنا رسائل مكثفة لكل الإعلاميين والفضائيات من ناحية، وللمعلمين من ناحية اخرى للمساهمة في التواصل مع الطلاب، ثم انتقلنا إلى مرحلة التواصل مع الطلاب، وثم الفعاليات الميدانية، ومنها: خيمة العودة في منطقة صيدا، وسلسلة الكشافة التي امتدت من صور إلى الشمال. إضافة إلى مهرجان رياضي حاشد، وغيرها من الفعاليات المتنوعة الأخرى، مثل التعاون مع رابطة الإعلاميين الفلسطينيين، ومنتدى نهر البارد والبداوي لإقامة المعارض، وصولاً إلى اختتام الشهر المخصص للحملة برفع جداريات عالية تحمل خريطة فلسطين كاملة، وبعض الملصقات الأخرى التي تسهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية».
أصداء حول الحملة
لاحظ متابعو الحملة التزام الكثيرين بالحضور والمشاركة بالفعاليات، لا سيما في «خيمة العودة» التي استمرت لستة أيام متواصلة. ومن جانبهم، فإن القائمين على الحملة حرصوا على تخصيص جزء كبير من فعالية «خيمة العودة» للأفراد لا للمؤسسات، وذلك من خلال إقامة الجلسات المفتوحة لإبداء أي آراء أو أفكار قد تفيد في خدمة القضية والحفاظ على الهوية الفلسطينية.
ويقول قدورة: «إن مثل هذه الحملة تثمر في نفوس الفلسطينيين وغيرهم وتعزز الوطنية، ونحن في تطور مستمر، فبينما نقدر التفاعل في السنة الماضية بـ60%، بينما يقدّر في هذه السنة بين 70 و80%. وفي كل سنة سيكون هناك إنجاز أكبر بإذن الله، فهذه الفعالية كانت تحمل عن طريق المشاركين فيها رسالة واضحة، بأن الموضوع عندما يتعلق بقضية تمس مجموع الفلسطينيين، فهم يضعون جانباً كل الاختلافات، ويتوحدون بتخصصاتهم وانتماءاتهم في مواجهة العدو الصهيوني ومشاريعه».
ربيع فلسطيني ينضم للربيع العربي
في الهواء الطلق، قامت حملة «انتمـاء» بفعالياتها، وفي غياهب السجون كان للأسرى طرقهم الخاصة في التعبير عن انتمائهم للقضية. والربيع العربي كان له الأثر في مشاركة الفلسطينيين ربيعهم الخاص، وفي حين «اعتقد البعض بأن الأحداث ستلهي الناس عن القضية»، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك كما يقول قدورة، «فما يميز القضية الفلسطينية أنها تبقى القضية الجامعة لمختلف المجتمعات، فقد يصدق البعض بأن الربيع الفلسطيني تأخر، لكنا تفاجأنا بربيع فلسطيني بنكهة مميزة من داخل السجون، حيث حقق الأسرى انتصاراً في معركة الأمعاء الخاوية».
ختام الحملة.. بداية جديدة
إذاً، جاءت «انتمـاء» لتعزز انتماء الفلسطينيين لوطنهم الأم، والمسلمين والعرب لقضيتهم المركزية. وما حققته الحملة في سنواتها القليلة هو ما يعطي القائمين عليها، كما يعطي منسق الحملة ياسر قدورة الأمل في أن تكون الرسالة وصلت للجميع، «وأن تكون الحملة قد أتاحت للجميع مساحة مفتوحة للتعرف عن قرب على القضية ولمناصرتها ودعمها».
هو مشروع قيّم، وعمل جبّار، ثلاث سنين خلت، والقادم سيكون أقوى وأشمل كما يعد قدورة، فالقضية التي استهدفت بكل أركانها منذ عقود، آن لها أن تستعيد مجدها، وأن يخرج ماردها ليضرب بيد من حديد كل أفكار الطمس التي تستهدف الإنسان والتاريخ والجغرافيا والثقافة والأرض والتضاريس والخريطة والتراث، و«انتمـاء» على ما يبدو قررت أن تكون من جنود الحفاظ على الهوية الفلسطينية بكل مكوناتها، ليس على مدار ثلاثين يوماً فقط، بل على مدار كل ساعات الزمن، في سبيل الوصول إلى أمة كاملة من المحافظين على تلك الهوية «فخر الأمة».
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام