دراسات عن أوضاع الفلسطينيين في الداخل والخارج: 54,5 % من الأسر تفتقر إلى الأموال لشراء الطعام
الخميس، 10 أيار، 2012
كثرت الأبحاث والدراسات التي تُجرى لمعرفة أوضاع الفلسطينيين المقيمين واللاجئين، وذلك بهدف معرفة أحواله الاجتماعية والصحية والتعليمية.
وكانت مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج في الفترات الأخيرة محلاً لإجراء أبحاث لدراسة مستوى حياة الفلسطينيين، ما يعكس اهتماماً دولياً ومؤسساتياً، وما يعكس أيضاً رغبة في معرفة أوضاع اللاجئين من زوايا علمية، في مجتمع جزء منه يقع تحت الاحتلال، وجزء منه لاجئ.
واستقطب المجتمع الفلسطيني مؤسسات الدراسات والأبحاث لإجراء الإحصائيات اللازمة، وذلك نظراً إلى أهمية القضية الفلسطينية، والأدوار والمشاريع المراد إمرارها، ولمعرفة التوجهات المستقبلية للفلسطينيين، في ظل التطورات السياسية والاجتماعية. ولا يمكن فصل ما هو سياسي عمّا هو اجتماعي، وهذا ما أكده الأستاذ في جامعة تينسي الأميركية بريان باربر.
السياسة والمعاناة
وعقد في بيروت أخيراً مؤتمر «صحة الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها» نظّمه «معهد الصحة العامة والمجتمعية» في جامعة بيرزيت، و»كلية العلوم الصحية» في الجامعة الأميركية في بيروت. ولم تكن السياسة بعيدة عن الأرقام والمعطيات؛ إذ قال فلسطيني من الضفة الغربية نقل شهادته أمام المؤتمر:
«لا يمكنني أن أجد شخصاً يتمتّع بحياة سعيدة؛ إذ حتّى الأشخاص الذين يملكون المال أو يعملون في وظائف جيّدة هم يفتقدون الحريّة، حريّة التعبير والتجوال والسفر والتعرّف إلى ثقافات مختلفة بسبب الاحتلال الإسرائيلي ونقاط التفتيش والجنود الإسرائيليين الذين يطرقون الأبواب على غفلة»، بهذه الكلمات أجاب.
شكّلت البحوث العلميّة والطبيّة، وفق جقمان، «أداة للدفاع وللمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق العدالة، وخصوصاً في وجه اللوبي الصهيوني الذي يعمل للحدّ من نشر الأعمال البحثيّة الفلسطينيّة في المجلات العالمية. وتسمح تلك الأداة للفلسطينيين بأن يخبروا قصتّهم الخاصة بدلاً من أن يخبرها الآخرون فيصنفوهم ضحايا أو إرهابيين، وهم ليسوا ضحايا وليسوا إرهابيين». وذكّرت جقمان بما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، «أن المعارف يجب أن تشمل صوت المضطهدين والمهمّشين».
ورأى عميد كليّة العلوم الصحيّة في «الجامعة الأميركيّة في بيروت» إيمان نويهض أن «البحث العلمي لا يقتصر على الأرقام والبيانات فحسب، بل يشكّل سلاحاً مقاوماً وأداة للتواصل بين الأفراد، والتعبير عن أنفسهم خارج حدود بلدانهم». ونقل نويهض عن رسالة نشرتها مجموعة من طلاب الماجستير في «جامعة بيرزيت» في المجلة الطبيّة «ذا لانست» في تموز 2010، أنّ «المعرفة والتعليم وبناء المؤسّسات التعليميّة هي سبيل لنيل الحريّة والاستقلال»، وأنّه «على الرغم من أنّ من الممكن أن يتحدّث المرء عن الواقع الصحّي للفلسطينييّن، لكن من غير الممكن نقل معاناتهم في العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي».
الواقع الصحي
الواقع الصحي للفلسطينيين كان محل اهتمام؛ إذ استناداً إلى تحليلات علميّة، قدّرت الدكتورة نيفين أبو رميلة من «معهد الصحة العامة والمجتمعيّة» في «جامعة بيرزيت»، زيادة انتشار معدّل السكّري بين الأفراد في الضفّة الغربيّة، وتوقّعت أن يسجّل نسبة واحد وعشرين في المئة عام 2020 ونسبة ثلاثة وعشرين في المئة في 2030. مع الإشارة إلى أن المعدّل بلغ عام 2010 نسبة 16 في المئة وسجّل معدّل السمنة 29 في المئة عند الرجال وأربعين في المئة عند النساء. وبلغت نسبة المدخنين تسعة وأربعين في المئة عند الرجال وثلاثة في المئة عند النساء.
وشدّدت أبو رميلة على أن تخفيف السمنة بنسبة خمسة في المئة يؤدّي إلى انخفاض معدّل انتشار السكّري عام 2030 في الضفّة الغربيّة بنسبة 13 في المئة.
وتبين أن 33285 مريضاً يحتاجون إلى تصريح من الاحتلال للحصول على العلاج خارج قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، وغالباً ما تماطل قوات الاحتلال أو تلغي الموافقة على التصريح. ولاحظ طوني لورانس، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية، مشكلة توقّف سيارات الإسعاف على نقاط التفتيش ونقل المرضى من سيارة إلى أخرى، ما يؤدّي إلى تدهور الوضع الصحّي للمريض.
تعاني نسبة واحد في المئة من سكان قطاع غزّة والضفّة الغربيّة من المصاريف الكارثيّة على الصحّة، أي إن أكثر من أربعين في المئة من مصروف الفرد (باستثناء مصروفه على الطعام) يذهب لتغطية الحاجات الصحيّة. وتعاني نسبة 0.8 في المئة من الفقر الناجم عن سداد مصاريف الخدمات الصحيّة. وهذه الأرقام تلك، وفق الاقتصادي الصحّي في المكتب الإقليمي للشرق المتوسط لـ«منظمة الصحة العالميّة» الدكتور عوض مطرية، مرتفعة، ما يوجب إعادة دراسة توزيع التمويل الصحّي وتوفير الموارد الماليّة الإضافيّة.
ففي شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس عام 2010، أجرت «وكالة الأونروا» و«الجامعة الأميركيّة» في بيروت دراسة في شأن الأوضاع الصحيّة والظروف المعيشيّة للاجئين الفلسطينيين في المخيمات في لبنان. وأشرفت على الجزء المرتبط بالصحّة الأستاذة المشاركة في كليّة العلوم الصحيّة في «الأميركيّة» الدكتورة ريما حبيب. شملت الدراسة 2501 أسرة تضمّ 11092 شخصاً. وأظهرت النتائج، وفق حبيب، أن خمسين في المئة من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين ستة عشر عاماً وثمانية عشر عاماً غير ملتحقين بالمدارس، وأن ثلثي المراهقين الذين تجاوزوا الخمسة عشر عاماً لا يتابعون دراستهم الثانويّة، وأن 63 في المئة من الأشخاص في سنّ العمل هم عاطلون من العمل، وأن 66.4 في المئة من الأفراد يتقاضون أقلّ من ستة دولارات في اليوم.
أضافت حبيب أن ثلث العينة تعاني أمراضاً مزمنة يزيد انتشارها عند الفئات الفقيرة والمتقدّمة في العمر. واستناداً إلى الأرقام، فإن النساء والمتقدّمين في السنّ، والأفراد الذين لم يكملوا تحصيلهم العلمي، والذين يعانون أمراضاً مزمنة أو شديدة، والذين يعيشون في عائلات كبيرة وفي بيوت تفتقر إلى المقوّمات الأساسيّة، هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسيّة.
وفي سياق متّصل، عرضت مساعدة رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» زينا غنطوس نتائج دراسة قامت بها البعثة في عام 2010 في مخيّم برج البراجنة. شملت الدراسة 748 فرداً، وأظهرت النتائج أن نسبة خمسة عشر في المئة يعانون اكتئاباً شديداً، وأن أربعة في المئة يعانون اضطراباً ثنائي القطب، وأن 24 في المئة يعانون اضطرابات المزاج والقلق. وركّزت غنطوس على النقص في التوعية وتوفير العلاج؛ إذ لا تتلقى نسبة 96 في المئة من المرضى المتابعة النفسيّة، وتعتبر نسبة أربعين في المئة من المرضى أنها ليست بحاجة إلى علاج طبّي أو نفسيّ.
وأكّدت الدكتورة في كلية الزراعة والعلوم الغذائيّة في «الأميركية» هلا غطاس، أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي يسجلان معدّلات مرتفعة في المخيمات الفلسطينيّة في لبنان. أجريت الدراسة عام 2010، وشملت 2501 أسرة، وبيّنت أن نسبة 68.3 في المئة تواجه أمناً غذائياً هشاً، وأن نسبة 12.7 في المئة من العينة تعاني انعدام الأمن الغذائي بمستوى شديد. ويرتبط انعدام الأمن الغذائي بالفقر، وبحجم العائلة، وبجنس ربّ العائلة ونوع مهنته.
واعتبرت الدكتورة في كلية العلوم الصحيّة في «الأميركيّة» ريما عفيفي أن ظاهرة الاستقواء عند الأولاد في مدارس اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن والأراضي الفلسطينيّة مرتبطة بواقع العنف وسيطرة القوة، ولا تقتصر على المجتمعات الفلسطينيّة. وعرضت عفيفي نتائج دراسة في شأن الاستقواء عند التلاميذ أجرتها «وكالة الأونروا» عام 2010 في مئة واثنتي عشــرة مدرسة، وشملت 9973 تلميذاً في صفوف السابع والتاسع، أظهــرت أرقــام الدراسة أن ستين في المئــة من الذكور وخمسين في المــئة من الإناث تعرّضوا لحالات استقواء معنوي أو جسدي أو لفظي أو جنسي، ما يؤثّر في صحتهم النفسيّة. وشكّل الذكور والتلاميذ الذين يعانون زيادة أو نقصاً في الوزن، ومن هم أكبر سنّاً الفئة الأكثر عرضة للاستقواء.
الأسرة وسوء التغذية
وأجرت الباحثة في «وكالة الأونروا» الدكتورة سلوى مسعد، عام 2009، دراسة في انتشار سوء التغذيّة والسمنة عند تلاميذ المدارس، وشملت عيّنة البحث ألفاً وأربعمئة وخمسة وثمانين تلميذاً. وأظهرت النتائج أن نسبة 54.5 في المئة من الأسر تفتقر إلى الأموال لشراء الطعام، وأن نسبة 23 في المئة يعانون الجوع، ونسبة 17 في المئة من الأولاد يأوون إلى الفراش جائعين. وسجّل معدّل سوء التغذيّة 3.3 في المئة، وزيادة الوزن 12.4 في المئة، والسمنة 5.9 في المئة. مع الإشارة إلى أن أرقام المسح الوطني عام 2010، أظهرت أن نسبة 38 في المئة من سكان الضفة الغربيّة وقطاع غزّة يفتقرون إلى الأمن الغذائي، ونسبة 19 في المئة من الأطفال (من ثمانية أشهر إلى تسعة وخمسين شهراً) يعانون فقر الدم، ونسبة التقزّم (أي قصر القامة بسبب سوء التغذيّة) عند الأطفال دون الخامسة من العمر ارتفعت بنسبة واحد وأربعين في المئة في عشرة أعوام.
وتبيّن للدكتور عماد إسماعيل العاوور أثناء دراسة أعدّها عام 2008 في غزة، في شأن العوامل المؤثّرة بوفيات الأطفال الحديثي الولادة والذي شمل مئتين وعشرين حالة وفاة وأربعمئة وخمسة وتسعين طفلاً حديثي الولادة، ارتباط نسبة وفيات حديثي الولادة بعوامل عدّة، مثل زواج الأقارب، الوضع المعيشي للأسرة، عدد مرّات الحمل، مدّة الحمل، التباعد بين الحمل والآخر، وزن الطفل، والتشوّهات الخلقيّة عند الجنين.
وعرض الباحث في «الجامعة الإسلاميّة» في غزّة الدكتور أكرم محمد أبو صلاح نتائج بحثه في شأن العوامل المؤثّرة في انخفاض وزن المولود، دون الكيلوغرامين ونصف. أجرى أبو صلاح البحث عام 2007 وشمل أربعمئة وستّة وأربعين طفلاً، وأظهرت النتائج وجود سبعة عوامل تزيد من احتمال إنجاب طفل ذي وزن خفيف. ترتكز تلك العوامل على ظروف الحياة غير الآمنة، التعرّض للضغط النفسي والصدمات النفسيّة، مدخول الأسرة، الوضع الاقتصادي للزوج، الدخل الشهري، والنقص في الطعام. واستنتج أبو صلاح أن الضغط النفسي يزيد من إفراز مادة الأدرينالين التي تؤثّر في رحم المرأة، وأن قلّة المواد الغذائيّة تؤثّر في صحّة الحامل والجنين.
واستناداً إلى نتائج ثلاث دراسات أجريت في الأعوام 1995، 2000، 2005، وشملت 10890 أماً فلسطينيّة في سوريا، لبنان، الأردن، قطاع غزّة، الضفّة الغربيّة، لفتت مديرة برامج حماية الصحة وتعزيزها في «منظمة الصحة العالميّة» في القاهرة الدكتورة هيفاء ماضي إلى زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة عند اللاجئات الفلسطينيات.
وتشير النتائج إلى أن معدّل استخدام وسائل تنظيم الأسرة بلغ 32.1 في المئة في عام 1995، و49.9 عام 2000 ليصل إلى 55.4 عام 2005. وتترافق تلك الزيادة مع انخفاض معدّل الخصوبة، أي مجموع المواليد للمرأة الواحدة، إذ بلغ معدّل الخصوبة عام 2005، 3.2 مقارنة مع 3.5 عام 2000 و4.7 عام 1995. وتقرأ ماضي في تلك الأرقام قبول الأمهات الفلسطينيات وسائل تنظيم الأسرة وإدراكهن أهميّة التباعد بين الحمل والآخر، في حماية صحّة الأم والطفل.
استنتاجات
تظهر هذه الإحصائيات مجموعة ملاحظات منها:
1- ارتفاع نسبة الفقر داخل المجتمع الفلسطيني.
2- صعوبة حصول الإنسان الفلسطيني على أهم حاجاته من طعام ورعاية صحية.
3- ارتفاع نسبة الأمراض النفسية عند اللاجئين.
4- تحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية مباشرة عن معاناة اللاجئين.
ويبقى أن نشير إلى أن رغم هذه المحن إلا أن الإنسان الفلسطيني يبقى صامداً في أرضه مقاوماً للاحتلال متمسكاً بحقه في العودة.
المصدر: رأفت مرّة – مجلة العودة العدد الـ56