«حوش القرمي».. نسيج معماري «هش» يتهدده الانهيار
الثلاثاء، 21
نيسان، 2015
"حوش القرمي" هو أحد الأحياء السكنية في البلدة القديمة في
مدينة القدس المحتلة، نسيج معماري "هشّ" عمره أكثر من 1200 عام، لا ينبغي
الحفر تحته، إلا أن بلدية الاحتلال ظلمت سكانه وبدأت بالحفر من تحته حتى بات هذا المكان
مهددا بالانهيار على قاطنيه في أية لحظة، وقد طُلب منهم مغادرة منازلهم بادّعاء
"الخوف على حياتهم".
حي القرمي ملاصق تماماً للحي اليهودي، ولا يبعد
عن المسجد الأقصى سوى عشرات الأمتار، وأطماع الاحتلال باتت واضحة للجميع.
صمود وثبات
الحاجة "أم فارس" السلايمة هي المقدسية
التي تجاوزت سن الثمانين وما زالت تعيش في منزلها في "القرمي" رغم جدرانه
المتصدعة، ورغم الخوف الذي يحدق بهم تقول: "أنا أترك بيتي.. لا والله، سأبقى هنا
وسأناشد الجميع لمساعدتنا في ترميمه، وأعلم بأن لا أحد سيسمع، انظروا إلى المنزل، هو
بيت صغير متصدع الجدران، مليء بالرطوبة، سقفه متآكل ومتفكك".
ومنذ دخول الزائر لهذا الحي، المدخل، السلالم،
المنازل، لا يحتاج أن يكون خبيراً أو مهندساً لمعاينة الوضع، فالسقف المنهار يتحدث،
التشققات الموجودة في الأرض والجدران، الأدراج المتآكلة، الحديد الذي يسند المباني،
الحي بذاته يتحدث عن مأساته، ففي ليلة وضحاها قد يقع هذا المكان على ساكنيه.
"أم فارس" تعيش مع أولادها (فارس، وفوزي، وعبد الكريم) وجميعهم
بيوتهم مهددة بالانهيار، يقول فارس: "تقدمنا بمناشدات للعديد من المؤسسات منذ
سنوات طويلة، وقامت مؤسسة الرفاه بتسجيلنا ضمن قائمة طويلة، ومنذ نحو شهر راجَعْتُهم
في مكتبهم في الضاحية، لكنهم قالوا "انتظر دورك"، متى يأتي دوري، حتى ينهار
المنزل؟".
ويضيف: "السقف وقع، والحمد لله لم يُصب أحد
بأذى، وللأسف المياه تتسرب من كل مكان، الرطوبة أكلت الجدران، التشققات تُبعد الجدران
بعضها عن بعض"، مشيراً إلى أن الوضع بات مأساوياً. ويقول: "أستطيع أن أعمّر
وأرمّم بنفسي، لكن أتعتقدون بأن الأمر يقف على بضعة آلاف من الشواقل؟ إن الترميم يكلف
ملايين الدولارات، والمسؤول الأول والأخير هي بلدية الاحتلال وما تقوم به من حفر تحت
الأرض.
وأوضح فوزي السلايمة أن هناك من حصل على 6000
دولار مؤخراً، لكن ماذا فعلوا بها، رمموا منازلهم من الخارج فقط وهذا كما نقول:
"مثل الكحلة في العين"، أي ترميم تجميلي فقط، والمفروض أن يتم ترميم المنزل
من أساساته حتى لا يتعرض للانهيار.
وتوضح زوجة السلايمة، أن الأمطار الغزيرة التي
هطلت الأسبوع الماضي حولت المنزل إلى بحيرة من المياه التي تسربت عبر الجدران والتشققات،
وقالت: "ما إن يأتي الصيف حتى تبدأ هذه المياه المتسربة داخل الجدران بالبحث عن
مخرج فستتفشّى وستبعد الجدران بعضها عن بعض وسنكون في خطر حقيقي آنذاك".
وناشدت عائلة السلايمة جميع المؤسسات المختصة
في مجال الإعمار والترميم لمساعدتهم في حل أزمتهم.
حفريات صهيونية
ويقول المختص في شؤون القدس الدكتور جمال عمرو
لوكالة "قدس برس": "إن سبب التصدعات المخيفة في "القرمي"
هي الحفريات التي تقوم بها بلدية الاحتلال وما تسمى بـ"سلطة الآثار" الإسرائيلية،
لأن الحفريات وصلت إلى مكان قريب جداً من القواعد الأساسية لمباني الحيّ، فأركان المبنى
الإنشائية تفككت عن بعضها البعض، وهذا مؤشر خطير قد يسبّب مأساة في هذا المكان المتضرر
للغاية".
بلدية الاحتلال طلبت من السكان إخلاء المكان بحجة
أنه آيل للسقوط، ويوضح عمرو أن الأمر ليس حرصاً على حياة وسلامة السكان الفلسطينيين
على ما يبدو، وإنما لإفساح المجال لربّما للسطو عليه، فـ"القرمي" ملاصق للحي
اليهودي في البلدة القديمة.
أهالي الحي ناشدوا المؤسسات الوطنية والجانب الفلسطيني
ومؤسسة التعاون ونقابة المهندسين للتدخل العاجل، وكانت أعذارهم تسبقهم بالقول:
"لا ميزانيات ولا إمكانيات متاحة"، على حد قوله.
ويشير إلى أن العديد من المؤسسات حاولت أن تساعد
أهالي الحي، إلا أنها ما إن تُعاين التشققات والتصدعات المائلة داخل المنازل وفي الجدران
حتى "تخاف" وتتردد، لأن الترميم سيحتاج إلى ميزانية مكلفة بملايين الدولارات
ولا يمكن توفيرها.
ومن خلال المعلومات التي وصلت إليها وكالة
"قدس برس"، فإن مساحة محيط المباني الموجودة في "القرمي" هي فقط
1300 متر، بمعنى أن المساحة صغيرة والمباني متلاصقة، إلا أن 240 فرداً يسكنون الحي،
وهم ست عائلات مقدسية ممتدة (الأسمر، الجعبري، السلايمة، وهبة، الطيب، أبو عصب).
فعشرات الأفراد يتهددهم خطر خسارة
منازلهم والقضية بالنسبة لهم قضية "حياة أو موت"، كما يقول الدكتور عمرو،
ويضيف: "لا يمكن الاستئجار، ولا يمكن استصدار رخص بناء، ولا يمكنك العيش في منزل
غير منزلك".
ويحمّل المختص في شؤون القدس مسؤولية ما يحدث
في حي القرمي لبلدية الاحتلال وما تسمى بـ"سلطة الآثار" وجمعية "إلعاد"
الاستيطانية، فجميعها تتحمل ما آلت إليه الأوضاع في الحي.
ويوضح أن هناك من قام بإجراء دراسات تفصيلية وتوصيات
هندسية مميّزة، لكن ليس المطلوب دراسات فقط، بل لا بد للأقوال أن تتحول إلى أفعال،
وطالب بأن يكون هناك قرار وطني فلسطيني بالتدخل العاجل وترميم الحي وإنقاذ حياة عشرات
المقدسيين.
المصدر: المركز الفلسطينيي للإعلام